كشف الستار عن حالة ظَفَارِ للشيخ عيسى الطائي قاضي قضاة مسقط (26)

 

تحقيق: ناصر أبوعون

يقول الشَّيخُ القاضِي الأجَلّ عِيَسى بِنْ صَالِحٍ بِنْ عَامِرٍ الطَّائِيُّ: [(وَأَمَّا حَمَاسَتُهُمْ فَتُشْبِهُ (حَمَاسَةَ الحَضَارِمِ)؛ فُهُمْ يُنْشِدُونَ (الْأَنَاشِيْدَ الحَمَاسِيَّةَ)، وَيُغَنُّوْنَ بَهَا، وَ(يَرْزَحُوْنَ)؛ فَيَنْفَلِتُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ أَمَامَ الْجُمْهُوْرِ شَاهِرًا السِّلَاحَ رَكْضًا، ثُمُّ يَعُوْدُ إِلَى أَصْحَابِهِ، ثُمَّ يَنْفَلِتُ مَرَّةً أُخْرَى، وَ(هَلُمَّ جَرًّا)، وَيُسَمُّوْنَ هَذَا (تَبَرُّعًا) فِي تِلْكَ الْأَنَاشِيْدِ الْحَمَاسِيَّةِ (هَبُّوْتْ) بِتَشْدِيْدِ الْبَاءِ. وَمِنْ عَوَائِدِهِمْ أَيْضًا أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ هُوَ الَّذِيْ يَتَوَلَّى خِدْمَةَ الْبَيْتِ مِنْ (تَكْنِيْسٍ) و(حَلْبِ بَقَرِ) و(طَبْخِ طَعَامٍ)، وَغْيُرُ ذَلِكَ. وَعِنْدَهُمْ لُغَةٌ تُشْبِهُ (لُغَةَ أَهْلِ سُقْطَرَةَ)، وَلَعَلَّ هَذِهِ الُّلغَةُ سَرَتْ إِلَيْهِمْ مِنَ (الْأَعْرَابِ أَهْلِ الْجَبَلَ)؛ لِأّنَّ أَهْلَ الْجَبَلِ حُفَاةٌ جُفَاةٌ، لَا يَتَكَلَّمُوْنَ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَغَالِبُهُمْ لَا يَفْهَمُ شَيْئًا مِنَ الْعَرَبِيَّةِ، بَلْ نَحْتَاجُ فِي خِطَابِه إِلَى (تُرْجَمَانٍ)، وَهَذِهِ الُّلغَةُ صَعْبَةٌ جِدًّا تُشْبِهُ نَعِيقَ الطَّيْرِ)].

*****

حماسة أهل ظفار والحضارمة

يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(وَأَمَّا حَمَاسَتُهُمْ فَـ(تُشْبِهُ حَمَاسَةَ الحَضَارِمِ)؛ فُهُمْ يُنْشِدُونَ (الْأَنَاشِيْدَ الحَمَاسِيَّةَ)، وَيُغَنُّوْنَ بَهَا وَ(يَرْزَحُوْنَ)].

قول شيخنا الطائيّ: [(حَمَاسَتُهُمْ)]: قصدَ به الشِّدة في المُحاربة والشجاعة عند أهل ظَفَار ونحوِها. وشاهدُها نقرأه في قول الصَّحابيّ (زيد الخير الطائيّ): [جَنِّبُونِي بِلَادَ قَيْسٍ، فَقَدْ كَانَتْ بَيْنَنَا (حَمَاسَاتٌ) فِي الْجَاهِلِيّةِ، وَلَا، وَاللهِ لَا أُقَاتِلُ مُسْلِمًا حَتَّى أَلْقَى اللهَ(01)]، وأما قول شيخنا الطائيّ: [(تُشْبِهُ حَمَاسَةَ الحَضَارِمِ)]؛ فـ(الحَضَارِمِ) نِسبةً إلى (حضرموت)، التي "كانت تسمى قديما (الأحقاف) في قوله الله تعالى:{وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ}[سورة الأحقاف، الآية: 21]،وإنما سُميت (حضرموت) لسبب ذكره بعض المؤرخين؛ ذلك أن عامر ابن قحطان أول من نزل الأحقاف، فكان إذا حضر حربًا أكثر من القتل، فصاروا يقولون عند حضوره:(حَضَرَ موتٌ)، ثم صار ذلك عليه لقبًا، وصاروا يقولون للأرض التي بها قبيلته:(هذه أرض حضرموت)، ثم أُطْلِق الاسم على البلاد نفسها. وفي التوراة اسم (حضرموت):(حاضرميت).ولقد كانت (حضرموت) موطنَ (قوم عاد)، و(أقيال التتابعة)، و(ملوك حِمْيَر)، و(كندة)"(02).

