علي بن سالم كفيتان
لم تستطع فصائل ما يُعرف بالمُقاومة السورية زحزحة نظام الرئيس السوري بشار الأسد قيد أنملة لأكثر من 13 عامًا، بعد أن استعان الأخير بالروس والإيرانيين لتثبيت حكمه؛ مما حدا بالكثير من الدول لمراجعة سياساتها معه والتوجه لإعادة فتح السفارات والقنصليات التي أُغلقت، وعاد الأسد للظهور في القمم العربية مزهوًا بعودته التي تبعث برسالة للجميع مفادها: كنتم على خطأ عندما وقفتم ضدي، وها أنا ذا أعود بينكم كالطاؤوس وبنفس الخطب الرنانة التي دأب على تلاوتها، كمُنظِّرٍ مُدرك لكل احتياجات المرحلة.
آخر تلك الخُطب كانت في القمة الأخيرة في المملكة العربية السعودية قبل أقل من شهر. وما لم يستوعبه عقلي كمتابع للأحداث هو استطاعة التنظيمات المسلحة بقيادة أبي محمد الجولاني عبور كامل سوريا من شرقها إلى غربها ببضع مقاتلين، واستلام المدينة تلو الأخرى، دون مُقاومة من النظام المدعوم من إيران وروسيا، ثم دخول دمشق ورحيل الأسد في جنح الظلام إلى موسكو، واستلام الجولاني كل مفاصل الدولة في غضون 5 أيام. لا بُد أنَّ هناك سيناريو مرسوم ومتفق عليه من الجميع؛ بمن فيهم الأسد نفسه، فحسب الظاهر أنَّ دوره انتهى عند هذه المرحلة وجاء دور الجولاني!
الأنباء التي تحدثت عن دخول إسرائيل إلى عمق الأراضي السورية وباتت قريبة بنحو 25 كيلومترًا من العاصمة دمشق، واحتلال الجولان كامل بما فيه جبل الشيخ، وظهور رئيس وزراء الكيان الصهيوني مُنتشيًا في خطابه البارحة، بعد أن اِلتَهَمَ المنطقة العازلة وضرب جميع القواعد الجوية السورية وحطم جميع الطائرات في مرابضها، كل ذلك لم يهز شعرةً في رأس الفاتح القادم من الشرق المُنشغِل بأبواب السجون والصلاة في الجامع الأُمَوي والهتاف له حملًا على الأكتاف. من غير المنطقي قبول هذا السيناريو وأخذه على أنه "تحرير" لسوريا؛ بل هو تقسيم جديد لسوريا؛ فالجيران أعينهم على تركة الأسد المُتبقية، وكانت إسرائيل أول من أخذ قسمته كما أرادت، بينما تُركيا تتحفز وعينها على الشمال والشمال الشرقي، وإيران يظهر أنها خرجت خالية الوفاض من الحسبة مع رحيل الأسد وتقهقر ذراعها في لبنان إلى خلف نهر الليطاني.
هُنا نسأل عن موقف الجيران العرب لسوريا، وهل لديهم خطة أو أجندة غير الاعتراف بالأمر الواقع؛ فهناك من حارب الجولاني، وهناك من دعمه، وهناك من قطع العلاقات مع الأسد، وهناك من عاد إليه، كيف لهم أن يُشكِّلوا موقفًا لدحر الأطماع التي تُحاك لسوريا المُنتهكة أرضها وسماؤها؟
لقد منح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خط العودة لنتنياهو في لبنان عندما تنصل من تطبيق أمر اعتقال نتنياهو ووزير دفاعه السابق من قبل المحكمة الجنائية الدولية، رغم أن فرنسا من الموقعين على ميثاق المحكمة؛ فقايض ماكرون دماء الفلسطينيين في باريس التي يقال إنها عاصمة الحريات ومدينة النور، مُقابل تأمين نزول نتنياهو من على الشجرة، وقبلت إيران إعادة "حزب الله" إلى ما وراء نهر الليطاني، وفرَّ الأسد من عاصمته ليلًا إلى موسكو.
لا شك أنَّ هناك مؤامرة لوأد القضية الفلسطينية ودفن انتصار السابع من أكتوبر في غزة وإعادة بعث نتنياهو كبطل كسب الحرب في كل الجبهات الفلسطينية واللبنانية والسورية، فهل كل هذا بالاتفاق مع العرب المطبعين أو المتطلعين للتطبيع؟ أم أنهم ضحايا على قائمة الانتظار؟!
أملنا أن يكون الحلم حقيقة وأن تنهض سوريا مُجددًا، وأن يستعيد الشعب المُنهك من التعذيب والشتات عافيته، وأن تعود الطيور المهاجرة إلى دمشق وحلب وحماة وبقية المدن السورية، وأن يتم نسيان حقبة الأسد إلى الأبد.
وبسقوط النظام في دمشق تسقط آخر الجمهوريات التي غنّت للعروبة، وينحسر المد القومي الذي قاده الزعيم جمال عبد الناصر، وآمنت به الأمة العربية وغنّت له طويلًا، بينما يظل المد الإسلامي حاضرًا في المشهد بقوة، كمنافس تاريخي لا يعترف بالهزيمة؛ حيث حصد الإسلاميون في عالمنا العربي نتائج كل الانتخابات، ولكنهم لم يصلوا للسلطة أو لم يُمكَّنوا منها، في الوقت الذي صمدت فيه الملكيات العربية، وأثبتت أنها الثابت الوحيد، في ظل توجهات لزعزعتها، عن طريق تبني النهج الرأسمالي المجرد، وتطبيق الضرائب بكافة أنواعها وأشكالها، وسحب الدعم عن الخدمات العامة، والتنصل من توفير الوظائف، لتوسيع البون بين الحاكم والمحكوم. فهل ستتعظ دولنا العربية من دسائس الغرب التي تهدف لتحطيم كل القلاع العربية المتبقية؟
عودوا إلى شعوبكم.. هُم من سوف يحميكم ويثبت أنظمتكم.