مسقط - العمانية
أكد عدد من المختصين أن تسمية قادة وأعلام عُمان على عدد من المنجزات والمعالم في سلطنة عُمان تعكس الرؤية السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- في الحفاظ على الإرث الحضاري والتاريخي العماني العريق وتعزيز القيم والهوية والانتماء الوطني، مضيفين إن الراصد لهذا المشهد على مر العصور يجد التجذر التاريخي لعُمان كونها تمتلك إرثًا عريقًا يمتد إلى آلاف السنين، ساهم في تشكيله العُمانيون في ميادين مختلفة، وأصبح البعد الإنساني والفكري جزءًا أساسيًّا من الهوية الوطنية، عزّز موقعها الجغرافي الاستراتيجي وتفاعلها مع الحضارات الإنسانية الأخرى.
وقالوا إن التوجيهات السامية بتسمية بعض الطرق الرئيسية في سلطنة عُمان بأسماء وطنية تاريخية لها بُعد حضاري يخلد تاريخ عُمان العريق، حيث تم إطلاق اسم السلطان ثويني بن سعيد على الطريق الرابط بين محافظات مسقط والداخلية والظاهرة والبريمي، وإطلاق اسم السلطان تركي بن سعيد على طريق الشرقية السريع، وإطلاق اسم السلطان فيصل بن تركي على طريق خصب ـ ليما ـ دبا بمحافظة مسندم، وإطلاق اسم السلطان تيمور بن فيصل على طريق الباطنة الساحلي، وإطلاق اسم السلطان سعيد بن تيمور على طريق نزوى ـ صلالة، وإطلاق اسم السلطان قابوس على طريق مسقط ـ الباطنة، لتضاف إلى سلسلة من المعالم تحمل أسماءً لأعلام عُمان الأوائل بما فيها المعسكرات والقواعد العسكرية والمدارس والجوامع والقاعات العلمية في المؤسسات التعليمية.
ويشير الدكتور محمود بن عبدالله العبري أمين اللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم إلى أن إطلاق أسماء لسلاطين عُمان على الطرق الاستراتيجية يبعث رسالة واضحة تجسد الدور المحوري الذي قدمه هؤلاء القادة في صياغة التاريخ العُماني. فقد كانت عُمان عبر العصور مركزًا للتواصل الحضاري والتجاري، وبرزت قوةً بحريةً وثقافيةً أثرت في محيطها الإقليمي والدولي، مضيفا: "أسماء هؤلاء السلاطين يذكّر المواطنين والمقيمين والزوار بإسهاماتهم البارزة في بناء الدولة وترسيخ مكانتها من الناحية الفكرية والإنسانية، وتُسهم هذه الخطوة في تعزيز الوعي المجتمعي بتاريخ البلاد، وتُحفّز الشباب على البحث والتعمق في الشخصيات التي حملت لواء النهضة في فترات مختلفة وهذه المبادرة توظف البُعد الرمزي للتاريخ في المشهد المعماري والحضاري، ما يعزز من قيمة المعرفة التاريخية التي تمثّل جزءًا متكاملًا من التنمية المستدامة.
ويبيّن أن هذه الخطوة تحمل بُعدًا ثقافيًا عميقًا، فهي ليست مجرد تخليد لرموز تاريخية، بل هي دعوة مفتوحة لاستلهام الدروس من الماضي، وتعزيز روح الفخر والاعتزاز بالهوية العُمانية، ما يسهم في صون الذاكرة الوطنية ونقلها للأجيال القادمة، وتأمل اللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم تسميةَ بعض المنجزات العمانية بشخصيات عمانية تاريخية تم تسجيلها في منظمة اليونسكو، من خلال اللجنة الوطنية، بالتعاون والتنسيق مع وزارة الثقافة والرياضة والشباب.
وتلفت الباحثة في التاريخ الدكتورة بدرية بنت محمد النبهانية، إلى أنه انطلاقًا من حرص القيادة السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- على نقل هذا التراث للأجيال الحالية والمقبلة، اقتضت أوامره السامية في الذكرى الخامسة لتوليه مقاليد الحكم في سلطنة عُمان بإطلاق أسماء بعض سلاطين الدولة البوسعيدية على عدد من الطرق الرئيسية، كما أن مثل هذا التوجه يساعد الأجيال الناشئة على فهم هويتهم الثقافية والتاريخية، كما يمكننا اعتبار الحديث عن ماضي عُمان فرصة لتعزيز قيم الوحدة والانتماء، عبر دراسة إنجازات السلاطين والشخصيات البارزة التي ساهمت في تشكيل تاريخ البلاد.
وأضافت: "يمكننا تلخيص هذه الأهمية في نقاط متعددة، تتمثل في تعزيز الهوية الوطنية، حيث تسهم تسمية الطرق بأسماء السلاطين في تعزيز الشعور بالانتماء والهوية الوطنية، وتذكّر هذه الأسماء المواطنين بقادتهم التاريخيين وإنجازاتهم، ما يجعل هذه الأسماء تعكس الاحترام والتقدير لعطاءات السلاطين في بناء الدولة العمانية وتطويرها عبر العصور، تعزيزًا من قيمة التاريخ في المجتمع، بالإضافة إلى التعليم والذاكرة الجماعية، وعادة ما تسهم الأسماء في التوعية والتذكير بالقصص التاريخية والدروس المستفادة من قيادة هؤلاء السلاطين، مما يساعد الأجيال الجديدة على التعلم من الماضي.
