-
.. يفزعنِي منظر مدينتي مسقط العامرة هذه الأيام؛ فشوارعها تكاد تخلو من زحامها المعتاد، وطرقاتها تشكو هجران سكانها بعد أن سافر أغلبهم هربًا من قيظ مسقط؛ لتتلقفهم مطارات ومنافذ دول أخرى؛ لتستفيد من إنفاقهم السياحي السخي.
لم أشهد من قبل "مسقط" وهي تعاني مثل هذا "الفراغ البشري".. تلاشت مظاهر الحيوية المرتبطة بالكثافة البشرية، خاصة في الأماكن التي اعتدنا مشاهدتها مكتظة بالناس، وبدت الشوارع شبه مقفرة، بعد أن كانت تَئِن جرّاء الاكتظاظ بالمركبات من كل شكلٍ ولونٍ.
إذن؛ هو موسم الهجرة إلى بلدان لا تعرف قيظًا مثل حر مسقط، أو تغلّبت عليه بعقلية تحويل الأزمة إلى فرصة، وهذا ما نحتاجه لنحوّل بلادنا إلى مقصد في كل الفصول، بدلًا من أن نسارع إلى هجرها لمطاردة هذه الفصول في أركان الدنيا الأربعة.
وقد علّق أحد الظرفاء بأن المردود الإيجابي الوحيد لموسم السفر الجماعي هذا، هو أننا قد نشهد أسبوعًا بلا حوادث بسبب قلة السيارات في الشوارع، واختفاء الماراثون اليومي الذي كان يحصد أرواح شبابنا.
والآن دعونا نتعمّق قليلًا في مفهوم فن تحويل الأزمة إلى فرصة، أو بمعنى آخر الاستثمار في تغيير "السلبي" إلى "إيجابي".
هذا المفهوم يعني ببساطة أن نوظّف ما يبدو في ظاهره عاملًا سلبيًّا إلى مؤشر إيجابي يمكن الاستفادة منه حاضرًا وعلى المدى الطويل؛ ليدرج ضمن عوامل الاستدامة الاقتصادية.
وفي الواقع الماثل، ثمّة دول طبقت هذا المبدأ، محوّلة سلبيات المناخ، وعقبات الموقع الجغرافي إلى مميزات تجذب إليها السيّاح من كل حدب وصوب، بل وصل الأمر ببعض الدول إلى أن تجعل من ندرة الموارد الطبيعية محفزًا لطاقةٍ خلاقةٍ تعرف كيف تتعامل مع الموارد الشحيحة، وتبحث عن البديل لتوظيفه بالصورة المثلى، ودونكم اليابان وماليزيا، وغيرها من الدول الفقيرة بمواردها، الغنية بحسن توظيفها.
وقد يقول قائل: كيف يمكن أن نتغلب على عوامل طبيعية كحرارة الجو في موسم الصيف لنجتذب الزوار والسيّاح إلى بلادنا؟
أقول ردًا على هذا التساؤل المحتمل: بعض الدول جعلت من حرارة الجو ميزة سياحية، وسوّقتها لأولئك الباحثين عن حصة من شمس الصيف؛ ليشحنوا منها عزائمهم لمواجهة زمهرير شتاءٍ في بلاد "تموت من البرد حيتانها".
ليس هذا فحسب، بل ليكتسبوا منها اسمرارًا يبحثون عنه، ويقطعون في سبيله آلاف الأميال.
وعلى مرمى حَجَر من عُمان، ثمة دول تروّج لنفسها بالسياحة الصحراوية لمن يطلبها من "الخواجات"، وتُمنِّي القادمين من البلاد الحارة بأجواء باردة، وكأنها في القطب الشمالي، وكل هذا عبر حِزَمٍ من الفعاليات تُنسي السائح حرارة الطقس، بل وتجعله يتماهى معه كجزء من متطلبات المشهد السياحي.
علينا التفكير بهذه العقلية لتوظيف مواردنا، وواقعنا الجغرافي ومعطياته بصورة مثلى، ضاربين المثلَ بأنفسنا في الإقبال على قضاء الإجازة في ربوع بلادنا، حتى نقنع الآخرين بالقدوم؛ لأنه من الصعب أن يفكر السيّاح في الحضور إلى بلادنا وهم يشاهدوننا نزاحمهم في بلادهم، ويسمعوننا ونحن نُطْنِب في الحديث عن قساوة أجواء بلادنا، وخلوّها من الملامح الجمالية.
بل على العكس من ذلك، علينا أن نتصدى -جماعة وأفرادًا- لمسؤولية الترويج السياحي لبلادنا، خاصة في المواسم التي لا تشهد إقبالا من السيّاح؛ ومنها: موسم الصيف.
