مسقط - الرؤية
في أزمنةٍ تُكتب فيها سير الأمم على أطراف دفاتر الاقتصاد والسياسة، تأتي بعض الكتب لتُعيد توازن الرواية. لتقول: إن نهضة الوطن لا تُروى من موقع الحاكم وحده، بل من أعين النساء اللائي مشين في الحقول، وتسلّحن بالعلم، وطرَفن النظر عن الخوف، حين كان الوطن مشروعًا على الورق.
من هذا المدخل تحديدًا يتسلل كتاب "منظومة المرأة العمانية.. في السياسة والثقافة والمجتمع" للكاتب الدكتور « مجدي العفيفي» - الصادر عن هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية - ليقدّم سردًا موسوعيًا متماسكًا، يدمج بين الوثيقة والتحليل، بين التاريخ والمستقبل، ويضع المرأة في مركز البناء الوطني، لا على هامشه.
المرأة في هذا الكتاب ليست رقمًا في سجل، ولا صورة على ملصق.
هي فكرة تنهض.. ظلٌّ يمشي إلى الضوء.. ذاكرة تمحو النسيان، وتُعيد ترتيب المعاني.
إنه كتابٌ لا يروي سيرة امرأة، بل سيرة وطنٍ من خلال عينيها، حين تشبثت بتراب الأرض لا لتُورّثه فقط، بل لتعيد كتابته من جديد.. فكل فصل مرآة صغيرة تعكس جزءًا من الصورة الكبيرة التي نحاول رسمها لهذا الوطن من عيون نسائه.
جاء كتاب«منظومة المرأة العمانية.. في السياسة والثقافة والمجتمع» في 528 صفحة، عبر أربعة أبواب موزعة على 26 فصلا، يتضمن الكثير من الوثائق المهمة والدالة.. ويقدم بمنهحية تحليلاته للأحداث والوقائع والتحولات والشواهد والمشاهد..
رئيس هيئة الوثائق يكتب :
قدم للكتاب الدكتور حمد بن محمد الضوياني رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، فأشار إلى أن موضوع المرأة العمانية وأدوارها المختلفة المتعاقبة على مر العصور والحقب التاريخية، شكَّل ما يستوجب إفراد كتاب خاص لها، يتناول إسهامها المرأة العُمانية في الحياة العامة ومجالات التنمية الشاملة، يجمع مشاركتها العلمية والفكرية والسياسية والاقتصادية والعسكرية، فضلاً عن تقلدها المناصب الوزارية، والوظائف العليا المتعددة، وفي ميادين الخدمة المدنية والصحية والتربوية..
وقال الدكتور الضوياني :« أمضينا في مراجعة ما كتب عن سلطنة عُمان وسلطانها، والوقوف قراءة لما كتب من كتب واصدارات، فوجدنا خير من يقوم بهذا العمل الدكتور « مجدي العفيفي » الذي عاش حقبة تاريخية من عمره، إعلامياً صحفياً مثقفاً، نشيطاً فكرياً وسياسياً، متابعاً للأحداث، محللاً لما يدور في دهاليز السياسة، وخصوصاً السياسات الإعلامية، فقد عاش سنوات من مسيرة النهضة المباركة، ومتابعا،ً وشاهد عيان على نهوض المرأة وإسهاماتها الحثيثة في مجالات التنمية، وكتب في شأنها أطروحات ومقالات مختلفة».
وأنهى منظوره إلى الكاتب والكتاب بقوله «إن الهيئة وفقت في حُسن الاختيار، مما ساعد في اتباع منهجية البحث السليم، وإخراج الدراسة التي وقفنا عليها، وعلى مادتها البحثية، وذلك حتى نقدم هذا الكتاب لأفراد المجتمع، رجالاً ونساءً وأطفالاً، وليكون مرجعاً يبرز دور المرأة، ويحفظ حقوقها وانجازاتها في مجالات التنمية، لتمضي الهيئة قدماً في إيلائها مزيدا من الإصدارات، لرفد المكتبات الوطنية والدولية والمحلية».
