مجرد حياة فانية

 

 

صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد

 

أصل كلمة فندق يوناني وتعني "النُزُل"، والحياة عبارة عن فندق كبير ينزل فيه النَّاس لفترة بسيطة وما يلبثون إلا وأن يولوا عنها راحلين، والسكن في هذا الفندق له ثمن باهظ لا يُدفع بالمال وإنما يدفع من عمر الإنسان الذي ينقضي سريعًا.

وهذا الفندق ليس كالفنادق التي نعرفها إنما يحتوي على نزلاء بمختلف مستوياتهم المادية والاجتماعية والنفسية، وبمختلف ظروفهم المعيشية وأفكارهم وتوجهاتهم. والجميع يتمسك بالسكن في هذا الفندق الذي وجدوا أنفسهم فيه دون إرادتهم ثم لا يرغبون في الرحيل عنه حتى ولو كانوا يعيشون في اضطرابات معيشية صعبة أو مُعاناة متواصلة.

أما الذين أمورهم ميسرة ودنياهم تسير على ما يرام والحياة فارهة مبتسمة لهم في هذا الفندق الكبير المقيمين فيه، فلا يكتفون بذلك، ويُتعبون نفسيتهم لأتفه الأسباب وصغائر الأمور، وأكثر الأمور تافهة وصغيرة لا تستحق الالتفات إليها إذا وضع الإنسان ثقته بالله الذي يُحسن التدبير، وإنما التركيز عليها والانشغال بها يجعلها كبيرة متضخمة في ذواتهم.

فلا لإعطاء المجال للمنغصات أن تصعب الحياة ولا للتوافه أن تقلق الراحة في هذه الدنيا التي تفني النَّاس وتبقي نفسها، ولتكُن ردة الفعل حول ما يحصل خارجا هادئا معتدلا عابرا كسحابة صيف لا تلبث أن تزول. ولا يجب إعطاء توافه الأمور وصغائرها أهمية أكبر من حجمها إذا أردت أن تنعم براحة البال؛ فلا وقت في هذا العمر القصير كنزيل في الفندق الدنيوي، للكرب والضيق والمنغصات الحياتية، وأن تجعلها تهيمن على حياتك ولتأخذ الأمور ببساطة وتروى وتغاضى.

ولا داعي للتشنج والخوف والارتباك والأسى والندم، "فما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، وغدا أنت عن كل شيء راحل؛ فليجعل الإنسان في إقامته القصيرة في حياته الفندقية الانشغال بنفسه لا بالآخرين، فلديه ما يكفيه من انشغالات أهمها إصلاح نفسه وأهله بالتي هي أحسن.

والإنسان أحيانًا يكبل نفسه بنفسه بأوهام لا فكاك منها بسهولة؛ فيتصرف على نحو غير صحيح بوعي أو دون وعي. والبعض أوهامهم تبقى معهم يحملونها معهم طوال حياتهم وإنما تبقى أوهام مخدرة بالنسبة لهم ترضيهم لا يفيقون منها، ولا يريدون لأحد أن يطعن فيها لأنهم مؤمنين بها ويقتاتون عليها. وأن تعرف كيف تعيش فذلك فن ليس الجميع يتقنه، وإذا لم تعرف كيف تحكم عقلك في حياتك فستأتي الأوهام لتأخذ دور العقل في تسييرك وتحكم تصرفاتك.

البعض يقرر أن يقضي أكثر وقته في الصلاة وقراءة القرآن والتعبد ويبقى على هذا الوضع طوال حياته. وإذا تأخر عن أداء فريضة من الفرائض يومًا في وقتها في المسجد تراه يشعر بالخوف وغضب الله عز وجل ويشعر بتأنيب الضمير والحزن فيستغفر الله ويتوب إليه ألف مرة، ولا يريحه إلا الصلاة والاستغفار والتسبيح وله ذلك.

والبعض يقضي وقته متوجهاً للدنيا في لعبها ولَهْوِها، معتقدا بأنَّ الدنيا تعني المتع والسهر والخمر والرقص والموسيقى والانبساط بين أحضان النساء وله ذلك.

والبعض يقضي مُعظم وقته مع أصدقائه وأصحابه بالسفر وجلسات السمر ومراكز التسوق والمطاعم والأندية والمجالس مهملاً عمله وبيته وله ذلك.

والبعض الآخر يقضي وقته منغمسًا في العمل وغارقاً في الواجبات الوظيفية طوال حياته إلى أن يجد نفسه قد تقدم به العمر بسرعة إلى المشيب دون أن يعيش حياته لتهبط عليه الأمراض المزمنة التي لا فكاك منها. وكان معتقدا بأنه حتما سيأتي اليوم الذي يرتاح فيه ليستمتع بحياته وأمواله، مؤجلا فرحته إلى يوم آخر لا يأتي، عائشا في وهم الوظيفة وله ذلك.

 والبعض يكرس حياته لزوجته وأبنائه مسخرا ماله ووقته وقدراته وإمكانياته لهم مضحياً بكل ما لديه دون أن يلتفت لحاجاته ورغباته وسعادته، متفانيا لخدمتهم لا يأتي ولا يذهب لنفسه، ناكرًا ذاته وله ذلك.

ولا تلبث إلا أن تجد إقامتك في هذا الفندق قد انتهت أو أوشكت على الانتهاء وأنت لم تعرف كيف تعيش في هذا الفندق؟!

والآن قبل فوات عمرك هل تريد أن تعيش واهمًا أم تستيقظ من وهمك وتعطي توازناً لنفسك في هذه الحياة القصيرة الفانية؟! فوقتٌ لعبادتك ووقتٌ لعائلتك ووقتٌ لأصدقائك ووقتٌ لأعمالك ووقتٌ لهواياتك ووقتٌ لنفسك، أم تبقى غارقًا في وهمك؟!

الأكثر قراءة