"لا جديد يذكر ولا قديم يُعاد"

 

علي بن سالم كفيتان

كم هو مؤلم أن ترى مساحة شاسعة من الخذلان تحوم في سماواتنا وتسكن أراضينا وتستوطن نفوسنا المثخنة بالجراح والألم، لا أدري كيف تسلل أمل شاحب إلى خاطري بعد رؤية الأخبار تتوالى على منصات التواصل الاجتماعي عن عقد قمة عربية إسلامية لمُناقشة ما حلَّ بنا من ضعف وهوان في نصرة شعب صابر محتسب يتجرع ويلات الحرب الدمار والتنكيل، من عدو لا يعرف الرحمة.

حاولت أن أتابع افتتاح القمة فتبدد كل ما كنت آمله من مواقف، رغم أنني كنت أتوقع ما رأيته، لكن قلت عسى أن يصحو الضمير ولو لوهلة، وينتفض القادة ويهبُّوا لقطع كل وصل مع الصهاينة المعتدين وإنزال راياتهم التي ترفرف في عواصم عربية وإسلامية، فما جدوى العلاقات مع هذا الكيان الغاصب، إذا لم يستطع أصحابها كبح جماع الدم المراق في فلسطين ولبنان؟ ويؤسفني كثيرا الاستماع لكلمات القادة وهم يتوسلون الحلول على الرغم من أنهم يملكونها فماذا تبقي ليقال غير لا جديد يذكر ولا قديم يُعاد.       

ماذا كان سيحدث لو خرجت القمة بقطع كل العلاقات مع الصهاينة وإغلاق سفاراتهم في الدول العربية والإسلامية؟ وماذا كان سيحدث لو فتحت الحدود مع فلسطين لإدخال الإغاثة من جانب دول الجوار مع فلسطين المحتلة؟ وليقصف الكيان قوافل الإغاثة القادمة من الأردن وسوريا ومصر ولبنان أمام العالم، على الأقل سنشعر أننا حاولنا الدخول، ومارسنا نوعًا من التضحيات الرمزية البسيطة، مقابل المواقف الجسام التي يجسدها الشعب الفلسطيني المنكوب كل يوم. ولماذا نحن عاجزون عن ذلك؟ ربما الأنظمة لها تبريراتها، فأين الشعوب التي كان أحرى بها أن تندفع إلى الحدود وتهب لنصرة هذا الشعب المظلوم؟

لا أجد أجوبة للأسف، وفي كل ليلة أسكن فيها إلى سريري وأغمض عيني، أرى دماء الأطفال وأشلاء الجرحى وهول الدمار يلاحقني؛ فانتفض وأجلس مع نفسي في هذا الليل البهيم الخانع. كيف لنا أن نهنأ بنوم ونتلذذ بأكل بينما إخواننا يعذبون؟ وما الذي تبقى من العروبة والإسلام ليحكى في قمة القادة التي نفضت غبارها بكلمات واهية وجمل تعبر عن الشعور بالأسف والشجب والتنديد.       

قلت في نفسي لو اتخذ القادة قرارًا حاسمًا بالدخول الجماعي إلى غزة عبر معبر رفح، هل سيجرؤ الكيان الصهيوني على قتل رؤساء 57 دولة إسلامية وعربية؟ ولو حدث ذلك لكان أفضل مما خرجوا به من توصيات يطالبون من خلالها الغرب الظالم وأمريكا التي تقود هذا العدوان من البيت الأبيض بالمال والسلاح، بوقف الحرب. سيقول لي البعض إن هذا حديث عاطفي، وإن إدارة الشعوب ودواليب السياسة تعتمد على الرؤية العقلانية للصراع. ومبدأ السلام الذي أصبحنا نؤمن به وندعو له بات مرفوضًا من الكيان الصهيوني والغرب والولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن تبدد حل الدولتين الذي أخرجه اتفاق أوسلو المشؤوم وبات التنكيل والقتل هما الصفة الشائعة في الأراضي الفلسطينية.   

جر القادة توصياتهم المكررة الى دواليب وزراء خارجيتهم وكلفوهم كالعادة بمتابعة الأمر حتى القمة القادمة بعد عام، ويحسبون أنهم بهذا الإجراء الشكلي يرضون شعوبهم المقهورة وأمتهم المكلومة.

اتصل بي في وقت متأخر من ليلة القمة رجل عزيز من قُطر عربي بعيد، وقال لي ما عساك ستكتب غدًا؟ قلت له سأعبر عن سخطي كالعادة كما يفعل الرؤساء، وسأشجب وأستنكر ما أراه، ولا أدرى إن كان أحد سيقرأ عمودي لهذا الأسبوع أم سيعدونه ضمن توصيات القادة؛ فالأقلام باتت رهين الحدث، وكلٌ يُعظم موقف حاكمه؛ ابتداءً من هيبته وحضوره اللافت وحتى كلمته التي أربكت العالم وأعادت العدو الى خط الرابع من يونيو 1967، ومنحتنا القدس الشرقية كعاصمة لفلسطين المحتلة، وهي أسطوانة دأب على ترديدها كل المتحدثين في كلماتهم. ولا أدرى ما الجدوى منها، مع رفض الكيان الاعتراف بحل الدولتين، وماذا كان يُضيرهم لو تركوها وبدلًا عنها قالوا فلسطين دولة موحدة من البحر إلى النهر وعاصمتها القدس الشريف كنوع من التصعيد الكلامي على الأقل.

الحقيقة الوحيدة الماثلة أمامنا اليوم أن المقاومة الفلسطينية بقيادة ثلة من المجاهدين الصابرين المحتسبين تحقق نصرًا على الأرض رغم الدمار والقتل، وأنَّ الكيان الصهيوني بات يترنح من جبهة إلى أخرى، وأصبحت تنخره سوسة الهزيمة، من إقالة وزرائه في وسط المعركة والاتهامات الداخلية بالخيانة والعمالة والاختراقات الأمنية والعسكرية لمنظومته الهشة من قبل قوى المقاومة، في الوقت الذي أدركت فيه أمريكا والغرب- أكثر من أي وقت مضى- أن الكيان الصهيوني أصبح معول هدم لحضارتهم، وعبئًا ثقيلًا عليهم أمام البشرية.