سعيدة بنت أحمد البرعمية
حظي المعلم العُماني بالعناية السامية تقديرا لجهوده البناءة، وتم اعتماد 24 فبراير من كلّ عام يوما للمعلم العُماني في ظلّ النهضة المتجددة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه، وندرك جميعا أهمية ودور التعليم في بناء الأجيال في مختلف الأعمار والتخصصات، ونؤمن بأهمية تأهيل الكادر القائم عليه؛ بحيث يواكب المراحل الزمنية ومستجدات الحياة وملاءمة متطلبات سوق العمل؛ لذلك يتتبع المهتمون به والقائمون عليه والدارسون والباحثون سيرته ومتغيراته في كافة المراحل المختلفة؛ سعيا للتحديث والتوسع المعرفي والمهاري والابتكاري.
لكن هل تساءلنا يوما، كم وظيفة يشغلها المعلم؟!
يمكنني أن أصف المعلم العُماني بالإنسان الأخطبوط؛ فهو يشغل أكثر من وظيفة في آن واحد ويتحمّل من المسؤولية ما يفوق طاقته، ومطالب دائما بالإبداع وتجديد المهارات في حصصه؛ كونه وقود العملية التعليمية، ولكن لنكن أكثر واقعية وننظر إليه على أنه في المقام الأول إنسان لديه همومه وحياته وأنشطته الخاصة وهواياته المفضلة ومشاكله وضغوطاته، ومهامه الأساسية كمعلم من تخطيط للدروس ومحاولات الابتكار في الحصص وتنويع المهارات والأساليب والاستراتيجيات، وتوسيع دائرة ثقافته وضرورة إمتاع الطلبة أثناء تلقي المعرفة، بالإضافة إلى مشاريعه ومبادراته المدرسية وبرنامج الإجادة.
ألا يشفع له هذا من القيام بالمناوبة وحصص الاحتياط وغيرها من الأمور التي أرهقته واستنزفت طاقته وأكلت صحته، وجعلته يتجه للتقاعد المبكر بدلا من التمسك بمهنته السامية!
لن أرفع سقف توقعاتي كثيرًا وأتأمل الاستفادة من التجربة الفنلندية في التعليم؛ لكنّي أتساءل ما المانع من الاستفادة من التجربة القطرية وإعادة النظر في الكيفية التي يجب أن يكون عليها امتهان التعليم؛ لتحقيق الراحة النفسية للمعلم كي يستمر بإشعال شموع عطائه ويجدّد نشاطه ويحب عمله كلما تقدّم به الزمن، وذلك من حيث زيادة الراتب وتخفيف العبء الوظيفي عنه والاهتمام بتجويد جانبه النفسي ومنحه التأمين الصحي المناسب، الذي بالتأكيد سينعكس على عطائه ويطوّر من مهاراته وإبداعه في مجاله، وما دمنا مهتمين بتجويد التعليم؛ فهذا لن يتحقق دون منح المعلم العناية الكافية.
هناك اهتمام واضح من جانب الوزارة بمتابعة سير العملية التعليمية والوقوف على ثغرات الخلل والتخطيط المستقبلي لمعالجتها والإضافة عليها، والسعي الجاد لتعمين الوظائف التعليمية، وهذا أمر محبّذ بطبيعة الحال؛ ولكن من وجهة نظري ما زالت العملية التعليمية رغم كلّ الجهود تعاني التخطيط الممنهج المرجو بقاعدة قوية وهرم صاعد، الذي يتحقق بوجود التوازن النفسي للمعلم؛ فبعيدًا عن لغة البيانات والإحصاءات والمراجع، يقول الواقع إن مشكلة التعمين وقلة الوظائف التعليمية وتأخر الترقيات، لا تزال تواجه الأرق ذاته، ولا يزال المعلم العُماني في المؤسسات التعليمية التي يعمل فيها يشغل الكثير من المهام إلى جانب مهامه الأساسية.