و(الحضارم والظفاريون وسائر العُمانيين) يتشابهون في الحَمِيّة والشجاعة والانتصار للمظلوم، ومجبولون على الإباء ورفض الضَّيم؛ ذلك لأنهم خرجوا من ظهْرٍ عَربيٍّ طاهر أصيل، فهم سواء في الانتساب إلى القبائل العربية الأصيلة التي نزحت في هجرات منتظمة من اليمن بعد انهيار سد مأرب إلى عُمان وشبه الجزيرة وبلاد الشام والعراق، ويشتركون في خصائص وراثية ونفسية واحدة، وقد كانوا "في مقدمة المشتغلين بالتجارة البحرية في المحيط الهنديّ، وقاسوا كثيرا من الوجود البرتغاليّ في هذا الشريان المائيّ، لذلك أتاح طردُ البرتغاليين من هرمز عام 1622م فُرصا للحضارم والعُمانيين (وأهل ظَفار) لمتابعة كفاحهم المسلح ضد البرتغاليين، فقاموا بمهاجمة المحميات البرتغالية على طول ساحل بحر العرب في عُمان، ومن ثَمَّ ملاحقتهم في بقية السواحل وطردهم من مدن مسقط والشِّحر، ثم طاردوهم في شرق أفريقيا. وفي سنة 1700م، استولى العمانيون على معظم ساحل شرق أفريقيا وخضعت بالتالي (مقديشيو) و(كسمايو) و(لامو) و(ملندي) و(بتة) و(ممباسا) و(زنزبار) و(كلوة) لحُكم العُمانيين، واستمر سلطانهم حتى أوائل الستينيات من القرن العشرين"(03)).

الإنشاد والرَّزح في ظَفار

وأمّا قول شيخنا الطائيّ: [(يُنْشِدُونَ الْأَنَاشِيْدَ الحَمَاسِيَّةَ)]، فالفعل (يُنْشِدُونَ)، مضارع أفاد الاستمرار والمداومة. والإنشاد من التراث التقليديّ (الظَّفاري في اللغات: العربية الجنوبيّة والشحريّة والمهريّة)، وتتناقله الأجيال، وهو مأخوذ من الفعل المتعدي (نَشَدَ)، و(يُنْشِدُونَ) معناه: يرفعون به ذكر بطولاتهم، ويفخرون بتاريخهم ومآثرهم. وشاهده نقرأه عند امريء القيس: [وَأَنَا الَّذِي عَرَفَتْ مَعَدٌّ فَضْلَهُ/ وَ(نَشَدْتُ) عن حُجْر بنِ أمِّ قطامِ(04)]، وكلمة [(الْأَنَاشِيْد)] جمعٌ ومفرده (النشيد)، ومعناه: ما يَتَنَاشَدُ به الظفاريون من شعر ينشد به بعضهم بعضا. ونقرأ شاهده اللغوي في قول (أم معروف): [أَنْتَ أَرْوَى مِنِّي وَأَكْرَمُ، وَأَشَدُّ تَتَبُّعًا لِلْأَخْبَارِ وَالْأَشْعَارِ، وَلَوْلَا ذَاكَ، لَمْ تَكُنْ مُعَلِّمَ هَذِهِ (الْأَنَاشِيْدِ)(05)]. وفي قوله: [(يُغَنُّوْنَ بَهَا)] مضارع، مصدره (غِناء) بكسر الغين المُعجمة، و(غِناء الطير: تغريده)، و(غِناء القرآن: ترتيله وترقيق الصوت في قراءته)، و(غِناء الجراد ونحوه: تصويتُه)، و(غِنَاء الظَّفاريّ) ترنّمه بالكلام المُنَغّم. وشاهده نقرأه في قول الرّأساءُ بن نهارٍ الكلبيّ: [وَأَرَّقَنِي وَالَّليلُ قَدْ زُرَّ سَاجُهُ/ (غِنَاءَ) بَنِي سَعْدٍ عَلَى زِقٍّ حَازِمِ(06)]،وَفي قوله: [(يَرْزَحُوْنَ)]: من (الرَّزحة) وهو فن تقليديّ عُمانيّ وليس ظفاريًا محضًا؛ وربّما ذكره الشيخ عيسى الطائي للتشابه والمماثلة في بعض حركات الشكل الأدائيّ بين (البرعة والهبوت) في ظفار جنوب عُمان و(الرزحة) في الوسط والشمال وخاصةً في توظيف (السيوف والخناجر) في أداء تلكمُ الفنون. أمّا المعنى الدلالي والاصطلاحي فهو "فن المبارزة بالسيف، حيث يرزح المبارز تحت ثقله، وعليه أن يتحمّل هذا الثقل أثناء قفزه عاليًا في الهواء ليهبط واقفا على قدميه ثابتًا دون اهتزاز أو سقوط، وإيقاع الرزحة ثلاثي برفقة نوعان من الطبول هما: الكاسر والرحمانيّ. وأمّا المعنى اللغويّ، فيُستدل عليه من مفردة "نسمعها من العُمانيين في قولهم: إن فلانا من الناس "رازح"، بمعنى رجل وقور وعاقل، كما إن نظام الأداء الجماعيّ لأنواع الرزحات المتعاقب يأتي حسب متطلبات الوضع الاحتفاليّ ويتَّسِم بمِزَاجين: الأول: مِزاجٌ حماسيٌّ احتفاليٌّ، ويُسمى بـ(رزحة المسيرة)، وذروة حماس المؤيدين يظهر جليا في نوع شلات رزحة المسيرة التي تُعرف بالحربيات. والثاني: مِزاجٌ تطويبيٌّ. وطريقة أداء الرزحات بشكل عام، تكون عادة إما على هيئة مسيرة، أو بصفوف متقابلة، وأنواع الرزحات هي: رزحة المسيرة، والتعيوطة والعازي، والتصافي، ولال العود، وفرور الرواح"(07)، وفي محافظة الشرقية "للرزحة أنواع مختلفة كرزحة (الحربيات)، و(الهوامة)، و(الناحية)، و(الخالدية) نسبة إلى ولاية بني خالد"(08)

