سهام بنت أحمد الحارثية
harthisa@icloud.com
أصدرت وزارة العمل مؤخرا قرارًا يُلزم المؤسسات التجارية التي مرَّ على تأسيسها أكثر من عام بتوظيف مُواطن عُماني واحد على الأقل خلال مدة لا تتجاوز 30 يومًا من تاريخ الإشعار، ويأتي هذا التوجُّه في إطار جهود الحكومة لتعزيز التعمين ورفع معدلات التوظيف في القطاع الخاص، في ظل التحديات المرتبطة بزيادة أعداد الباحثين عن عمل وتغيرات سوق العمل.
ويُمثِّل هذا القرار خطوة إيجابية من حيث المبدأ، خاصةً وأنَّ المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تمثل أكثر من 96% من إجمالي السجلات التجارية في سلطنة عُمان، وتُعد ركيزة أساسية للاقتصاد الوطني، إلا أنَّ التطبيق الفوري لمثل هذه القرارات قد يفرض تحديات كبيرة على هذه الفئة من الشركات، التي غالبًا ما تكون في مراحل التأسيس أو التوسع وتُعاني من محدودية السيولة والموارد البشرية.
تشير التقديرات إلى أنَّ تكلفة الحد الأدنى لتوظيف مواطن عُماني قد تتجاوز 450 ريالًا عُمانيًا شهريًا، شاملة للراتب الأساسي والاشتراكات التأمينية والتكاليف التشغيلية المُصاحِبة، وهذا العبء المالي قد يكون غير مُمكن أن تتحمله بعض المؤسسات الناشئة، خصوصًا في ظل غياب موظفين بدلاء أو دعم مباشر في مرحلة التوظيف، كما إن بعض الأنشطة التخصصية، مثل التقنية أو الخدمات الفنية، قد تواجه صعوبة في إيجاد كوادر عُمانية مؤهلة؛ مما يضطر الشركات إلى تحمل تكاليف تدريب إضافية أو مواجهة ضعف في جودة الإنتاج.
من جهة أخرى، يوفر القرار فرصًا يمكن استثمارها إذا تم تفعيله بطريقة متدرجة ومتكاملة؛ إذ أطلقت الحكومة عددًا من البرامج المساندة مثل برنامج "فرص" وبرنامج "دعم الأجور"، إلى جانب حوافز للمؤسسات الملتزمة بالتوظيف الوطني مثل الأفضلية في المناقصات الحكومية وتسهيلات التمويل، كما إن تعيين موظفين عُمانيين في المراحل الأولى من نمو المؤسسة يسهم في تعزيز فهم السوق المحلي وتحسين صورة المؤسسة لدى المجتمع وصنّاع القرار.
وعند النظر إلى تجارب دول أخرى، يتضح أن تطبيق سياسات التوطين يتطلب موازنة دقيقة بين التشجيع والالتزام، فعلى سبيل المثال، اعتمدت المملكة العربية السعودية نظام "نطاقات المطور" الذي يربط نسب التوطين بحجم الشركة ونشاطها ويُرافقه دعم مالي مباشر من صندوق "هدف". فيما تبنت الإمارات نموذجًا مرنًا يفرض نسبة توطين سنوية محددة لكن يقرنها بحوافز وإعفاءات ورسوم تنافسية. وفي سنغافورة، فرضت الحكومة رسومًا على تصاريح الأجانب وتوظيف هذه العائدات في برامج تدريب وتأهيل المواطنين، ما مكّنها من تعزيز التوظيف المحلي دون التأثير سلبًا على بيئة ريادة الأعمال.
إنَّ نجاح مثل هذا القرار يتوقف على مرونة تطبيقه وقدرة الحكومة على توفير بيئة ممكنة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، سواء عبر برامج دعم مادي مباشر، أو شراكات مع القطاع الخاص لتأهيل الباحثين عن عمل، أو من خلال منح فترات سماح وتدرج في الإلزام حسب حجم النشاط وطبيعة القطاع.
وأخيرًا.. إنَّ المعادلة المُثلى تكمن في ضمان التوظيف الحقيقي لا الرمزي، وتحقيق توازن عادل بين توفير فرص العمل للمواطنين وحماية استمرارية ونمو المؤسسات التي تُشكّل العمود الفقري للاقتصاد الوطني.