د. هيثم مزاحم **
سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، المفتي العام لسلطنة عُمان، مشهودٌ له بمواقفه الجريئة وانحيازه الدائم للحق وبموقفه البارز المؤيد للقضية الفلسطينية، فكان دائماً منحازاً لفلسطين وداعماً لشعبها ومقاومتها يوم عزّ الناصرون والمؤيدون، وخصوصاً من قبل الكثير من المفتين وعلماء الدين في الدول العربية.
لم يفوّت الشيخ الخليلي فرصة للإشادة بالمقاومين في غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة ولبنان واليمن والعراق، وبالمرابطين في المسجد الأقصى مطالباً بمساندتهم. ولم يتوانَ عن المبادرة إلى ذم التطبيع ومهاجمة المطبعين، بخلاف الكثير من المفتين الرسميين والوُعَّاظ؛ فكلمة الحق وإرضاء الله أهم عنده من إرضاء المخلوق ومسايرة الأنظمة المطبعة.
مواقف سماحة المفتي المميزة والجريئة دفاعاً عن قضايا الأمة الإسلامية، وبخاصة قضية فلسطين، زادت من مكانته الراسخة في الأوساط العربية والإسلامية والعُمانية، وصارت مواقفه حديث وسائل تواصل الاجتماعي و"ترنداً" على حد تعبيرهم.
في مايو 2021، برز موقف الشيخ الخليلي مندداً بمحاولات الاحتلال الإسرائيلي إخلاء حي الشيخ جراح في القدس المحتلة واقتحام باحات المسجد الأقصى المبارك. وقال سماحته إن "المقاومة الباسلة ببطولتها النادرة، وتضحياتها العظيمة، وخططها الموفقة، غسلت عن جبين هذه الأمة عاراً تلطخت به ردحاً من الزمن، فتمرغت في أوحال الذل، وتساقطت في دركات الهون".
وأشار في منشور آخر إلى أنه "من أسوأ ما وقعت فيه الأمة تخاذلها عن الدفاع عن مقدساتها في أرض الإسراء والمعراج وترك تعاونها على تحريرها".
وقد برز موقف الشيخ الخليلي يوم السابع من أكتوبر 2023، حين كان في مقدمة العلماء المباركين لعملية "طوفان الأقصى"، داعياً إلى مساندة المقاومين في غزة، كي يتخلص الشعب الفلسطيني من ظلم الاحتلال الصهيوني لفلسطين.
مواقف الشيخ الخليلي الداعمة لطوفان الأقصى أعادتنا إلى موقفه الجريء الذي أعلنه في أغسطس 2020، بعد أيام قليلة من التطبيع بين الكيان الإسرائيلي وعدد من الدول العربية، في ما عرف باتفاقيات أبراهام، حيث قال: "إن تحرير المسجد الأقصى والأرض من حوله واجب مقدس على جميع الأمة، ودين في رقابها"، داعياً إلى عدم المساومة عليه في حال عجزت الدول العربية عن تحريره.
وفي ديسمبر 2022، أعلن الشيخ الخليلي تأييده لمشروع طرح في مجلس الشورى العماني، يدعو إلى إحكام مقاطعة الكيان الصهيوني مقاطعة مطلقة في التجارة وغيرها.
وقد سارع الخليلي في مايو 2024، إلى تهنئة المقاومة الفلسطينية لنجاحها في تطوير قدراتها الدفاعية، بعد قصفها مستوطنات إسرائيلية، قائلاً في تغريدة له على موقع إكس إن هذه المقاومة قد "تمكنت من إرعاب عدوها المحتل، وثَنْيه عن مضيه قدماً في عدوانه الغاشم، وردّه على أعقابه".
بعد هجوم "طوفان الأقصى"، كتب الشيخ الخليلي في تدوينة على حسابه الرسمي بمنصة "إكس" يقول: "وفق الله المقاومة الفلسطينية في دفاعها عن حقوقها المشروعة، واستبسالها في مواجهة العدو الغاشم". كما أكد على حق الفلسطينيين في الدفاع عن حقوقهم المشروعة، قائلاً: "نسأل الله النصر العزيز والفتح المبين".
وانتقد المفتي بعض العلماء والشيوخ المسلمين "الذين أفرزتهم السياسات المنحرفة، والذين لم يكتفوا بتثبيط المجاهدين، بل كالوا التهم للمجاهدين الأحرار في فلسطين". وأكد أن هناك "بوناً شاسعاً بينهم وبين مواقف المتعاطفين مع القضية الفلسطينية في العالم الغربي، الذين خرجوا بمسيرات مساندة، وأبدوا إعجاباً بالمجاهدين في غزة وأنحاء فلسطين".
وجه مفتي سلطنة عمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، رسالة بخصوص القضية الفلسطينية، والحرب في غزة.
وفي مقطع فيديو نشر على حسابه في منصة "إكس"، أكد الشيخ الخليلي أن "قضية الأرض الفلسطينية هي قضية كل مسلم في أي بقعة من بقاع الأرض". وأضاف: "إن قضية المسجد الأقصى وقضية أرض فلسطين لها أهمية خاصة تفوق كل بقعة في الأرض ما عدا المسجد الحرام وما حوله من حرمه الآمن، وما عدا الحرم النبوي الشريف".