شهادة المؤلف الحضورية
تحت عنوان «شهادة حضورية وفؤادية» ذكر مؤلف الكتاب الكاتب الدكتور مجدي العفيفي أنه :«على مدى أربعة عقود من العيش في سلطنة عُمان، كنت شاهداً على صفحات غير مكتوبة في التاريخ، على حكايات تتناقلها الأجيال لا عبر الكتب، بل في ملامح الوجوه، في تفاصيل الحياة اليومية، وفي نظرات النساء اللواتي يحملن إرث الماضي بكل ألقه، ويشقّقن به دروب المستقبل.. لم يكن دوري مقتصراً على المراقبة، بل كنت جزءاً من مشهد التحولات العميقة - الاجتماعية والسياسية والثقافية - التي جعلت المرأة العُمانية شريكاً فاعلاً، لا مجرد عنصر في نسيج المجتمع، بل ركيزة أساسية في تشكيل حاضره ورسم ملامح غده لهذا، كان تكليفي من قبل«هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية» مصدر اعتزازٍ مضاعف، ليس فقط لتوثيق شهادتي عن المرأة العُمانية، بل للمشاركة في مشروع معرفي وثائقي يُعنى بحفظ الذاكرة الوطنية.
أوضح الدكتور المؤلف: لم يكن هذا الكتاب وليد واجبٍ مفروضٍ أو استحقاقٍ وظيفي، بل هو ثمرة شغفٍ حقيقي، رغبةٌ سبقت الواقع وتجاوزت حدود التكليف, فالكتابة عن المرأة العُمانية ليست مجرد توثيق لحضورها في المشهد الوطني، بل هي شهادة تنبع من يقينٍ راسخ بأن ما قدمته وما تقدمه يستحق أن يُسجل بمداد الوعي، لا بحبر المجاملة. إنني أكتب هذا الكتاب لا لأن الظروف اقتضت ذلك، بل لأنني شعرت بنداء المعرفة، بدافع من الإيمان العميق بأن هناك حكايات تستحق أن تُروى، وتاريخاً جديراً بأن يُقرأ بعينٍ أكثر وعياً وإنصافاً.
يستعرض الكتاب شهادة الدكتور مجدي العفيفي الذاتية والموضوعية، وهي شهادة حضورية وفؤادية، من منطلق المعايشة اليومية، والتفاعل المباشر المستمر، مع تجليات وعطاءات نساءٍ خضن تجارب استثنائية في ظل التغيرات العميقة التي شهدتها السلطنة خلال الخمسين عاما الماضية، وقد آثر التعددية التي تثري الفكر في سرديته هذه، فأشرك مع صوته أصوات مؤلفي أكثر من مائة مصدر ومرجع..
المؤلف يُشهد الله على ثلاثة أمور :
أن كل كلمة كتبها، وكل رؤية صاغها، وكل أطروحة طيرها إلى عشرات الوسائل الإعلامية الخارجية قبل المحلية، مكتوبة كانت أم مرئية أم مسموعة.
وأن البرنامج السردي لهذه الكتابات لم يسطِّرها بدافع «الواجب» إنما بدافع «الرغبة» وشتان ما بين «مبدأ الواجب» و«مبدأ الرغبة».
وأن هذا ينسحب على كل ما كتبه في مؤلفاته العديدة والمتباينة، وعلى ما شغله من مواقع صحفية وإعلامية ذات وزن ثقيل، تحرك فيها ولا يزال.
