سالم بن محمد العبري
كانت سينما قصر النيل وسينما ريفولي في قلب العاصمة المصرية القاهرة، هي دار عرض للأفلام ومسرحاً يستضيف الحفلات الغنائية والمسرحيات الروائية تقع في شارع 26 يوليو (شارع فؤاد سابقًا) أمام مبنى دار القضاء العالي، وكانتا من أهم دور السينما في وسط القاهرة الممتد من ميدان التحرير وحتى ميدان رمسيس؛ حيث محطة مصر للقطارات المتجهة للوجه القبلي المعروف بصعيد مصر وصولا حتى محافظة أسوان، والوجه البحري انتهاءً حتى محافظة الإسكندرية، وهذا الموقع كان يضم أيضاً أهم المسارح، وكان على مدار الساعة كخلية نحل لا ينقطع طنينها حتى في نهاية الليل.
وكانت نادية لطفي البطلة أمام عبد الحليم حافظ، وكان إنهاك مرض (البلهارسيا) قد أشحب وجهه، لكن صوته والموسيقى وكلمات أغانيه استحوذت على ألباب مستمعيه ومشاهدي أفلامه، الذين ليسوا نقاداً وكانت البطلة بكامل أنوثتها وملابسها وشبابها تتجاوب مع الصوت والصورة وإيقاع الحركات فترى الجمهور متجاوباً مشدودا يعيش قرابة ساعات ثلاث في حياة من الفن والكلمة والرومانسية تتجاوب مع رغبات الشباب وإشباعهم ومع تنشيط العاطفة والحب للكهول.
هكذا كانت تنسجم النفوس وهي تشاهد عملاً آخر كان يُعرض في نفس الفترة أو تتابع فيلما آخر للمطربة نجاة الصغيرة هذه المطربة التي ألهبت عواطف الجمهور بتنوع أغنياتها في مختلف أغراض الشعر ومقاصده ومعالجات الشعراء لقضايا المجتمع المثارة في حينها كأغنية "أيظن أني لعبة في يديه/ أنا لا أفكر في الرجوع إليه"؛ حيث كانت هذه الأغنية تعالج شجارا ونشوزا بين زوجين حبيبين بلسان الحبيبة وبعد أن بلغ العزوف مبلغه إذا النفس البشرية تعود لطبيعتها فتقبل الحبيبة المجادلة والمصارحة والإقرار بالخطأ وتعود المودة والرحمة بينهما كما أرادها الله والحياة الطبيعية، مصداقًا لقوله (وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَءَايَٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ) (الرّوم: 21)، فتسلم يدها ليده "لتنام كالعصفور بين يديه".
وتأتي الصورة الإنسانية البلاغية المعبرة عن إبداع الشاعر وعن ذلك التصوير النفسي الذي أعطي للمطربة بصوتها وللموسيقى بأدواتها ونغماتها ذلك الفن الرفيع فتُردد نغمات اللحن فرحًا بالرجوع إليه وهي تقول: (حتى فساتيني التي أهملتها/ فرحت به رقصت على قدميه).
ثم ترى قصيدة ثانية وأغنية أخرى تصور مشهدا آخر من الالتياع الآخر الذي يشبُّ بين النفوس البشرية وهي قصيدة "لا تكذبي" حتى يظن المشاهد أن الشاعر كان يُعبر عن تجربة شعرية نفسية عاشتها الفنانة نفسها نجاة الصغيرة؛ فالجمال والحب يصوغان الفن والتلاقي بين النفوس حتى قيل: إن الفنانة نفسها ذهبت لطبيب العيون الشهير- الذي كنَّا نراجعه أثناء إقامتنا بالقاهرة- وأنها سحرته بجمالها الأخَّاذ فتزوجها.
كان البطل الثاني الذي يشاركها البطولة الفنان حسن يوسف، وكان عمل مع عبد الحليم في عمل فني متكامل بين الممثلين وبين الكلمات والموسيقى والأداء حتى حركة الأرجوحة نفسها كان لها دور تجاوبي مع اللحن، وتتناغم مع العمل السينمائي المتكامل انسجاما بين الكلمات والموسيقى.
ما أخذني للماضي الذى ولّى عليه نصف قرن، هو احتفاء الإخوة في الجمعية العمانية للسينمائيين باليوم العالمي للسينما يوم السبت 28 من ديسمبر 2024 بقاعة الجمعية العمانية للسينما والمسرح بمرتفعات المطار، والذى أثار شجوني وليلتها كرموا جمهور العاملين في الحقل الثقافي العماني، وقد أعطاني ذلك الكم العددي الذين نالوا التكريم مع اتساع انتماءاتهم لسائر الولايات العمانية في هذا القطاع الثقافي المهم والإبداعي وهو ضروري لا غنى عنه لسائر المجتمعات وخاصة أن المكرمين حققوا إنجازا طيبا ومن خلال مشاركات عالمية واعدة عددا ونوعا؛ فقد شارك 27 عضوًا من أعضاء الجمعية في المهرجانات الدولية، وتم تقديم 25 فيلمًا تمثلت في مختلف الأنواع السينمائية، من الوثائقي إلى الروائي، مشيرًا إلى أن سلطنة عمان حققت 29 جائزة من خلال مشاركتها في 46 مهرجانًا سينمائيًا في 16 دولة حول العالم ما دل على التقدير الدولي للإبداع السينمائي العُماني.
كما عُرض خلال الحفل فيلمان هما "معزوفة كورونا" للمخرج حبيب البلوشي، و"أقدام متسخة" للمخرج الدكتور طالب البلوشي؛ حيث تفاعل الحضور مع الإبداعات السينمائية المحلية التي تناولت قضايا مجتمعية وإنسانية بأسلوب فني مميز. كما أضافت فقرة موسيقية مباشرة قدمتها العازفة طاهرة جمال أجواءً فنية خاصة، كما صحبت الاحتفال وصلات موسيقية مختارة ومستوحاة من أفلام مشهورة وعزفتها الفنانة طاهرة البلوشية، كان من أهمها معزوفة "على حِسب وداد قلبي" للفنان عبد الحليم حافظ، ومعزوفة "يا عين بالله نامي" للفنان سالم علي سعيد.