توظيف الانزياح اللغوي

يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [فَيَنْفَلِتُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ أَمَامَ الْجُمْهُوْرِ شَاهِرًا السِّلَاحَ رَكْضًا، ثُمُّ يَعُوْدُ إِلَى أَصْحَابِهِ، ثُمَّ يَنْفَلِتُ مَرَّةً أُخْرَى، وَ(هَلُمَّ جَرًّا)، وَيُسَمُّوْنَ هَذَا (تَبَرُّعًا) فِي تِلْكَ الْأَنَاشِيْدِ الْحَمَاسِيَّةِ (هَبُّوْتْ) بِتَشْدِيْدِ الْبَاءِ.

وقول شيخنا عيسى الطائيّ: [(فَيَنْفَلِتُ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ)] فيه توظيف دلاليٌّ وانزياح لُغويٌّ للفعل (يَنْفَلِتُ) والذي مصدرُه (الانفلات) ومعناه: الانفكاك والتخلُّص، أي ينفكّ الظَّفاريّ المشارك في فن الهبّوت من الصّف ركضًا بسيفه، و(يَنْفَلِتُ) فعلٌ متعدٍّ بالحرف وأصله الثلاثيّ (فَلَتَ). وشاهده اللغوي نقرأه في قول عصمة بنت زيدٍ النَّهديّة: [فِإِنْ (أَنْفَلِتْ) مِنْهُ فَإِنِّي حَبِيْسَةٌ/ طَوَالَ الَّليَالِي مَا دَعَا اللهَ رَاغِبُ(09)].

وقد استعمل الشيخ عيسى الطائي مفردة [(الْجُمْهُوْرِ)] على وجهين. أمّا الوجهُ الأول: فهي مفردٌ وجمعُه (الجماهير)، ومعناه: الجماعة الكثيرة من الناس؛ يجتمعون جلوسًا، أو وقوفًا للمشاهدة والسماع والاستمتاع والمشاركة في فَنون (الرزحة والبَرْعَة والهَبّوت) التي تُقامُ في المواسم والأعياد والمناسبات الاحتفاليّة. وشاهده اللغويّ نقرأه في قول ابن مُقبل العَجْلانيّ التميميّ يصف فيه قائدًا للخيل والجيش: [وَأَعْظَمُ (جُمْهُورًا) مِنَ الخَيْلِ خَلْفَهُ/ (جَمَاهِيْرُ) يَحْمِلْنَ الْوَشِيْجَ الْمُقَصَّدَا(10)]، وأمّا الوجه الثاني لكلمة [(الْجُمْهُوْرِ)]، فهي (اسم جمع) بمعنى أشراف الناس الوجهاء والرشداء والمشايخ وسادة القبائل، الذين يشاركون في الاحتفالات والمواسم والأعياد والفنون التراثيّة الظفاريّة. وشاهدُها اللغويّ نقرأه في قول أبي طالب: [يَاقَوْمُ، ذُودُوا عَنْ (جَمَاهِيرِكُم)/ بِكُلِّ مِقْصَالٍ عَلَى مُسْبِلِ(11)].

إشهار السلاح بين الشريعة والتراث

وفي قول شيخنا الطائيّ: [(شَاهِرًا السِّلَاحَ رَكْضًا)]، إشارة إلى حركة (المواطن الظفاريّ) المشارك في أداء فنون (الرزحة) و(البرعة) و(الهبوت) وهو ينفلت من الصفِّ (شاهرًا السِّلَاحَ)؛ أي: (مُبْرِزًا ومُظْهرًا سيفَه)، و(شَاهِرًا) اسم فاعل من الفعل الثلاثي (شَهَرَ)، وشاهده اللغويّ نقرأه في مسند الإمام أحمد من حديث الرسول الأعظم محمد -صلى الله عليه وسلم-: مُتحدِّثًا عن مِنْعَة المدينة المنورة من المسيخ الدجّال: [واللهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، مَا لَهَا طَرِيْقٌ ضَيّقٌ وَلَا وَاسِعٌ، فِي سَهْلٍ وَلَا جَبَلٍ إِلَّا عَلَيهِ مَلَكٌ (شَاهِرٌ بِالسَّيْفِ) إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَا يَسْتَطِيْعُ الدَّجَّالُ أَنْ يَدْخُلَهَا عَلَى أَهْلِهَا(12)]. وإشهار السلاح في غيرِ الاحتفالات والفُنون ولهذه الغاية أو انتضاؤه ورفعُه على الناس مُحَرَّم شرْعًا لقول الرسول الأكرم:-صلى الله عليه وسلم-: [مَنْ (شَهَرَ) عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا(13)]. وأمّا قوله: [(رَكْضًا)]، فهو مَصْدرٌ، ومعناه: الْعَدْوُ السَّرِيع، حيث نشاهد الرجل الظفاريّ المشارك في فنون (الرزحة) و(البرعة) و(الهبوت) وهو ينفلتُ من الصف مسرعًا (ثُمُّ يَعُوْدُ إِلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْفَلِتُ مَرَّةً أُخْرَى). وشاهدُه اللغوي في قول سيف بن عمرو البَكيليّ الْهَمْدَانِيّ: [أَخَافُ إِذَا وَرَدْنَ بِنَا مَضِيْقًا/ وَحَثَّ (الرَّكْضُ)، أَلَا تَحْمِلِيْنِي(14)].