فنكون بذلك قد عكسنا الآية، وغيّرنا الواقع الحالي الذي له آثارٌ سالبة جمة على الاقتصاد؛ فمثلا بعد أن كنا 700 ألف مستهلك في مدينة كمسقط مثلًا، أصبحنا لا نتجاوز الـ200 ألف مستهلك؛ بسبب السفر الجماعي؛ الأمر الذي يعود بالكساد والخسائر الفادحة على الفنادق والمطاعم والمقاهي.
وقطعًا؛ لا نود أن نعكس للآخرين أن بلادنا طاردة في موسم الصيف إلى هذا الحد، بل ينبغي إثبات العكس، والبرهنة على أن صيفها يشعل حزمة من الفعاليات المختلفة التي تروق للسياح، وتجبِّهَهم إلى بلادنا.
وكل هذا يبدأ بتغيير الصورة النمطية عن مدينتنا؛ من خلال خطة ترويجية مدروسة، وعمل مهني محترف يستعين بالدراسات التسويقية.
والنتيجة لذلك ستكون عكس المعادلة من "السلب" إلى "الإيجاب"؛ لتتحول المدينة والبلد ككل إلى نقطة جذب سياحي؛ لتزدهر الأعمال، وينتعش قطاع الفنادق والمطاعم والمقاهي، وتدب فيها الحياة عبر العروض الترويجية الصيفية.
.. نملك الكثيرَ من المقومات: السياحية، والترفيهية، والمجمعات التجارية، ودور السينما.. ويمكن -وبشيء من التخطيط المحكم- أن نحسن استغلالها. كما يمكن للطيران العُماني أن يبذل جهودًا حقيقية لتطوير السياحة عبر الترويج، ودعم الفعاليات المختلفة خلال الصيف؛ لجذب العائلات الخليجية. ورغم أن الأمر يبدو صعبًا لأول وهلة، إلا أن التحديات ما وجدت إلا لتذليلها. وإن أعظم الدول تلك التي واجهت ظروفها، وحوّلت "السلبي" منها إلى "إيجابي" بفضل التخطيط المنهجي والمدروس.
وختامًا أقول: يمكن تغيير الصورة النمطية عن مدينتي الجميلة في الصيف، ويمكن أن تبعث فيها الحياة في هذا الفصل الطويل؛ لينتقل الازدحام من صالة "المغادرون" إلى "القادمون"؛ وذلك ممكن فعليًّا، ويتأتى بالمزيد من الثقة في النفس، وتبني الأفكار القابلة للتطبيق.
.. يفزعنِي منظر مدينتي مسقط العامرة هذه الأيام؛ فشوارعها تكاد تخلو من زحامها المعتاد، وطرقاتها تشكو هجران سكانها بعد أن سافر أغلبهم هربًا من قيظ مسقط؛ لتتلقفهم مطارات ومنافذ دول أخرى؛ لتستفيد من إنفاقهم السياحي السخي.
لم أشهد من قبل "مسقط" وهي تعاني مثل هذا "الفراغ البشري".. تلاشت مظاهر الحيوية المرتبطة بالكثافة البشرية، خاصة في الأماكن التي اعتدنا مشاهدتها مكتظة بالناس، وبدت الشوارع شبه مقفرة، بعد أن كانت تَئِن جرّاء الاكتظاظ بالمركبات من كل شكلٍ ولونٍ.
إذن؛ هو موسم الهجرة إلى بلدان لا تعرف قيظًا مثل حر مسقط، أو تغلّبت عليه بعقلية تحويل الأزمة إلى فرصة، وهذا ما نحتاجه لنحوّل بلادنا إلى مقصد في كل الفصول، بدلًا من أن نسارع إلى هجرها لمطاردة هذه الفصول في أركان الدنيا الأربعة.
وقد علّق أحد الظرفاء بأن المردود الإيجابي الوحيد لموسم السفر الجماعي هذا، هو أننا قد نشهد أسبوعًا بلا حوادث بسبب قلة السيارات في الشوارع، واختفاء الماراثون اليومي الذي كان يحصد أرواح شبابنا.
والآن دعونا نتعمّق قليلًا في مفهوم فن تحويل الأزمة إلى فرصة، أو بمعنى آخر الاستثمار في تغيير "السلبي" إلى "إيجابي".
هذا المفهوم يعني ببساطة أن نوظّف ما يبدو في ظاهره عاملًا سلبيًّا إلى مؤشر إيجابي يمكن الاستفادة منه حاضرًا وعلى المدى الطويل؛ ليدرج ضمن عوامل الاستدامة الاقتصادية.
وفي الواقع الماثل، ثمّة دول طبقت هذا المبدأ، محوّلة سلبيات المناخ، وعقبات الموقع الجغرافي إلى مميزات تجذب إليها السيّاح من كل حدب وصوب، بل وصل الأمر ببعض الدول إلى أن تجعل من ندرة الموارد الطبيعية محفزًا لطاقةٍ خلاقةٍ تعرف كيف تتعامل مع الموارد الشحيحة، وتبحث عن البديل لتوظيفه بالصورة المثلى، ودونكم اليابان وماليزيا، وغيرها من الدول الفقيرة بمواردها، الغنية بحسن توظيفها.
