ريتّا دار
في لحظات الحياة الصّعبة، حين تتراكم الضّغوط وتغلق الأبواب أمامنا، يصبح الاستسلام خيارًا سهلًا. لكنّ هناك قوّة داخليّة، قد لا نراها في البداية، قادرة على تحويل الألم إلى انطلاقة جديدة، والضّوء الخافت إلى شرارة تحثّك أن تمضي قدمًا، تلك القوّة تكمن في "التّفاؤل".
أتذكّر قصّة "خالد"، شابّ لم يكد يبلغ الثّلاثين، فقد بصره فجأة بسبب حادثة. كان خالد يعيش حياة عاديّة، يحمل أحلامه ويشقّ طريقه بثقة. لكنّ "العمى" جاء بلا استئذان، وأطفأ ضوء عينيه، تاركًا إيّاه في ظلمة غير متوقّعة. سيطر الإحباط والخوف عليه، وكان من السّهل أن يغرق في بحر من اليأس. لكنّه قرر ألا يكون أسيره.
خالد كان مختلفًا، في أعماق قلبه، لم يستسلم للظلام، بل جعل منه دافعًا للانطلاق. تعلّم كيف يسمع ضحكات الأطفال، وكيف يشعر بنبض المدينة من حوله.
بدأ يروي قصّته، ليس كحكاية ضعف، بل كقصيدة قوّة وانتصار. أصبح مصدر إلهام لكلّ من فقد شيئًا عزيزًا، ورمزًا للنّور الّذي يسطع رغم الظلام.
وبحث عن طرق جديدة ليعيش حياة ذات معنى، تعلّم استخدام تقنيات جديدة، وكرّس نفسه لمساعدة آخرين يعانون من إعاقات بصريّة.
اليوم، خالد متحدّث ملهم، يشجع آلاف الأشخاص على مواجهة تحدياتهم بقلب قوي وعقل متفتّح.
هذه القصة تذكّرنا أن التّحديات ليست نهاية، بل بداية لرحلة جديدة إذا ما تمكنّا من تغيير نظرتنا تجاهها.
الباحث وعالم النفس مارتن سليجمان، مؤسّس علم النّفس الإيجابي، قال ذات مرة: "المتفائل يرى الفشل كحدث مؤقّت يمكن تجاوزه، وليس كجزء من هويّته".
هذه الكلمات تلخّص جوهر القوّة النّفسيّة الّتي يحتاجها كلّ منّا: القدرة على رؤية ما هو أبعد من الظّرف الحالي، والإيمان بإمكانيّة التّغيير.
حين نحافظ على نظرة إيجابية، حتى في وجه المحن، نفتح لأنفسنا آفاقًا جديدة. العقل يبدأ بالتركيز على الحلول بدلاً من المشكلات، وتبدأ الأفكار في التدفق، ما يدفعنا للاستمرار رغم العقبات.
في اقتباس سليجمان، وفلسفته عمومًا، يكمن سرّ عميق. ليس المهمّ أن تواجه المصاعب، بل كيف تراها وكيف تفسّرها. هل هي عقبة تمنعك، أم تجربة تمرّ بها لتصبح أقوى؟ هل تسمح للفشل أن يرسم ملامحك، أم أنّك أنت من ترسم ملامح حياتك بقلم الأمل والصّبر؟
حين تحافظ على نظرة ملؤها الإيمان، ينفتح أمامك عالم جديد. يبدأ العقل في توظيف ملكاته كلّها لاستدعاء حل، ويبدأ قلبك في استشعار النّبض الحقيقي للحياة. لا يعني هذا أنّك لن تتعثّر، بل أنّ كلّ سقوط هو فرصة للنّهوض أكثر قوّة، وكلّ جرح هو علامة على أنّك لا تزال تحارب.
في لحظات الألم، تذكّر أنّ الليل مهما طال، فلا بدّ أن يبزغ فجر جديد. وفي عتمة الهموم، يوجد نور داخلي لا يخبو، ينتظر أن تلتقطه، أن تسير وراءه، لتعيد بناء حياتك كما تريد.
قد لا تكون الأمور سهلة أو سريعة، لكنّ هذه القوّة الدّاخلية تعطي لنا القدرة على الصّبر، والتعلّم من الألم، وتحويله إلى خبرة تثري حياتنا.
في كل مرة تشعر فيها بالضّعف أو الإحباط، تذكر أن هناك شعاعًا من الضّوء ينتظرك في نهاية النّفق. لا تسمح لشيء أن يُثني عزيمتك أو يمنعك من رؤية الفرص التي تنتظرك.
الأمل والرؤية الواضحة لما تريد أن تصل إليه، هما الوقود الذي يدفعك للمضي قدمًا، لا لتتوقّف.
لا تنتظر اللحظة التي تبدو فيها الحياة مثالية. لا تنتظر أن تزول كل الصّعوبات. ابدأ اليوم، بخطوة صغيرة، بنظرة مختلفة، بقصّة تكتبها أنت، ترويها أنت، وتعيشها أنت.
ابدأ الآن بما لديك، وبقوّة نظرتك ستصنع الفرق.