فحق له أن يقول:«شهادتي ليست بمجروحة في تشكيل هذه السردية العمانية, لأنها مبنية على مشاهدات عينية وفؤادية معًا، وقاسمها المشترك هو الإنسان بمكوناته الأصيلة، والمجتمع بتناسجه الدقيق، والدولة بثوابتها ومتغيراتها«
وأن يعلن:«إن للمرأة نصيبا مفروضا في كل كتاباتي.. إذ حملت أشواقها وعذاباتها على ظهر قلمي منذ خمسين عاما مضت، ولا أزال.. قدمت صورتها وصوتها في كتبي ودراساتي التي وضعتها على رفوف المكتبة وعلى رأسها:« الأبعاد المتجاورة في فكر السلطان قابوس« و «منظومة النور والخير والجمال» و «منظومة الثقافة العمانية» و «الشورى العمانية - الرؤية والأداة» و«ليلة في حب عمان» و «دار الأوبرا العمانية..نغم عماني إنساني» و «موسيقى الشرطة» وغيرها، وقدمت المادة العلمية لسيناريوهات لأفلام ومهرجانات عديدة منها - مثالا، لا حصرًا - الآثار العمانية تبوح بأسرارها، مهرجان الأزياء العمانية، مهرجان العيد الوطني، الكوكب الأزرق، مهرجان التاتو، جماليات الطبيعة، مهرجان الفروسية، كنوز البيئة، المحميات الطبيعية في سلطنة عمان، وغيرها».
زهرة فكر من قلم محايد
وبعد أن تفرغ من قراءة هذه السردية السياسية والثقافية والمجتمعية ذات الروح الموسوعية.. تتجلى بين يديك رسالة هذا الكتاب، إذ يقدم رؤية مستوحاة من شهادة عيان عايش تفاصيل التغيير وملامح النهضة المستمرة والمتجددة، شهادة وفاء، لكل امرأة عمانية تحملت التحديات، وشاركت في صياغة ملامح هذه الحضارة.. ثم هو هو بالفعل رسالة أمل، لكل من يؤمن بأن المرأة، أينما وُجدت، قادرة على أن تكون حجر الزاوية في بناء مجتمعات أكثر إشراقاً وتقدماً وتحضرا، بصورة أو بأخرى.
من خلال الأبواب والفصول، نبحر مع المؤلف طويلا في رحلة لاكتشاف أدوار المرأة العمانية عبر التاريخ والحضارة والحاضر، ونتتبع برؤية منهجية، مسارات التحولات التي مرّت بها، وصولا إلى مكانتها الراهنة في عهد النهضة المتجددة.
لذلك حق أيضا للدكتور مجدي العفيفي أن يقول: «أَذهبُ بكتابي هذا ؛ شهادةً أعتز بتقديمها ؛ وتعبيرا عن إحترامي وامتناني ؛ لكل امرأة عمانية ؛ كانت؛ ولا تزال، رمزاً للحكمة، والشجاعة، والإبداع ...».
لذلك طرز حروفه في الإهداء بهذا العبير : «زهرة فكر من قلم محايد، إلى القوة النسائية العمانية : جمالا .. وإبداعا .. وآمالا ..».
تحولات المرأة العمانية
اتخذ الدكتور المؤلف مادة كتابه في الباب الأول من تحولات المرأة العمانية، في خمسة فصول أولها..التمكين والتحديات.. إذ يتوقف ازاء تمكين المرأة العمانية من تحقيق قفزات نوعية في مختلف المجالات شهدت تحولاً تاريخياً غير مسبوق في عصر النهضة الحديثة، الذي أدرك منذ بداياته أهمية إشراك المرأة في المجتمع وتمكينها من حقوقها.
وفي الفصل الثاني «مكانة المرأة في الخطاب » يبين الدكتور المؤلف كييفة ودلالة منح الخطاب العماني المرأة العمانية مساحة متميزة، مخاطبًا المجتمع بأسره، ومعترفًا بدورها الخلاق، ويجيب علىأكثر من علامة استفهام :ما هي الرسالة التي يوجهها الخطاب العماني للمرأة، وكيف تستوعب المرأة هذه الرسالة وتطبقها في حياتها؟ يبث الخطاب العماني إشارات متجددة ويبعث بشارات مستمرة توجه للمرأة رسائل تقدير لدورها، ويشجعها على مشاركة متميزة في مجالات الحياة كافة، حتى أصبحت قواعد وركائز ليست عابرة.
