بيوت تزهر بالمودة

سلطان بن ناصر القاسمي

حينما نتأمل في تطور الأمم ورقي المجتمعات، نجد أن للمرأة دورًا محوريًا لا يُمكن تجاهله، فهي قلب الأسرة النابض، ومصدر الاستقرار والنماء في البيت والمجتمع على حد سواء. فالحديث عن المرأة ليس حديثًا عن نصف المجتمع فحسب؛ بل عن كل المجتمع، لأنها التي تربي، وتُعدّ، وتؤسس الأجيال. هي الأم والزوجة والأخت، وهي اليد التي تُمسك بخيوط التنشئة والتوجيه، لذا فإنَّ مكانتها ليست محل تكريم اجتماعي فقط، بل تشريف إلهي، ارتقى بها منذ أول لحظة خُوطب فيها الإنسان، رجلًا وامرأة، بتكليف إلهي واحد، لتبدأ حكاية الاستخلاف من الزوجين معًا، في مشهد رباني عظيم من المساواة والتكامل.

ولهذا، شدني وأنا أتصفح أحد مواقع التواصل لقاء لعائلة من إحدى الدول العربية، كان فحوى محتوى اللقاء سؤال المذيع للزوج: من الأفضل طبخ الوالدة أم الزوجة؟ وتوقف الزوج لبرهةٍ من الوقت للتفكير في الجواب، وإذا بمداخلة الزوجة بالرد على السؤال بأنَّ طهي عمتها أفضل، أكيد! هذه المرأة الصالحة تعي أنَّ التوفيق والنجاح برضى الابن لوالدته، وأن احترامها ومحبتها لأم زوجها يفتح الله لهما باب الخير والرزق. ومن هنا، عزيزتي الزوجة الصالحة، إذا أردت أن تمسكي قلب زوجك، أكرمي أمه. وأنت أيُّها الرجل، إذا أردت أن تملك قلب زوجتك، فأكرم أمها. هذه مُعادلة، وإن حدثت التنافسية بهذه المعادلة، فيصبح المجتمع فاضلا.

فعند الحديث عن الكنة والحماة، فهي في الغالب مصيبة المصائب، والتغلب عليها في التقوى، أن تتقي كل واحدة منهن الله في الأخرى، وأن لا تحاول كل واحدة أن تشوه صورة الأخرى في نظر الابن أو الزوج، أن يعي الابن أو الزوج مكانة كل واحدة منهن، وأن يعمل الزوج منذ بداية زواجه على زرع الاحترام والمحبة في قلب الزوجة للأم، والعكس صحيح. أن تعي كل من الطرفين حدود الله في تعاملهن مع بعضهن، وأن سعادة الأسرة وصلاح المجتمع في معرفة ووعي الجميع حقوق وواجبات الوالدين وكذلك الزوجة. هنا يصلح المجتمع بصلاح الأسرة.

فكثير من المشاهد والمواقف الجميلة المفعمة بالاحترام والتقدير من أم الزوج لكناتها، في تعاملها معهن كبناتها، مما زاد في محل احترامها، وكثير من تقدير الزوجات العاقلات ممن تعامل أمهات أزواجهن كأمهاتهن، وهنا تسود المودة والمحبة بين أفراد الأسرة الواحدة. وهنا يستحضرني موقف، حيث قامت الأم في إحدى الأسر بتوزيع جزء من نصيبها من أملاكها بين بناتها وزوجات أولادها بالتساوي، محبة في زوجات أبنائها، لتتحقق الألفة والمحبة لتلك الأم العظيمة من الجميع، مما جعلنا نأخذ موقفها كأحد الدروس المستفادة من هذه الحياة، المليئة بالمتناقضات الأسرية والتدخلات في الحياة الزوجية للأبناء، مما يجعل تلك العلاقات مشدودة، بحيث ينتظر كل طرف الخطأ من الآخر في بعض الأسر، للأسف، متناسين أهمية المودة والمحبة بينهما، لوجود أبناء لدى الزوجة هم أحفاد لأم الزوج، التي من الأكيد بأنها تختزن من الحب العظيم لأبناء الزوجة.

وكذلك المقولة التي تتحدث بأن كل ما يحدث من قبل الزوجة أو الابن تجاه أمهاتهم وآبائهم هو دين سيقضى عاجلا أم آجلا. ونسأل الله تعالى أن يصلح أبناءنا وبناتنا من شر الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يصلح مجتمعاتنا الإسلامية من تلك الفتن، والعياذ بالله.

ورسالتي لكل زوجة: اتقِ الله في أم الزوج، لأنك تقحمين نفسك في معركة خاسرة، خصمك فيها باب الجنة للابن. فالابن البار سيرى خطأ أمه صوابًا لأنها أمه، لذلك، أيتها الزوجة الصالحة، لا تقحمي نفسك في تلك المعركة، واعملي منذ بداية زواجك أن تجعلي أم زوجك هي جنتك أنت، واعملي على برها لأنها أم زوجك، وهي أمك أنت أيضًا. وهذه هي رسالتي كذلك للزوج.

فيا أيتها المرأة الصالحة، إن كان تعامل زوجك واحترامه وتقديره لك، ويحاول دائما إسعادك وإرضاءك، وإرضاء والديه، فهذا رجل صالح ومكانه عز الرأس، وبالتالي لا تحاولي إفساد حياتك الأسرية وإقحامها في فوضى المشاكل الأسرية حتى ترضي غيرتك ومزاجيتك. ورسالتي الأخرى للأم: يجب أن تعي أن ابنك الآن لديه أسرة وحياة جديدة، يتطلب منك أن تسهلي وتيسري مسير تلك الأسرة، وأن تضفي على من دخل حياة ابنك الجديدة الحب والتقدير والرضا، حتى تستمر نجاحات أسرتك من خلال نجاحات أسر أبنائك وبناتك.

ومن جميل المواقف التي تسطر بالفخر، أن إحدى الزوجات ذكرت كيف أن أم زوجها كانت ترسل لها رسائل دعاء في كل صباح، وتدعو لها بيوم سعيد وصدر رحب وذرية صالحة، مما جعلها تتعلق بها كأم ثانية، وتبادلها نفس المحبة والاهتمام. هذه التفاصيل الصغيرة تصنع المعجزات في العلاقات، وتجعل لكل بيت طعما مختلفا من الحب الصادق والصفاء الأسري.

ومن جهة أخرى، لا ننسى أن الزوجة الحكيمة هي من تعلم أن الاحترام المتبادل لا ينتزع بالقوة، بل يزرع بالحكمة والرفق. فالحياة الأسرية كحديقة، كلما سقيناها بالمودة والتفهم، أزهرت، وإن تركناها للغضب والغيرة، ذبلت. والأم الواعية كذلك تدرك أن احتواء الزوجة ودعمها لا يقلل من قيمتها، بل يزيد من هيبتها واحترامها في قلب ابنها وأحفادها.

ولهذا، فإننا حين ندرك أن الأسرة هي اللبنة الأولى لبناء المجتمع، نعي تماما أن حسن العلاقة بين الزوجة وأم الزوج، وبين الزوج وأم الزوجة، ليست مجرد تفاصيل هامشية، بل هي جوهر الاستقرار وأساس المودة. فحين تبنى البيوت على الاحترام، وتروى بالعطاء، وتزينها النية الطيبة، يصبح كل فرد فيها سببا في صلاح المجتمع، لا عبئا عليه. إن الترفع عن الصغائر، وتقديم حسن الظن، وغض الطرف عن الهفوات، هي مفاتيح الحياة الأسرية الراقية التي نرجوها لأجيالنا.

فلتكن كل زوجة حاملة لرسالة مودة، وكل أم عنوانا للعطاء، وكل زوج جسرا للسلام بين من يحب، فبهذا وحده، تزهر البيوت وتستقيم الحياة، ويبارك الله في الأعمار والذرية والرزق. وصدق الله العظيم إذ قال: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا)، فكم من كلمة طيبة أطفأت نارا، وكم من موقف رحيم أبقى بيتا عامرا بالحب والخير.

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة