اختلاف الرأي له حدود

سالم كشوب

sbkashooop@gmail.com

 

من الطبيعي أن نجد وجهات نظر مختلفة بين البشر في مختلف مواضيع الحياة وكل طرف يحاول أن يُبرر حسب اعتقاده بأن ما يؤمن به ويقتنع به هو الصحيح ولكن أن يصل اختلاف الرأي إلى الابتعاد عن جوهر الموضوع والنقاش والتطرق إلى الأمور الشخصية لأي طرف فاعتبره خطأ ويعبر عن شخصية لا تُؤمن بلغة الحوار والنقاش واحترام وجهات النظر الأخرى وهو من وجهة نظرنا المتواضعة يرمز إلى وجود شخصية محدودة التفكير والإدراك ولا تعبر عن المجتمع الواعي المتحاب الذي مهما اختلف في التوجهات والآراء تظل لغة الاحترام والتآخي هي السائدة وهذه طبيعة المجتمعات العربية التي نشأت على الأخلاق الحميدة وحسن الجوار والتعامل الحسن الذي يدل على الثقة بالنفس وليس الضعف أو عدم القدرة على المواجهة أو الرد.

للأسف الشديد ما نراه من بعض النقاشات في فضاءات التواصل الاجتماعي التي أصبحت تشغل بال وتفكير ومتابعة الكثيرين- لا سيما الجيل الشاب- انحرف عن مسار النقاش الهادف إلى التركيز على الأمور الشخصية للفرد ومحاولة التقليل والنيل منه فقط لاختلاف وجهة نظر في موضوع ما، وبالتالي بدلاً من وجود نقاشات مثرية إيجابية يُستفاد منها، أصبحت وسيلة لكسب المزيد من المتابعات والتعليقات والمحصلة للأسف صفر وبالتالي من الأهمية بمكان لأي فرد أن يعي تمام أن اختلاف الرأي له حدود معينة ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتحول من الموضوع محل النقاش إلى أمور سطحية لا تعني للمتلقي والمستمع أي شيء؛ بل بالعكس يولد صورة غير صحيحة لمجتمع ما نتيجة ما يتم تداوله في منصات التواصل الاجتماعي.

علينا جميعاً أن ندرك أننا مسؤولون أمام الله أولاً وأمام أنفسنا وأمام وطن ينتظر منَّا الشيء الكثير أن نعي قيمة ما يتم طرحه وتداوله فأغلب مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي من فئة الشباب وبالتالي من الأهمية بمكان الطرح والنقاش الإيجابي المثري والتركيز على كل ما من شأنه خدمة وتطوير وتنمية الوطن والابتعاد عن الدخول في مواضيع ونقاشات لا طائل منها أو مردود إيجابي غير المشاحنات والمناكفات ونحن في عصر يتم استخدام تلك المنصات الرقمية للتأثير السلبي في عقلية ونمط تفكير المجتمعات، مما يتطلب الوعي ثم الوعي ثم الوعي بطريقة التعامل مع تلك المنصات وما يتم ضخه من مواضيع وتغريدات في ظاهرها تناقش مواضيع عامة وتمس المجتمع ولكن من يتمعن في أسلوب الطرح وسرد المعلومات والنقاش يدرك أنها تهدف إلى التأثير السلبي والتركيز على نشر حقائق مزيفة ومصطلحات وردود استفزازية بهدف إثارة بلبلة وتشتيت وردات فعل سلبية والمحصلة مشاحنات وضياع وقت بدون أي فايدة أو أثر إيجابي مردود.

للأسف تتحمل بعض المنصات الإخبارية دورا سلبياً في عملية الإثارة السلبية من خلال تسليط الضوء على بعض المواضيع والطرح الذي لا يقدم أي فائدة مرجوة سواء للمتلقي أو المجتمع إلا فقط ردود فعل سلبية، مما يتطلب أولاً أن يعي القائمون على تلك المنصات أنهم أمام مسؤولية كبيرة أمام الله، وأمام مجتمع ينتظر منهم تقديم ما هو إيجابي ومفيد، وأيضاً أهمية أن تقوم الجهات المسؤولة عن تلك المنصات بمتابعة ما يتم نشره، ليس من باب تضييق الحريات، وإنما ضمان تقديم محتوى يسهم في التوعية ويتماشى مع متطلبات وظروف العصر.

ختامًا، وكما أشرنا في البداية، فإنَّ اختلاف وجهات النظر سنة كونية ولا يوجد بها أي إشكالية، ولكن من المهم أن تكون في حدود معينة وفي جوٍ يسوده الاحترام المتبادل، ويُظهر للمتلقي نضج ونبل صاحب الطرح وفي المقابل الطرف الآخر قد يتفق أو لا يتقبل ذلك الطرح ولكن ليس من الإنسانية أو الأخلاق أو تعاليم ديننا الحنيف أن ينتقل الاختلاف إلى مهاترات وسب والتعرض للحياة الشخصية لكل طرف ولا ينزل إلى مستوى في النقاش لا يتناسب مع نمط تفكيره لمجرد ردة فعل غاضبة مُؤقتة.

الأكثر قراءة