ويبرق الفصل الثالث بـ«غطاء ذهبي للمرأة العمانية» يتمثل في المنظومة القانونية تعكس تطلعات السلطنة نحو تحقيق العدالة والمساواة بين الجنسين، مما يعزز من مكانة المرأة كشريك أساسي في التنمية.
في حين يبحث الفصل الرابع في جذور التحولات النسائية من خلال نظرة عميقة إلى القواعد الأساسية والركائز التأسيسية بشأن دور المرأة محققة تحولات استراتيجية واسعة، تبرز من خلالها رؤى القيادة في تمكين المرأة عنصرا مجيدا، حيث تؤكد على مكانتها في التنمية الشاملة، منذ بداية النهضة إلى الآن.
بينما يعلن الفصل الخامس أن كل المعطيات تؤكد أن المرأة العمانية الأولى دائما في الخليج.. والشواهد والوثائق تؤكد أنها الأولى والسبَّاقة في اعتلاء المناصب العليا والرفيعة على كل المسارات والمستويات.
المرأة العمانية امرأة سياسية
العمانية في قلب السياسة حضارة وحاضرا.. عنوان الباب الثاني الذي يظهر فيه بجلاء الدكتور المؤلف أن المرأة العمانية تعدُّ جزءًا لا يتجزأ من النسيج السياسي والاجتماعي والثقافي للسلطنة، حيث تمتلك جذورًا تاريخية عميقة أثبتت من خلالها قدرتها على التأثير والمساهمة في مختلف المجالات.
يستخرج الفصل الأول جذور المرأة العمانية السياسية، يعرضها لشمس اللحظة الراهنة تحليلا وتعميقا عاكسا شرائح من تاريخها السياسي وقدرتها على التأثير والمشاركة في مختلف جوانب الحياة العامة، إذ كانت النساء في عمان جزءًا لا يتجزأ من العملية السياسية والاجتماعية منذ العصور القديمة، وبرزت شخصيات نسائية بارزة لعبت أدوارًا قيادية ومؤثرة في المجتمع. اليوم، وضعها الدكتور المؤلف تحت عناوين:
دبلوماسية«الملكة شمساء» منذ (4000 عام) صرخة«الزهراء» واستجابة«الإمام».. السيدة «موزة» ودورها القيادي.. «جوخة»حفيدة«الإمام أحمد»وثورتها.. «شمساء الخليلية»الفقيهة والأديبة.. الزعيمة الروحية«الشعثاء بنت الإمام جابر».. السيدة«خولة» ابنة السيد سعيد بن سلطان».. السيدة «ميثاء» مهندســــة الأفلاج.. مذكرات الأميرة سالمة سردية سياسية.. الأديبة عائشة بنت عيسى الحارثية .. العالمة عائشة بنت راشد الريامية .. الفقيهة ثريا بنت راشد اللمكية.. السيدة فاطمة بنت علي البوسعيدية
بهذا الشكل، يظهر دور المرأة العمانية عبر العصور، جزء لا يتجزأ من تاريخ عمان، حيث كانت النساء دائمًا فاعلات في مجالات السياسة والاجتماع والدين، مُعزِّزات للهوية الثقافية العمانية، وتظل ذكريات هؤلاء النساء العمانيات جليَّة. وتمثل نماذج يحتذى بها للأجيال الراهنة والمستقبلية.
يعقب ذلك حديث الفصل الثاني عن «المشاركة النسائية في القرار السياسي» باعتبارها في منظور الخطاب العماني، الجناح الآخر لطائر المجتمع المرأة هي نصف المجتمع، فإن مشاركتها في المجال السياسي والاجتماعي تعزز الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتجعلها جزءًا لا يتجزأ من عمليات صنع القرار السياسي، بل أصبحت مشاركتها أمرًا ضروريًا في الأنشطة والجماعات السياسية، وكذلك في المؤسسات الفكرية والإصلاحية المختلفة.