إنَّ التركيز على زيادة الوظائف التعليمية من أهم الأمور لتحسين جودة التعليم من وجهة نظري سواء في المدارس الحكومية أو الخاصة، فزيادة عدد الوظائف التعليمية في قطاع التعليم وتنوعها بحيث تستهدف هذه الوظائف حملة الدبلوم العام، للقيام بالأعمال الإضافية التي تلقى على عاتق المعلم كالمناوبة اليومية والإشراف على الحافلات المدرسية، سيخفف العبء الزائد على المعلم، ويجعله يركز في مهمته الأساسية وهي بناء الطالب؛ فهناك فرق بين البناء والأداء، وهذا بدوره سيخدم العملية التعليمية من جهة، ويحقق التوازن النفسي للمعلم والأمان للطلبة من جهة أخرى؛ فيتفرّغ المعلم لتقويم تحصيلهم بشكل مستمر، ويتولى مشرفو الحافلات شؤونهم في ذهابهم من وإلى البيت، كحل لمشاكل حوادث الطلبة مع الحافلات التي تحدث تقريبا كلّ عام سواء في شمال السلطنة أو الجنوب.
لا شك أن وظيفة مساعد معلم، بحيث تكون في كل مدرسة مجموعة من الموظفين لمساعدة المعلمين، ستسهم في تحسين التعليم؛ فالموظف المساعد يعاون معلمي المواد في الأعمال المدرسية من طباعة وإدخال بيانات وتغطية الحصص الاحتياطية، التي أرهقت كاهل المعلمين الملتزمين وألزمتهم مشقة تفوق طاقتهم وحملتهم إخفاق غيرهم.
كذلك زيادة عدد المنسقين والإداريين في المدرسة الواحدة سيحسّن من أداء المدارس ويخلق فرص عمل، ومن المهم جدا وجود أكثر من ممرض وممرضة في المدرسة الواحدة، فواحد لا يكفي؛ فقد لا يباشر عمله بشكل يومي لظرف ما؛ لذا وجود أكثر من ممرض في المدرسة وسيارة إسعاف مجهزة بما يلزم للحالات في كل مدرسة ضرورة باتت ملحّة.
كما إنّ زيادة عدد الأخصائيين بمختلف تخصصاتهم في المدرسة الواحدة، ستكون لها أثر في حل مشكلات الطلبة بشكل أفضل وتعزيز الجوانب الغائبة فيهم، والحدّ من ظاهرة التسرّب الدراسي. كذلك من المهم وجود لجان في المدارس مهمتها الوحيدة إعداد وتصحيح الاختبارات وهذا أمر يعمل به في عدة دول، قد يتساءل أحدكم ويقول: وما دور المعلم؟
إنّ دور المعلم يتجلى في إتقانه عملية بناء الجوانب المعرفية والمهارية والوجدانية لدى الطالب، نركز على كلمة "إتقانه" في حال كنّا فعلا نسعى لتجويد التعليم، وهو الدور الأبرز في نجاح التجربة القطرية كأفضل تجربة تعليمية على مستوى الوطن العربي، الأمر الذي لن يحققه معلم كالأخطبوط منهك ماديا ونفسيا يشغل في آن واحد معظم وظائف المؤسسة التعليمية.
إنَّ هذه الاقتراحات ليست من وحي تفكيري؛ إنما هي تجارب تعليمية ناجحة وجهت جُلّ اهتمامها للمعلم كونه وقود العملية التعليمية ومحرّك طاقتها؛ فمكنته من الإبداع في مهامه، وعزّزت الجانب النفسي والإبداعي لديه، وبرأيي إن حاولنا الاستفادة منها سيأخذ المعلم العُماني دوره الطبيعي، وتُحلّ مشكلة التقاعد المبكر عند المعلمين وتُخلق فرص عمل لخريجي الدبلوم العام الراغبين في خوض مجال العمل دون الالتحاق بالجامعات، وبالتالي الحدّ من مشكلة الباحثين عن عمل بشكل عام وتحقيق الهدف الأساسي وهو البناء الحقيقي للطالب وتجويد التعليم.