ويقول رئيس قسم المناهج والتدريس بكلية التربية بجامعة السلطان قابوس، الأستاذ الدكتور سيف بن ناصر المعمري: إنه يمكن النظر لهذه التسمية على أنها أداة لبناء الأمة وتشكيل الانتماء وتعزيز المواطنة، وهذه السمات أكد عليها مجموعة من الباحثين الذين درسوا العلاقة بين تسمية الأماكن وتعزيز مفاهيم وتصورات معينة تتعلق بتاريخ الدولة وهويتها السياسية، وتحولات السلطة بها، مشيرا إلى أن هذه الخطوة تحمل رسالة مضمونها التأثير الكبير الذي أوجدته الأسرة البوسعيدية في تاريخ عُمان، كما أن هذا النهج ذو جذور تاريخية طويلة.
ويوضح أن هناك تفاعلا بين التاريخ والجغرافيا في هذه التسميات، حيث تتحول التسمية لاحقًا من سمتها التاريخية التذكارية التي يراد بها ربط الأجيال بعمقهم التاريخي، إلى سمتها الجغرافية بحيث تصبح جزءًا أساسيًّا من جغرافية المكان، وأداة لربطه بعصور طويلة ممتدة من خلال الأسماء التي يحملها.
وترى الباحثة في التاريخ العُماني الدكتورة بهية بنت سعيد العذوبية، أن التاريخ العماني زاخرٌ بشخصيات بارزة قدمت أدوارًا محورية في بناء الدولة وصياغة ملامحها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فتسمية الطرق الرئيسية في سلطنة عُمان ليست مجرد اختيار رمزي، بل هي وسيلة فاعلة لتوثيق تاريخ السلاطين العُمانيين وإبراز إنجازاتهم، كما أنها تحمل بُعدًا تاريخيًّا عميقًا يعكس ارتباط الحاضر بالماضي، فالدولة البوسعيدية التي تأسست على يد الإمام أحمد بن سعيد في القرن الثامن عشر الميلادي، ساهمت في تشكيل هُوية عُمان السياسية والاقتصادية، وترسيخ مكانتها كونها قوة إقليمية ذات تأثير واسع.
وتؤكد: تُجسد تسمية الطرق بأسماء سلاطين البوسعيد تكريمًا لجهودهم في بناء الدولة وتعزيز وحدتها، كما أن كل طريق يُصبح بمثابة شاهد على مرحلة تاريخية مهمة وشخصية قيادية تركت أثرًا واضحًا في مسيرة عُمان، وهذه التسميات هي جزء من عملية إحياء الذاكرة الوطنية، فعندما يمر المواطن أو الزائر على طرق تحمل أسماء هؤلاء السلاطين، يُثار الفضول للتعرف على أدوارهم وإنجازاتهم، فهي طريقة لترسيخ التاريخ في الوعي الجمعي، وتُحقق ربطًا فريدًا بين الجغرافيا والتاريخ، حيث تتحول الطرق من مجرد ممرات عابرة إلى مسارات تاريخية حية.
وتلفت إلى أن استحضار هذه الشخصيات في الحياة اليومية من خلال تسمية هذه الطرق من شأنه أن يحفز الأجيال الجديدة على استلهام الدروس والعبر من الماضي لتشكيل مستقبل أكثر إشراقًا.
ويشير الدكتور محمد بن سعيد المقدم الباحث في الشأن التاريخي العُماني، إلى أن "هذا التوجه يأتي في سياق حضاري من أجل التعريف بالتاريخ العُماني، ونستطيع أن نذكر بعض المدارس في محافظات سلطنة عُمان التي تحمل أسماء سلاطين وأئمة من أعلام عُمان، مثل: مدرسة تركي بن سعيد ومدرسة ناصر بن مرشد ومدرسة أحمد بن سعيد ومدرسة سعيد بن تيمور ومدرسة فيصل بن تركي، ومدرسة تيمور بن فيصل، ومدرسة السيدة ميزون بنت أحمد، ومدرسة أحمد بن ماجد، إضافة إلى الجوامع والمساجد، من مثل: جامع المهلب بن أبي صفرة ومسجد المضمار في سمائل الذي ارتبط بأول من أسلم من أهل عُمان وهو الصحابي الجليل مازن بن غضوبة، وجامع السلطان سعيد بن تيمور، وجامع السيدة فاطمة بنت سالم، وجامع السيد طارق بن تيمور، وجامع عزان بن قيس، ومسجد عبدالله بن إباض. تأتي هذه لتكون في سياق تاريخي ينقل واقع عُمان الحضاري للأجيال لما له من أثر في التعريف بالحضارة العُمانية".