ثلاثة وجوه في "هَلُمَّ جَرًّا"

وقول شيخنا الطائيّ: [(هَلُمَّ جَرًّا)] تكوين لفظيٌّ مركَّب من ثلاثة عناصر هي: [هاء التنبيه (هَـ)، و(لُمَّ)، و(جرًّا) مصدر (جَرَّهُ يجُرُّهُ) إذا سحبه]. ومعناها: استدامة الأمر واتِّصاله. أي سيرورة الركض وديمومته على ما كان عليه فيما سبق، وللدلالة على مداومة المشارك في فنون (الرزحة والبرعة والهبّوت) على إتيان حركة (الانفلات والركض)، وأمّا إعرابها فقال ابن الأنباري: في نصبه ثلاثة أوجه، الأول: هو مصدر في موضِع (الحال) أي (هَلُمَّ جارِّين) أي (مُتأنين) كقولهم: جاء عبد الله مشيًا وأقبل ركضًا. والثاني: هو (مصدر) على بابه؛ لأن (هَلُمَّ جَرَّا) بمعنى (جُرُّوا جَرًّا). والثالث: أنه منصوب على (التمييز). وشاهدُها اللغوي نقرأه في شعر عائذٍ بن يزيد اليَشْكريّ: [وَإِنْ جَاوْزْتُ مُقْفِرَةً رَمَتْ بِي/ إِلَى أُخْرَى كَتِلْكَ (هَلُمَّ جَرَّا)(15)].

الْبَرْعَة والهَبُّوت في ظَفار

يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [وَيُسَمُّوْنَ هَذَا (تَبَرُّعًا) فِي تِلْكَ الْأَنَاشِيْدِ الْحَمَاسِيَّةِ (هَبُّوْتْ) بِتَشْدِيْدِ الْبَاءِ)]. إشارة إلى طائفة من الموروث الشعبيّ والفنون التقليدية في ولاية ظفار فذكر لنا أولا: [(التبرّع)] إشارة إلى (فن البرعة)، و"يعتمد هذا الفن في إيقاعاته على طبول متعددة كـ(جعبوب)، و(الكاسر)، و(الرحمانيّ). ويؤدَّى من خلال شخصين فقط خلافًا لفن (الخيب)، كما إنه يمتاز بسرعته حيث يقوم الراقصان بالبدء به من عند (الزانة)، ويتناسقان في رفع خنجريهما أو سيفيهما والدوران حول نفسيهما، والتحرك إلى الأمام ومن ثَمّ الرجوع إلى الخلف ووجهيهما جهة الزانة ويستمر الراقصان هكذا إلى أن يخلفهما راقصان آخران. وفي (البرعة) يقوم المغني بالاستفتاح بكلمات موزونة متموسقة مع دقات الطبول، ويكون الشطر الأول من البيتين الشعريين أطول قليلا من الشطر الثاني. على هذا المثال: [حبل المودة إلهي لا تقطع/ والشمل تجمع لمن له قلب هجّاعي||لله محيي صغير السن يتواضع/ يعطف ويرحم من اللي كبده ساعي](16).

ثم ثنّى لنا الشيخ عيسى الطائي بفن (الهبّوت)، والكلمة مشتقة من الفعل (هَبَّ) الدال على النجدة، و"يتجمع فيه المشاركون (الرجال فقط) على هيئة صفوف متتالية يتقدمها كبار السن والشيوخ والوجهاء، وفي الصفوف الخلفية الشباب وصغار السن، وهم يحملون السيوف والبنادق ويتمنطقون بالخناجر العمانية، ويضم الموكب عددا من الشباب حاملي السيوف الذين يقفزون عاليا؛ وهذه تسمى بـ(الركض). وهو أنواع منه:(زامل العسير- الأكثر حماسيةً وسرعةً)، و(زامل اليساري- متعدد الأوزان الشعرية)، و(زامل إيقاعي حديث- يعتمد على الطبول)، وهناك (هبّوت الخدمة- وتنشده مجموعات صغيرة من المشاركين في البناء أوالسفن أو التحميل أو غرف المياه من الآبار والعيون أو أثناء غعداد الولائم.. وسائر الأعمال التي تتطلب شحذ الهمم والعزائم. وتتعدد أغراض فن الهبّوت ما بين الفخر والترحيب والحكمة والمصالحة والوساطة والمدح.. إلخ. ويعتمد فن الهبوت على عناصر متعددة مثل (اللفظ والمعنى واللحن) أثناء مسيرة الموكب؛ حيث تنتظم حركة الأرجل مع الإيقاعات السريعة"(17).

