تحديات وفرص للعالميْن العربي والإسلامي

 

محمد بن علي العريمي

mahaluraimi@gmail.com

 

شهد العالم العربي والإسلامي خلال العقدين الأخيرين تحولًا جذريًا في ميزان القوى العالمية؛ إذ لم تعد الهيمنة الأمريكية المطلقة هي السمة الوحيدة للنظام الدولي كما كانت خلال العقود الثلاثة الماضية، وعلى العكس من ذلك، برزت قوى أخرى، مثل روسيا والصين، لتلعب أدوارًا محورية في إعادة تشكيل النظام العالمي نحو نظام متعدد الأقطاب. تحمل هذه التغييرات في طياتها تداعيات عميقة على السياسة الدولية، والاقتصاد العالمي، والأمن الدولي. ويبدو أن هذه التحولات تمثل تحديات وفرصًا على حد سواء بالنسبة للدول العربية والإسلامية.

ومع نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي، استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية الحفاظ على موقعها كقوة عظمى مهيمنة على المشهد العالمي. وقد اعتمدت في ذلك على قوتها العسكرية، والاقتصادية، والتكنولوجية، والأمنية لفرض هيمنتها على مختلف المجالات. ومع ذلك، وخلال العقد الأخير، بدأت تواجه تحديات متزايدة نتيجة صعود قوى جديدة مثل الصين، إضافة إلى عودة روسيا بقوة إلى الساحة الدولية بقيادة فلاديمير بوتين. هذه التطورات دفعت البيت الأبيض إلى تعزيز تحالفاته التقليدية في أوروبا وآسيا، وتركيزه على تطوير تكنولوجيا الدفاع المتقدمة، في محاولة مستمرة لاحتواء الصعود الصيني والروسي. ورغم ذلك، أدى الاستنزاف الناتج عن التدخلات العسكرية في الشرق الأوسط ومناطق أخرى، والانقسامات الداخلية، إلى إضعاف قدرة الولايات المتحدة على التأثير في الملفات الخارجية، مما أتاح مجالًا أكبر لبروز قوى جديدة.

ومنذ وصول بوتين إلى السلطة في عام 2000، ركزت روسيا على استعادة مكانتها كقوة كبرى في النظام الدولي من خلال استخدام القوة العسكرية والدبلوماسية. وسعت روسيا، من خلال هذه الأدوات، إلى إعادة تشكيل النظام الدولي بما يقلل من النفوذ الأمريكي ويزيد من دورها كوسيط رئيسي في الصراعات الدولية، وهو ما شهدناه بشكل واضح في العديد من ملفات منطقة الشرق الأوسط.

وعلى الصعيد الاستراتيجي، كان ضم شبه جزيرة القرم، والتدخل في سوريا، والعملية العسكرية في أوكرانيا من أبرز العوامل التي أدت إلى تصاعد التوترات بين روسيا والغرب، خاصة منذ اشتداد النزاع في أوكرانيا عام 2022. وعلى الرغم من العقوبات الغربية، نجحت روسيا في بناء شراكات اقتصادية قوية مع الصين ودول آسيوية أخرى، كما عززت نفوذها داخل مجموعة "بريكس"، مما ساعدها على مقاومة الضغوط الغربية والصمود في وجه التحديات الاقتصادية.

أما الصين، فهي اللاعب الذي لا يمكن تجاهله عند الحديث عن تعدد الأقطاب. هذه القوة الصاعدة تشكل اليوم التهديد الأكبر لهيمنة الولايات المتحدة. فخلال العقود الأخيرة، حققت الصين نموًا اقتصاديًا مذهلًا، وأصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم. ومع ذلك، لم يتوقف التحدي الصيني عند الاقتصاد فقط؛ بل زادت الصين من إنفاقها العسكري وطورت قدراتها التكنولوجية بشكل غير مسبوق، مما جعلها منافسًا قويًا في مجالات الدفاع، والابتكار، والتكنولوجيا. وتسعى الصين حاليًا إلى تعزيز نفوذها العالمي من خلال مبادرة "الحزام والطريق"، وهي استراتيجية اقتصادية تهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر شبكة ضخمة من الطرق والموانئ والبنية التحتية، مما يجعلها لاعبًا محوريًا في التجارة العالمية. كما تستثمر الصين بشكل كبير في مجالات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية، مما يضعها في مقدمة السباق العالمي للتفوق التكنولوجي.

وفي ضوء هذه التطورات، فإن تعدد الأقطاب له تأثيرات كبيرة على النظام الدولي. فبدلاً من وجود قوة عظمى واحدة تتحكم في مجريات الأمور، أصبح هناك تنافس بين القوى الكبرى على مختلف المستويات. قد يؤدي هذا التنافس إلى زيادة الصراعات الإقليمية، خاصة في المناطق التي تتداخل فيها المصالح الأمريكية، الروسية، الصينية، والهندية، مثل الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعقيد الدبلوماسية الدولية بات واضحًا؛ حيث تسعى كل قوة عظمى إلى تشكيل تحالفات جديدة والتأثير على الدول لصالحها. وفي هذا السياق، نجد أن أحداث السابع من أكتوبر في فلسطين، قد أضافت بُعدًا جديدًا لهذا التنافس، مما يعزز من تعقيد العلاقات الدولية ويزيد من فرص التصادم بين القوى الكبرى.

ورغم هذا التنافس الشديد، فإن الوضع الراهن يتيح فرصًا مهمة للدول العربية والإسلامية. فقد يُمكِّنها استقطاب استثمارات أكبر وتكنولوجيا متقدمة؛ سواءً في مجالات الطاقة، أو البنية التحتية، أو التعليم. ومن الأمثلة البارزة على ذلك، إندونيسيا، وهي أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان، وتمتلك عاشر أكبر اقتصاد في العالم من حيث تعادل القوة الشرائية. وقد نجحت في تقليص معدل الفقر إلى النصف بين عامي 1999 و2019، وفقًا لتقارير البنك الدولي، مما يبرز قدرتها على الاستفادة من التحولات الاقتصادية العالمية.

على الجانب الآخر، قد يُوفِّر النظام العالمي الجديد فرصًا للدول الصغيرة والمتوسطة للاستفادة من التنافس بين القوى الكبرى. هذه الدول قد تحصل على دعم اقتصادي وعسكري يُمكنها من تحقيق التنمية لشعوبها. فعلى سبيل المثال، مشروع الهيدروجين الأخضر في المناطق الاقتصادية والصناعية في الدقم وصحار يضع سلطنة عُمان في مقدمة دول الشرق الأوسط في هذا المجال. ومن المتوقع أن تصبح سادس أكبر مصدر للهيدروجين في العالم بحلول عام 2030، بإنتاج يصل إلى 1.38 مليون طن سنويًا، مما يعزز من مكانتها الاقتصادية على الساحة الدولية.

بناءً على ما تم ذكره، ومع التحولات الجيوسياسية الحالية وزيادة الحديث عن نظام عالمي متعدد الأقطاب، تُتاح للعالمين العربي والإسلامي فرصٌ مُتعددة لتعزيز مصالحهما وزيادة تأثيرهما على الساحة الدولية. وتنبع هذه الفرص من تغيُّر ميزان القوى العالمي والتحولات الاقتصادية والسياسية التي قد تعيد تشكيل العلاقات بين الدول الكبرى؛ مما يتيح مساحة أكبر للدول العربية والإسلامية لتعزيز استقلالها وتنويع شراكاتها الاستراتيجية، في عالم يتجه نحو تعدد الأقطاب والمصالح المتشابكة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة