السنوار.. أيقونة الطوفان

 

محمد بن رامس الرواس

"الآن جاء الموعد يا أُمّاه، فلقد رأيتُ نفسي أقتحم عليهم مواقعهم، أقتلهم كالنعاج ثم أستشهد. ورأيتني بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم، وهو يهتف بي مرحى بك، مرحى بك!" من رواية "الشوك والقرنفل" للشهيد يحيى السنوار.

التحمت مجموعة من فصائل "كتائب عز الدين القسام" في تل السلطان برفح جنوب قطاع غزة بالكتيبة 99 من جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث كانت المعارك مُشتعلة ولم يدُر في خلد الجنود الإسرائيليين لبُرهة، أن يحيى السنوار هو ذلك الرجل الذي كان يُقاتلهم مع رفاقه، وهو الذي  ألقى عليهم القنابل، ثم تلثّم ليُخفي شخصيته، ولمَّا نفدت منه الذخائر أخذ العصا بيده وقذفها باتجاه الطائرة المُسيَّرة التي دخلت المبنى، للتأكُّد من عدد المُقاتلين الذين لا يزالون مُتحصِّنين. وعلى إثر ذلك، استُدعِيت دبابة إسرائيلية خصيصًا لتقذف المبنى، بينما كان السنوار ورفاقه يقاتلون جيش الاحتلال الإسرائيلي من "المسافة صفر"، وهو يرتدي زيه العسكرية مُقبلا غير مدبر، ليدحض بذلك كل ما قيل عن أنه يختبئ في الأنفاق وأنه يحتمي بالأسرى، وما إلى ذلك من أكاذيب وأضاليل لا أساس لها من الصحة.

وبعد أن قذفت الدبابة قنابلها وتحطم المبنى، اكتشف الجيش الإسرائيلي بعدها بالصدفة المحضة أنَّ القائد يحيى السنوار كان من بين الذين استشهدوا في هذه المعركة، وأنَّه مع من كانوا يقاتلونهم، وهو من ألقى عليهم القنابل، وكانت مُفاجأة لهم؛ حيث كانوا يخططون لاغتياله لكن في مكان آخر!

لم يتسنَ لجيش الاحتلال الإسرائيلي ولا لرئيس وزرائه أن يزيفوا قصة خيالية ينسبون فيها بطولة لهم، أو أنهم نفذوا عملية مُعقدة لاستهداف السنوار، فقد نشر جنود الاحتلال الصور وانتشرت شرقًا وغربًا. رحم الله أبا إبراهيم، فقد أتعبهم وأرهقهم بصموده وشموخه حيًا وميتًا، كان رجلًا مجاهدًا فوق الأرض، ولم يكن مُختبئًا كما كانوا ينشرون الشائعات، ويروجون عنه. لقد عُرِض عليه الكثير من الفرص والمُغريات خلال المفاوضات، لكنه أبى إلّا الحصول على الجائزة الكبرى التي كان يسأل الله أن ينالها.. إنها الشهادة. ولقد حصل عليها في ميدان المعركة، فجسَّد بذلك أسطورة السنوار التي كانت ولا تزال تؤرق الكيان الإسرائيلي، لكن هذا الكيان لم يتوقع أن يكون السنوار في مُقدمة المقاتلين في خان يونس وفي رفح، وفي كل مكان، منذ السابع من أكتوبر 2023.

هنيئًا لك أبا إبراهيم الشهادة لقد كنت مُتفرِّدًا في كل شيء، حتى في استشهادك، لقد تفرَّدت عن إخوانك القادة الذين سبقوك؛ حيث نلت الشهادة وأنت في ساحة الميدان تُقاتل جنبًا إلى جنب مع إخوانك من مُقاتلي القسام، واقفًا بكل صمود مانعًا جيش الاحتلال الإسرائيلي من الوصول إلى منطقة تل السلطان في رفح.

استشهاد السنوار بطولة يُجسِّدها كل مقاوم فلسطيني حيثما كان في فلسطين، فقد ضرب السنوار أفضل الأمثال في ذلك.

وللحديث بقية...