و(فن الهبوت) "يُشبه (فن الرزحة) في شمال عُمان؛ لكنه في (ظفار) يختلف عنه في الكلمات واللحن والإيقاع. وتعتبر أشعار (فن الهبّوت) تعبيرًا صادقًا عن أنماط الحياة في الحراك الاجتماعي والاقتصادي؛ فشاعر الهبوت هو الناطق بلسان الجماعة. وفي مرباط يوجد نوعان من (فن الهبّوت) هما: (هبّوت المدن)، و(هبّوت الريف) الذي يسمى باللغة المحليّة (إشْحير) وفيه تقوم الصفوف الأولى من المشاركين بترديد البيت الأول بألحان تختلف من فترة زمنية لأخرى، وبلازمة محددة دون استخدام أي نوع من الآلات الموسيقية، ثم تقوم الصفوف المتأخرة بترديد البيت الثاني من القصيدة ونفس اللحن. ومما يميز هذا الفن انه يُكتب باللهجة العامية العربية لا باللغة الشحرية. ومن أمثلته: [سمحان عين الكرم والراس عالي/ حاشا ينطوي تحت المهونة||وانت يا ابن الوطن لا تبيع غالي/ الأرض تبقى لمن يحمي حصونه](18)

توافق الطائيّ وبرترام توماس

يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(وَمِنْ عَوَائِدِهِمْ أَيْضًا أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ هُوَ الَّذِيْ يَتَوَلَّى خِدْمَةَ الْبَيْتِ مِنْ (تَكْنِيْسٍ) و(حَلْبِ بَقَرِ) و(طَبْخِ طَعَامٍ)، وَغْيُرُ ذَلِكَ)].

فقول شيخنا الطائيّ: [(الرَّجُلَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى خِدْمَةَ الْبَيْتِ)]، تأكيد على أنّ قيام الرجل الظفاريّ بالأعمال المنزلية تقليد ظَفاريَ محضٌ وخَصيصة محمودة في أهل ظَفار؛ استعمل شيخنا الطائيّ ثلاثة أدوات للتعريف أوردها متلاصقة ومتتالية هي: [(ال+الرجل)] وهو حَرْفُ تَعْرِيفٍ وَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ وَصْلٍ وَكَانَتْ فِي الأَصْلِ هَمْزَةَ قَطْعٍ وَتَحَوَّلَتْ بِكَثْرَةِ الاسْتِعْمَالِ، و[(هو)] ضمير الرَفْع المُنْفصل للغائب المُفرد المُذكّر و[(الذي)]الاسْم المَوْصول للمذكَّر المُفْرَد وقد صِيغ ليُتوصَّل به إلى وَصْف المَعارِف بالجُمَل. وهذه الخصيصة الاجتماعية في ظفار ذَكَرَها أيضا برترام توماس على هيئة الصورة والتوصيف الذي أورده الطائيّ، فقال في كتابه (البلاد السعيدة): "إن المرأة في هذه المنطقة تعمل في ظل نوعين من المحرمات؛ فلا يُباح لها حلب الماشية، كما لا يباح لها أن تطهو الطعام؛ فهذه الأشياء تُعدُّ من الأعمال المخصصة للرجل وحده ويقتصر عمل المرأة على الرعي، ورعاية الماشية وجمع الحطب، وجلب الماء إلى جانب صناعة الأواني وجمع التبن، وعمل حشيات منه للنوم، أمّا وظيفتها الأساسية فهي الإنجاب فحسبُ"(19)

خدمة الظفاري لأهل بيته سُنّة نبويّة

أمّا المعنى الذي قصده الشيخ عيسى الطائيّ في قوله: [(الرَّجُلَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى خِدْمَةَ الْبَيْتِ)]؛ فهو معنى شرعيّ إسلاميّ خاصٌّ، ومعناه: أنّ من سمات الرجولة والقوامة أن يكون الرجل في (مِهْنَةِ أَهْلِهِ) ، وفيه انصياعٌ للسنة النبويّة، والمتابعة على الهدي المحمديّ في شؤون الحياة الزوجيّة، وشاهده الشرعيّ ما "حَدَّثَ به مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ: عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يصنع في البيت؟ قالت: كان يكون فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، فَإِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ خَرَجَ"(20). والـ[(تَكْنِيْسٍ)]، معناه:(التنظيف وإماطة القمامة) وهو مشتق من (الكَنْس)؛ وأصله ثلاثي (كَنَسَ) على وزن (فَعَلَ)؛ ولكنّ الشيخ عيسى الطائي نحت منه مصطلح [(تَكْنِيْسٍ)]، على وزن (تفعيل) لإفادة المبالغة، و"تَكْنيسُ البَيْتِ": كَسْحُهُ، كَنْسُ أَوْساخِهِ وَتُرابِهِ بِالمِكْنَسَةِ.

وقيام الرجل الظفاريّ بالأعمال المنزليّة مشاركةً منه لزوجته سُنّة شرعيّة، وهي أولى من استئجار الخادم؛ فقد جاء في شرح صحيح البخاري لابن بطال: "منَ السُّنَّة أن يمتهن الإنسان نفسه في بيته فيما يحتاج إليه من أمر دنياه وما يعينه على دينه"، وقال السندي في حاشيته على صحيح البخارى:"إن خدمة الدار وأهلها سنّة عباد الله الصالحين". ودليلها"حَدَّثَ به مسدد قال: حدثنا يحيى، عن شعبة قال: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ، عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى: حَدَّثَنَا علي:أَنَّ فَاطِمَةَ أَتَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى في يدها من الرحى، وبلغه أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ، فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، قَالَ: (فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا،فَذَهَبْنَا نَقُومُ، فَقَالَ:(عَلَى مَكَانِكُمَا).فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي، فَقَالَ:(أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا، أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا، فَسَبِّحَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، فَهُوَ خير لكما من خادم"(21).

عائلة اللغات السامية في ظفار

يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(وَعِنْدَهُمْ لُغَةٌ تُشْبِهُ (لُغَةَ أَهْلِ سُقْطَرَةَ)، وَلَعَلَّ هَذِهِ الُّلغَةُ سَرَتْ إِلَيْهِمْ مِنَ (الْأَعْرَابِ أَهْلِ الْجَبَلَ)]

وفي قول شيخنا عيسى الطائي: [(وَعِنْدَهُمْ لُغَةٌ تُشْبِهُ (لُغَةَ أَهْلِ سُقْطَرَةَ)] فيه تخصيص، وإشارة إلى فرع حيويّ من اللغات السامية في ولاية ظفار والذي يجمع ما بين (اللغة العربيّة القديمة- لغة قوم عاد) ومتفرّعاتها من الشحرية والمهريّة والسقطرية، والحضرمية، والحبشية واللهجات (الأمهرية والجعزية والتيجرية)، وما تَضمه هذه العائلة اللغوية من مشتركات صوتية وتشكيلات حروفية، وتوافقات ما بين الأبجديات المستعملة نطقًا وكتابةً ومشتركات لفظية واقترابها كثيرا من العربية الجنوبية بسائر لهجاتها وخاصة (القتبانية) و(المعينية)"(22)، و"هذه المنطقة احتفظت بثروة لغوية قديمة تمثلت في اللغة (الشحريّة)، ولم تكن هذه اللغة محصورة في منطقة واحدة من ظفار. وقد أشار علي محسن آل حفيظ في كتابه "لهجات مهرة وآدابها" (ص: 10- 16) إلى أنّ اللغة الشحرية لغة قديمة قِدَمَ الإنسان العربيّ الذي نشأ في جنوب شبه الجزيرة العربية، وهي متداولة بين قطاع كبير من السكان في كل من (ظَفار) و(المهرة) و(جزيرة سقطرة)، وإنّ اللغة المهريّة هي فرعٌ من اللغة الشحرية"(23)

الرجل الظفاريّ ابن بيئته

يقول الشَّيخُ القاضِي عِيَسى الطَّائِيُّ: [(لِأّنَّ أَهْلَ الْجَبَلِ حُفَاةٌ جُفَاةٌ، لَايَتَكَلَّمُوْنَ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَغَالِبُهُمْ لَا يَفْهَمُ شَيْئًا مِنَ الْعَرَبِيَّةِ، بَلْ نَحْتَاجُ فِي خِطَابِه إِلَى (تُرْجَمَانٍ)، وَهَذِهِ الُّلغَةُ صَعْبَةٌ جِدًّا تُشْبِهُ نَعِيْقَ الطَّيْرِ)].

وفي قول شيخنا الطائيّ: [(أَهْلَ الْجَبَلِ حُفَاةٌ جُفَاةٌ، لَايَتَكَلَّمُوْنَ بِالْعَرَبِيَّةِ)]، إشارة إلى قول ابن خلدون:(الإنسان ابن بيئته)؛ حيث إنّ البيئة الجبلية في ظفار (رَعويّة) تشبه إلى حدِّ كبير الطبيعة الغاباويّة في أفريقيا، وبلاد آسيا، ومتقلبة المُناخ وليست ثلجيّة باردة، فلم تكن تقتضي إلزام ساكنيها بارتداء الأحذية في الأزمان الغابرة، بل كانت تُعتبر الأحذية مُعيقة للإنجاز في النشاط الزراعيّ والرعويّ؛ لذا كان أهل الجبل في ظَفار (حُفَاةٌ). و(الحَفَاء) من سُنن الفطرة التي هجرها الناس، وقد ورد في الحديث النبويّ"كانتِ الأنبياءُ يَدخلونَ الحرمَ مُشاةً حُفاةً ويطوفونَ بالبيتِ ويقضونَ المناسكَ حُفاةً مُشاةً"(24). أمّا قول شيخنا عيسى الطائيّ (جُفَاةٌ) ففيه دلالة على مدى التأثير الذي تطبعه الجبال على ساكنيها وما تتطلبه الحياة فيها من صلابة وقسوة وخوشنة، وفي الحديث النبويّ"انتضِلوا واخشوشِنوا وامشوا حفاةً"(25)