ويبرهن المؤلف في الفصل الثالث: على النقلة السياسية غير المسبوقة خليجيا، فالتحول البرلماني والسياسي الذي شهدته المرأة في عمان يعتبر مثالاً يحتذى به في العالم العربي، حيث استطاعت أن تحقق إنجازات غير مسبوقة على مستوى الخليج، هذه النقلة لم تكن مجرد حدث تاريخي، بل كانت نتيجة جهود مستمرة وتحولات عميقة في الوعي الاجتماعي والسياسي.
من أجل ذلك، يستعرض تفاصيل التحول البرلماني للمرأة العمانية وتداعياته على المجتمع، يوم تم الإعلان عن مشاركة المرأة العمانية في الدورة الثانية لانتخابات مجلس الشورى، تصويتا وترشيحا (5991-7991) كقرار سياسي بالدرجة الأولى وعلى أعلى المستويات،
ولذلك يؤكد المؤلف الشاهد أن البرلمان العماني يرفض الكوتا وذلك في الفصل الرابع، حيث يقول إن السلطنة لم تأخذ في تعاملها مع الوجود النسائي في البرلمان العماني بنظام «الكوتا» الذي اخذت به كثير من التشريعات العربية لضمان وصول المرأة الى البرلمان.
ويذهب الفصل الخامس إلى تبيان مدى تناغم الخطاب العماني الخاص بالمرأة مع العالمي، مبينا أ نه يُعدّ جزءاً من رحلة تطور اجتماعي وثقافي واقتصادي يشهدها العالم، من خلال متابعة التطورات السياسية والاقتصادية، وكيف قدّمت سلطنة عمان العديد من الشواهد على التزامها بدعم المرأة، حيث استعرضت هيئة الأمم المتحدة عبر تقاريرها مرات عديدة الجهود المبذولة في هذا السياق.
في هذا السياق يدعونا الدكتور الكاتب في الفصل السادس، للإبحار في خضم الحركات النسوية العربية والعالمية، مع تغير النظرة التقليدية للمرأة بشكل ملحوظ، حيث أصبح هناك اهتمام متزايد بدور المرأة في مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك السياسة، بعد أن أظهرت النساء تفوقاً في مجالات عديدة مثل الاقتصاد، وعلم النفس، والدراسات الإنسانية، والعلوم الحديثة، يشهد التاريخ بوجود نساء قدن دولاً وتفوقن في السياسة على الرجال.
ثم يربط الكاتب ذلك، بالبحث في الحركات النسوية في المجتمعات العربية، بدءًا من بداياتها وحتى الوضع الحالي، مركّزًا على تأثيرها في النهوض بدور المرأة وتعزيز مشاركتها في الحياة العامة والسياسية، ليتوقف إزاء الحركة النسائية في منطقة الخليج العربي، ولماذا تأخرت في الظهور بشكل متأخر مقارنة بمصر وبلاد الشام، ويُعزى هذا إلى قوة التقاليد الاجتماعية التي منعت النساء من المشاركة في الحياة العامة، ويحلل الكاتب دلالات اليوم العالمي للمرأة الذي يعود إلى بدايات القرن العشرين، خلال فترة الطفرة الصناعية في أمريكا وأوروبا الغربية، تزامن ذلك مع بداية الحركات التحررية للنساء، التي ارتبطت بحركات العمال المناهضة للاستغلال الرأسمالي.
