محمد بن رضا اللواتي
بهذه الكلمات وصفت العضوة في البرلمان الفرنسي ماتليدا يانوت الاستقبال الحافل لأحد وزراء الكيان الإسرائيلي القاتل عندما خطبت تقول: "كيف تجرؤ على استقبال أكثر الوجوه قسوة لعميلة الإبادة في غزة ولبنان، 43 ألف شخص و14 ألف طفل، الرجل الذي ينبغي أن يكون على مقعد المتهم في محكمة دولية؟ ألا ترى أنَّ فرنسا تفقد شرفها"؟
أما مقررة الأمم المتحدة المعنية بفلسطين، الإيطالية فرانشيسكا ألبانيز، والتي سبق وأن أدلت بتصريحات اتهمت فيها الولايات المتحدة وأوروبا بالخضوع للوبي الصهيوني، فقد تجاوزت في وصفها للغرب مرحلة "فقدان الشرف" إلى فقدان "الإنسانية" عندما قالت: "هل يُعقل بعد مقتل 42 ألف شخص، أنكم لا تستطيعون التعاطف مع الفلسطينيين لدرجة أن بعضكم لم يُعلق بحرف تجاه ما يحدث في غزة، مع العلم بأن التعاطف هو الذي يبرهن على وجود الإنسانية فينا؟ إنكم بتصرفاتكم هذه قد نقلتم رسالة إلى جيل الشباب في بلدان كبريطانيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، بأن موضوع "حقوق الإنسان" جيد للدراسة والمناقشة في الجامعات والمدارس فحسب، ولكن عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.. فلا!".
كريم خان المدعي العام للمحكمة الجنائية بدوره، فقد صرح يقول إنه تلقى تهديدات من مجلس الشيوخ ومجلس النواب الأمريكي يحذرونه بحزمة من التهديدات منها أنهم سوف يستهدفونه فيما إذا استهدف إسرائيل، وأن مصيره الطرد من الولايات المتحدة مع عائلته. وكان خان قد أخبر أيضًا بأن أحد القادة الغربيين قد قال له عندما كان هذا الأخير يتابع موضوع ملاحقة شخصيات إسرائيلية متهمة بجرائم حرب وضد الإنسانية، قال له إن هذه المحكمة مخصصة للأفارقة، وللبلطجيين أمثال بوتين، وليس للشخصيات الإسرائيلية!
هذه التصريحات لأولئك الثلاثة الذين يواجهون اللوبي الصهيوني الآن يتتبع خطاهم ولن يهدأ له بال إلّا بتنحيتهم عن مراكزهم، كما تُخبرنا بأن الكيان الذي كان يُوصف "بالغاصب" فيما سبق، وعندما أراد أن يرتقي ليكون في مصاف الكيانات "القاتلة" ويوغل عميقًا في دماء الأبرياء والعُزل من الكهول والنساء والأطفال، ويُظهر وحشية في سفك الدماء لم ترَ العصور الأخيرة نظيرا لها من هدم المستشفيات والمدارس ومخيمات الإيواء، وما يترتب على ذلك من نزعِهِ لصفة الإنسانية عنه، كان لا بُد وأن ترافقه حملة إعلامية تعمل على قلب المفاهيم التي استندت عليها العائلة البشرية برمتها فيما سبق واعتنقتها بصفتها مجموعة من القيم التي تحكي عن انسانيتها وتتشكل متنها منها، وفعلا وإذا بنا نجد مرحلة جديدة لتوصيف جرائم الإبادة الإسرائيلية، فمن صمت مطبق إلى تأييد وإبداء الرضا والفرح لمقتل المستضعفين وتهديد كل من تسول له نفسه بالتنديد.
هذه هي المرحلة الجديدة من الاستكبار العالمي، فبعد التنكر لله تعالى وإلغائه من حياة الإنسان الغربي، سار العمل نحو تشويه فطرته بتحويله إلى أحط من المجتمعات الحيوانية بترويج المثلية فيه بقوة الإعلام والسلاح كذلك، وأخيرا بالقتل العلني للأبرياء بصفته فعل مرضٍ ومؤيد محاط بقمع وحشي لكل من يقابله بالاعتراض كما رأينا طريقة قمع المظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية.
مجرمو الحرب من قادة الكيان الذي ولغ في دماء الضعفاء أمام مرأى ومسمع العالم يعلمون جيدا بأنهم لن يمضوا طويلا في فك الإنسانية عن نفسها، فإرادة مقاومة هذا الإجرام لن تنعدم في شرفاء هذا العالم، وقد أنبأهم آخر أسفار العهد القديم وأصغرها حجما، من مجموع 39 سفرا، وهو سفر "ملاخي" بأن نهاية مروعة تنتظرهم، فلقد نطق الرب يصفهم: "الشعب الذي غضب عليه الرب إلى الأبد" (الاصحاح الأول)، وقال فيهم الرب وصيته: "والآن إليكم هذه الوصية أيها الكهنة، إن كنتم لا تسمعون ولا تجعلون في القلب لتعطوا مجدًا لاسمي، قال رب الجنود فإني أرسل عليكم اللعن وألعن بركاتكم؛ بل قد لعنتها لأنكم لستم جاعلين في القلب.. أما أنتم فحدتم عن الطريق وأعثرتم كثيرين بالشريعة أفسدتم عهد لاوي قال رب الجنود، فأنا أيضا صيرتكم محتقرين ودنيئين عند كل الشعب" (الإصحاح الثاني)، وكذلك "فأنتم يا بني يعقوب من أيام آبائكم حدتم عن فرائضي ولم تحفظوها... قد لعنتم لعنًا" (الإصحاح الثالث).
"ثمَّة أفجار (جمع فجر) جديدة لم تبزغ بعد". (نيتشه).