أمّا قول شيخنا الطائيّ: [(بَلْ نَحْتَاجُ فِي خِطَابِه إِلَى (تُرْجَمَانٍ)] تقرير لما سبق، وتأكيد على صعوبة التواصل والتفاهم بين الناطقين باللغة الشحريّة والمتحدثين باللسان العربيّ؛ رغم أن اللغتين من عائلة لغوية واحدة هي السامية مما يستوجب الاستعانة بـ(تُرْجَمَانٍ)]؛ ليفسّر مفردات الخطاب، ويوضح المقصود من الكلام، وشاهده في الحديث النبويّ:(ما مِنكُم مِن أحَدٍ إلَّا وسَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ يَومَ القِيامَةِ، ليسَ بيْنَ اللَّهِ وبيْنَهُ (تُرْجُمانٌ)، ثُمَّ يَنْظُرُ فلا يَرَى شيئًا قُدّامَهُ، ثُمَّ يَنْظُرُ بيْنَ يَدَيْهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ، فَمَنِ اسْتَطاعَ مِنكُم أنْ يَتَّقِيَ النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ(26))

سِرُّ صعوبة اللغة الشِّحريّة

وقول شيخنا الطائيّ: [(وَهَذِهِ الُّلغَةُ صَعْبَةٌ جِدًّا تُشْبِهُ نَعِيْقَ الطَّيْرِ)]، فيه إشارة إلى طبيعة اللغة الشحريّة التي تشارف على الأفول والانقراض، لعدم الاهتمام بحصر وتوثيق مفرداتها، ولعلّ مرجع صعوبة فهمها أو التواصل عبرها كوسيط تواصليّ على غير الناطقين بها يعود إلى طبيعة تكوين أصواتها والتي تنقسم إلى (أصوات أساسية/ فونيمات)، و(أصوات ثانوية/ ألوفونات) المخالفة للنطق العربي الفصيح، ووِفْقَ تعبير إسماعيل عمايرة في كتابه: "دراسات لغوية مقارنة" (ص:106)، فأكثر ما يضايق الناس في لغات لم يمارسوها، تلك الأصوات التي يسمعونها من أبناء تلك اللغات، وهي لا تتوفر في لغاتهم، و"هذا يجعل العربيّ المستمع إلى المتحدثين باللغة الشحريّة حائرًا، لا يفهم ما يُقال حوله، وإن حداه الفضول ليسأل، فقد يقول: أتتحدثون العِبْريّة أم الهِنديّة؟! لِفَرط البُعد في بعض الأصوات التي يسمعها، إضافةً إلى سرعة الحديث المعهودة لدى المتحدثين باللغة الشحرية؛ وذلك جرَّاء النَّبْر العالي المميز للغة الشحرية خاصةً في النبر الصاعد- ويتأكد هذا الرأي- إذا تعرّفنا على أهم الأصوات في اللغة الشحريّة المخالفة للنطق العربيّ، ولا وجودَ لها في اللغة العربية؛ فهي قسمان: أمّا القسم الأول، ويسمى بـ(الأصوات الأساسية/ الفونيمات)، وهي:<الشين الجانبية (ڜ:Ś)، والصاد الاحتكاكيّة (ص:S)، والضاد الجانبية (ض: d)، والقاف القديمة (ڨ: K)>. وأمّا القسم الثاني، ويسمى (الأصوات الثانوية/ الألوفونات)، وهي: السين المدموجة (ڛ: Ṧ)، والصاد الاحتكاكية المفخّة الثقيلة (ڝ: ϛ)، والزاي: حين تُنطق مفخّمة ثقيلة (ژ:Ž)، واللام الجانبية الثقيلة (ݿ:Ľ)، فضلا عن (النون)، و(الميم) الأنفيتين الغاريتين"(27)

النّبر في الشحريّة يشبه "نَعْق الطير"

وقوله: [(تُشْبِهُ نَعِيْقَ الطَّيْرِ)]، وصفٌ خلعه الشيخ عيسى الطائيّ على اللغة الشحريّة، وتوصيفٌ لعملية (النبّر العالي والصَّاعد) التي تصدر من الناطقين بها أثناء الحديث، وهو في حقيقته دالٌ على صعوبة فهم مفرداتها ناجم عن صعوبة التمييز بين أصواتها. و(النَّعق) معناه على وجهين، الأول: مأخوذٌ من قول العرب: نَعَقَ الراعي بصوته، أيْ صاح على الشِّاء والإبل ونحوها زجْرًا بصوتٍ لايُفهمُ معناه، ويرى ابن منظور في لسان العرب أنه الأصحّ. ومنه قول الله تعالى:{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء}(28)، وشاهده في الحديث: (حدثنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه، أنبأ عبيد بن شريك البزار، حدَّثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، حدَّثنا الليث بن سعد، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، قال: "إن آخر من يحشر راعيان من مزينة، يريدان المدينة، (ينعقان) بغنمهما، فيجدانها وُحوشًا حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرَّا على وجوههما"(29). والوجه الثاني: ويتوهم الكثيرُ من المشتغلين باللغة أنّه الأشهر، وهو الذي أخذ به شيخنا الطائيّ: (فيُقال في الغراب (نَعَقَ/ نعيقًا)، وشاهده في قول المفضّل بن معشر النُّكْريّ: [تَرَكْنَا الْعُرْجَ عَاكِفَةً عَلَيْهِمْ/ وَلِلْغِرْبَانِ مِنْ شِبْعٍ (نَعِيْقُ)(30)].

=====

يُتبع....

المصادر والمراجع:

([01]) كتاب الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني (ت، 356هـ)، تحقيق: إحسان عباس وآخرين، دار صادر، بيروت، ط3، 2008م، 17/ 180

([02]) تاريخ حضرموت السياسي، صلاح البكري، ج1، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، 1956م، ص: 27

([03]) الحضارم في شرق أفريقيا، د. سعد الله الجابري، ط1، 2011م، دار حضرموت للدراسات والنشر، المكلا، اليمن، ص ص: 48، 49

([04]) ديوان امريء القيس بن حُجْرٍ الكِنْدِيّ، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، ط5، 1990م، ص: 118

([05]) كتاب بلاغات النساء وطرائف كلامهن وملح نوادرهن وأخبار ذوات الرأي منهن وأشعارهن في الجاهلية وصدر الإسلام، ابن طيفور البغداديّ(ت، 280هـ)، تحقيق: أحمد الألفي، مطبعة مدرسة والدة عباس الأول، القاهرة، 1908م، ص: 1444

([06]) نسب مَعَدّ واليمن الكبير، ابن الكلبي(ت، 204هـ)، تحقيق: ناجي حسن، عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية، بيروت، ط1، 1988م، 2/ 589

([07]) أداء بعض أنماط الموسيقى التقليدية العمانية الرزحة والرواح، مسلم بن أحمد الكثيري، مجلة نزوى الفصلية، العدد: 12 أكتوبر 1997م

([08]) مدينة صور العمانية الماضي والحاضر والثقافة، د. أحمد الجوارنة، مستودع المكتبة الشاملة، 2003م، ص: 61

([09]) كتاب بلاغات النساء، ص: 109

([10]) ديوان ابن مقبل، تحقيق: عزة حسن، دار الشرق العربيّ، بيروت – حلب، 1995م، ص: 66

([11]) ديوان أبي طالب بن عبد المطلب، صِنعة أبي هفَّان (ت، 257هـ)، وعليّ بن حمزة البصريّ (ت 375هـ)، تحقيق: محمد حسن آل ياسين، دار ومكتبة الهلال، بيروت، ط1، 2000م، ص: 109

([12]) مسند الإمام أحمد ابن حنبل (ت، 241هـ)، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وآخرون، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 2001م، 45/ 338، رقم الحديث: 27349

([13]) سُنَن الحافظ أبي عبد الله بن يزيد القزوينيّ ابن ماجه(ت، 273هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكُتب العربية، د.ت. 2/ 860، حديث رقم: 2577

([14]) شعر همدان وأخبارها في الجاهلية والإسلام، جمع وتحقيق: حسن عيسى أبو ياسين، دار العلوم، الرياض، ط1، 1983م، ص: 261

([15]) مجمع الأمثال، أبو الفضل الميداني (ت، 158هـ)، تحقيق: محيي الدين عبد الحميد، دار المعرفة، بيروت، لبنان، 2/ 402

([16]) الموروث الشعبي لولاية مرباط، د. أحمد بن عبد الرحمن بن سالم بالخير، ندوة مرباط عبر التاريخ، ط1، الناشر: المنتدى الأدبيّ، 2012م، ص: 401

([17]) الأعراف والعادات الاجتماعية والثقافية في ظفار، سعيد المعشني، مطابع ظفار الوطنية، صلالة ، سلطنة عُمان، 2003م، ص ص: 228، 229

([18]) الموروث الشعبي لولاية مرباط، ص ص: 380، 381

([19]) البلاد السعيدة، برترام توماس، ترجمة: محمد أمين عبد الله، ط1، وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، ص: 137

([20]) صحيح البخاري، بَاب: خِدْمَةِ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ، 5/ 2052 أو رقم: ٦٤٤

([21]) صحيح البخاري، بَاب: عَمَلِ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا، 5/ 2051، رقم: ٢٩٤٥

([22]) لمزيد من المعلومات يرجى مطالعة هذين الكتابين: (1) فقه اللغات السامية، بروكلمان، كارل، ترجمة: رمضان عبدالتواب، منشورات جامعة الرياض 1977م. (2) قواعد اللغات السامية، عبدالتواب، رمضان، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط2، 1983م.

([23]) لغة عاد، علي أحمد الشحري، ط1، مركز زايد للتراث والتاريخ، العين، الإمارات، 2000م، ص ص: 16، 17

([24]) الراوي: عبدالله بن أبي حدرد، المُحَدِّث: ابن كثير، المصدر: جامع المسانيد والسنن، حديث رقم : 6261

([25]) الراوي: عبدالله بن أبي حدرد، المحدث: الهيثمي، المصدر: مجمع الزوائد، صفحة أو رقم الحديث : 5/ 139

([26]) الراوي: عدي بن حاتم الطائي، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخار، الصفحة أو رقم الحديث: 6539، خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

([27]) اللغة الشحرية وعلاقتها باللغة العربية، سالم بن سهيل الشحري، رسالة ماجستير، جامعة اليرموك، كلية الآداب، قسم اللغة العربية، ص ص: 131، 132

([28]) سورة البقرة، الآية:171

([29]) المستدرك على الصحيحين، الحاكم - أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، ج5/ 782، رقم: 8733، حديث صحيح على شرط الشيخين

([30]) كتاب البُرصان والعُرجان والحولان، الجاحظ (ت، 200هـ)، تحقيق وشرح: عبد السلام هارون، دار الجيل، بيروت، ط1، 1990م، ص: 250

الأكثر قراءة