وقد يقول قائل: كيف يمكن أن نتغلب على عوامل طبيعية كحرارة الجو في موسم الصيف لنجتذب الزوار والسيّاح إلى بلادنا؟
أقول ردًا على هذا التساؤل المحتمل: بعض الدول جعلت من حرارة الجو ميزة سياحية، وسوّقتها لأولئك الباحثين عن حصة من شمس الصيف؛ ليشحنوا منها عزائمهم لمواجهة زمهرير شتاءٍ في بلاد "تموت من البرد حيتانها".
ليس هذا فحسب، بل ليكتسبوا منها اسمرارًا يبحثون عنه، ويقطعون في سبيله آلاف الأميال.
وعلى مرمى حَجَر من عُمان، ثمة دول تروّج لنفسها بالسياحة الصحراوية لمن يطلبها من "الخواجات"، وتُمنِّي القادمين من البلاد الحارة بأجواء باردة، وكأنها في القطب الشمالي، وكل هذا عبر حِزَمٍ من الفعاليات تُنسي السائح حرارة الطقس، بل وتجعله يتماهى معه كجزء من متطلبات المشهد السياحي.
علينا التفكير بهذه العقلية لتوظيف مواردنا، وواقعنا الجغرافي ومعطياته بصورة مثلى، ضاربين المثلَ بأنفسنا في الإقبال على قضاء الإجازة في ربوع بلادنا، حتى نقنع الآخرين بالقدوم؛ لأنه من الصعب أن يفكر السيّاح في الحضور إلى بلادنا وهم يشاهدوننا نزاحمهم في بلادهم، ويسمعوننا ونحن نُطْنِب في الحديث عن قساوة أجواء بلادنا، وخلوّها من الملامح الجمالية.
بل على العكس من ذلك، علينا أن نتصدى -جماعة وأفرادًا- لمسؤولية الترويج السياحي لبلادنا، خاصة في المواسم التي لا تشهد إقبالا من السيّاح؛ ومنها: موسم الصيف.
فنكون بذلك قد عكسنا الآية، وغيّرنا الواقع الحالي الذي له آثارٌ سالبة جمة على الاقتصاد؛ فمثلا بعد أن كنا 700 ألف مستهلك في مدينة كمسقط مثلًا، أصبحنا لا نتجاوز الـ200 ألف مستهلك؛ بسبب السفر الجماعي؛ الأمر الذي يعود بالكساد والخسائر الفادحة على الفنادق والمطاعم والمقاهي.
وقطعًا؛ لا نود أن نعكس للآخرين أن بلادنا طاردة في موسم الصيف إلى هذا الحد، بل ينبغي إثبات العكس، والبرهنة على أن صيفها يشعل حزمة من الفعاليات المختلفة التي تروق للسياح، وتجبِّهَهم إلى بلادنا.
وكل هذا يبدأ بتغيير الصورة النمطية عن مدينتنا؛ من خلال خطة ترويجية مدروسة، وعمل مهني محترف يستعين بالدراسات التسويقية.
والنتيجة لذلك ستكون عكس المعادلة من "السلب" إلى "الإيجاب"؛ لتتحول المدينة والبلد ككل إلى نقطة جذب سياحي؛ لتزدهر الأعمال، وينتعش قطاع الفنادق والمطاعم والمقاهي، وتدب فيها الحياة عبر العروض الترويجية الصيفية.
.. نملك الكثيرَ من المقومات: السياحية، والترفيهية، والمجمعات التجارية، ودور السينما.. ويمكن -وبشيء من التخطيط المحكم- أن نحسن استغلالها. كما يمكن للطيران العُماني أن يبذل جهودًا حقيقية لتطوير السياحة عبر الترويج، ودعم الفعاليات المختلفة خلال الصيف؛ لجذب العائلات الخليجية. ورغم أن الأمر يبدو صعبًا لأول وهلة، إلا أن التحديات ما وجدت إلا لتذليلها. وإن أعظم الدول تلك التي واجهت ظروفها، وحوّلت "السلبي" منها إلى "إيجابي" بفضل التخطيط المنهجي والمدروس.
وختامًا أقول: يمكن تغيير الصورة النمطية عن مدينتي الجميلة في الصيف، ويمكن أن تبعث فيها الحياة في هذا الفصل الطويل؛ لينتقل الازدحام من صالة "المغادرون" إلى "القادمون"؛ وذلك ممكن فعليًّا، ويتأتى بالمزيد من الثقة في النفس، وتبني الأفكار القابلة للتطبيق.