مواقف الشيخ الخليلي لم تنسَ المقاومة الإسلامية في لبنان ونصرتها للشعب الفلسطيني في قطاع غزة عبر فتح جبهة الإسناد لأكثر من 14 شهراً وتقديم آلاف الشهداء والجرحى، وعلى رأسهم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وعدد آخر من قيادات الحزب. فقد عقّب الشيخ الخليل على تفجيرات أجهزة "البيجر" ضد كوادر حزب الله في بيان نشره على صفحته في منصة إكس قائلاً: "إنا لنأسف على هذه الخطوة الجائرة التي أقدمت عليها الصهيونية الغادرة، فرزأت الشعب اللبناني الشقيق". وأضاف: "نسأل الله تعالى أن يرد كيدهم في نحورهم، وأن يعيذ جميع المسلمين من شرورهم، وأن يقي جميع فصائل المقاومة شر خططهم الجهنمية، وأن يجعل العاقبة عافية وسلاماً للمناصرين للحق، وشراً وبالاً على الغادرين، والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين".
وختم الخليلي بيانه قائلاً: "عزاؤنا الحار لأسر الشهداء والمصابين، وكفى بالله ولياً، وكفا بالله نصيراً".
وبعد استشهاد السيد حسن نصرالله سارع مفتي سلطنة عمان، إلى نعيه. وقال وفي منشور على حسابه الرسمي عبر منصة "إكس": "لقد تألمنا كثيراً لنبأ استشهاد الأمين العام لحزب الله القائد حسن نصرالله، الذي كان شوكة في حلق المشروع الصهيوني لأكثر من ثلاثة عقود. وإن هذا الحدث يجعل الأمة تتلقى نبأ استشهاده بكل حزن وألم؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون."
وأضاف الخليلي: "نسأل الله العلي القدير أن يثبّت قوى المقاومة في مواجهة المشروع الصهيوني وأعوانه في لبنان وفلسطين وفي جميع بلاد المسلمين، وأن يعقب الله على الراحلين من يسد الثغرات في كل المواقع والمراحل. فهناك رجال بإذن الله قادرون على تحمل هذه المسؤولية، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً."
وختم الشيخ الخليلي بقوله: "إننا نرجو من الله أن تكون هذه الأحداث دافعاً لتوحيد صفوف المسلمين وأن يتوقفوا عن كل ما يفرق بينهم، فكم في وحدتهم من قوة وهيبة، وكم في تفرقهم من ضعف وخيبة. وإن أعظم مكسب للعدو في هذه الحرب هو أن تشتعل بيننا النعرات والتحزبات؛ لذا يجب أن ينتبه الجميع. والله المستعان."
مواقف الشيخ الخليلي الجريئة والمستقلة الناصرة للحق وقضايا الأمة تعززها مواقف سلطنة عمان وسلطانها الداعمة للشعب الفلسطيني والرافضة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان والدول العربية والإسلامية الأخرى. فعندما سئل الشيخ الخليلي "كيف يقوى على اتخاذ تلك المواقف الجرئية؟"، أجاب أن "هذا في نظري يحسب للدولة في السلطنة، يحسب لها أنها تقدّر في عالِم الدين رأيه وموقفه المستقل، إنه نوع آخر من التعاطي العماني المختلف الذي لا يضع نفسه أمام خيارات متقاطعة دائماً، وكأنه ليس هناك خيار إلا المنع والحجب".
وأضاف في حديثه الإعلامي: "هذا عدا عن وجود توافق واضح في كثير من الأحيان ربما لا ينتبه البعض له، ومن ذلك مثلاً الموقف من العدوان الأخير على غزة، والموقف من الإساءة إلى الرسول الكريم من قبل بعض الشخصيات السياسية الهندية، فالمواقف واحدة في كثير من الأحيان وإن اختلفت طريقة التعبير عنها بطبيعة الحال".
ويفسّر المفتي منطلقه في مواقفه بأنه يبرئ ذمته أمام الله، وأنه يقوم بواجبه باعتباره عالماً عليه مسؤولية تجاه مجتمعه وأمته، كما عبّر الباحث العماني محمد بن سعيد الحجري في مقابلة معه.
وما يدعم مواقف الشيخ الخليلي هو أن المجتمع العماني مجتمع متدين يرى في الشيخ الخليلي الوالد والمرشد. فهو من أقدم المفتين في العالم الإسلامي، وله مكانة في عُمان قلّ نظيرها، فلا يعرف أكثر العمانيين مفتياً غيره في كل حياتهم، وهو أحد أشهر الشخصية العمانية لكثرة اتصالاته بالعلماء والمفكرين العرب والمسلمين، ومشاركاته في المؤتمرات العلمية والاجتماعات الإسلامية.
وفي 2 نوفمبر الماضي، أبدى الشيخ الخليلي شكره واعتزازه بموقف السلطنة الداعي لمحاكمة قادة الاحتلال الإسرائيلي على جرائم الحرب التي يرتكبونها في غزة، مؤكداً أن هذا "موقف الشرف الذي تقتضيه الأخوة الدينية والوطنية".
وكان قد أشاد بموقف السلطنة الذي قضى بإغلاق المجال الجوي في وجه طيران دولة الاحتلال، مؤكداً أن هذا "هو المعهود من مواقف عُمان التاريخية".
ولا ريب أن هناك انسجاماً كبيراً في المواقف المناصرة لفلسطين وضد العدوان الإسرائيلي بين مواقف سماحة المفتي والحكومة والشعب في سلطنة عُمان. فمنذ اليوم الأول للعدوان الصهيوني على قطاع غزة، سارعت سلطنة عُمان، حكومة وشعباً، إلى مساندة فلسطين، كما أن الجمعيات الخيرية فتحت أبوابها للتبرع للشعب الفلسطيني في غزة.
عُمان أدانت على الدوام من خلال وزارة الخارجية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وطالبت بتقديم مجرمي الحرب الصهاينة إلى محكمة الجنايات الدولية بسبب المجازر التي ارتكبوها في حق عشرات آلاف المدنيين في غزة. كما شهدت المدن العُمانية تظاهرات شعبية ضد الجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني.
حفظ الله المفتي الشيخ العلّامة أحمد بن حمد الخليلي.
** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية - لبنان