وفي المحور الأخير من هذا الفصل الشمرلي يحدثنا الدكتور مجدي العفيفي، عن مشروعية التمثيل النسائي. ومعنى أن المجتمعات المعاصرة شهدت تطورًا ملحوظًا في نظرتها لمشاركة المرأة في الحياة السياسية، مما جعل قضية التمثيل النسائي في البرلمانات والمجالس التشريعية تحتل مكانة هامة في أجندة الإصلاح السياسي.. ولم تعد مسألة انخراط المرأة في العمل السياسي موضع نقاشٍب عد أن أصبح التمثيل السياسي النسائي جزءًا لا يتجزأ من النظام الديمقراطي الحديث، إذ اعترفت الدول بشرعية ومشروعية مشاركة النساء في السياسة كحق أصيل، يعزز قيم العدالة والمساواة.
القوة الناعمة النسائية
يعد هذا الباب أوسع الأبواب إذ أفرد الدكتور المؤلف له عشرة فصول، مضيئا تحليله العميق بلغة الاعماق البعيدة، شواهد ومشاهد «القوة الناعمة النسائية العُمانية ســردية متناسجة» التي تتجلى كوجه حضاري نابض يعكس هوية البلاد وتراثها العريق، مزيجًا متناغمًا من الأصالة والتجديد.
يستعرض الدكتور العفيفي في فصول هذا الباب تجليات هذه القوة النسائية في إطار كتلة سردية متكاملة تحتضن عشرة محاور متداخلة ومترابطة هي :
المرأة السياسية: قيادات في قلب القرار.. الدبلوماسية النسائية: سفيرات التأثير العالمي.. السردية الثقافية: الآداب والفنون والكتاب والفرشاة.. المرأة الإعلامية: صوت عُمان في الأثير والشاشات.. جمعيات المرأة العُمانية قناديل مضيئة وعلامة فارقة.. الأزياء النسائية: وقار وإبهار ورسالة متجددة.. هؤلاء الرائدات : جيل التأصيل والتأسيس فذاكرة التهضة لا تنسى جيل الرائدات، .. القوة النسائية الناعمة: محرك للنهضة والتنمية
في هذا الباب الناعم؛ ينغوص الدكتور المؤلف في تفاصيل كل محور من هذه المحاور، لنستكشف كيف تنسج المرأة العُمانية خيوط القوة الناعمة، مكرسةً بذلك مكانتها كرمز للتأثير والإلهام.
شعلة الوقف النسائى العماني
يختتم المؤلف الكتاب بالحديث عن الوقف النسائى نور الصيغة الحضارية، في بابه الرابع والأخير، مؤكدا أن الوقف النسائي.. شعلة مضيئة في التاريخ، فالتاريخ العماني حافل بنماذج نسائية تركن إرثاً ثقافياً واجتماعياً عبر الوقف النسائي..
في هذا الباب، يستعيد المؤلف برؤيته التحليلية التي تميز منظور، إلى صفحات التاريخ لنستلهم من نور النساء العمانيات اللواتي ساهمن في ترسيخ هذه القيم، والتي لا تزال آثارها حاضرة حتى اليوم، إذ يُعد الوقف الإسلامي من أبرز المعالم الحضارية التي أرساها المسلمون لتحقيق التكافل الاجتماعي والتنمية المستدامة.
والوقف ليس مجرد مفهوم خيري في عمان، بل هو إرث حضاري يعكس قيم المجتمع العُماني عبر العصور، ويُعد الوقف النسائي وسيلة فاعلة لتعزيز التنمية في مختلف القطاعات، بما في ذلك التعليم، الصحة، والاقتصاد، كما أنه يعكس دور المرأة في بناء المجتمع وتحقيق التكافل الاجتماعي.
ومن خلال النماذج الوقفية تتبدى عراقة الحضور النسائي في الوقف في عُمان، حيث قدمت المرأة إسهامات مستدامة أثرت في حياة الأفراد والمجتمع.. ومن خلال هذه الوثائق التي تبوح بالأسرار ، يمكننا أن نفهم أبعاداً جديدة لدور المرأة العمانية في البناء الحضاري والتنموي الذي يُعد جزءاً لا يتجزأ من تاريخ عُمان العريق.