اختيار المواد الدراسية

 

محمد بن حمد البادي **

Mohd.albadi1@moe.om

ما تزال سلطنة عُمان تسعى جاهدة نحو بلوغ دورها الريادي الذي تطمح إليه في الاقتصاد العالمي المبنى على العلم والمعرفة؛ لتحقق احدى أهم مرتكزات رؤية "عُمان 2040" في أن تصبح بيئة مثالية وجاذبة للاستثمار في جميع المجالات ومنها المجال المعرفي؛ وأيضًا لتعزز مكانتها في أن تصبح بيئة داعمة ومحفزة في مجال ريادة الأعمال.

ومن أجل ذلك نجد أن المؤسسات التعليمية في سعي دؤوب لتطوير المنظومة التعليمية بهدف تحسين مستوى السلطنة في تقارير التنافسية العالمية التي تصدر سنويًا عن المنتدى الاقتصادي العالمي، خاصة أن التعليم في السلطنة يعتبر أحد معوقات مناخ الأعمال حسب هذه التقارير.

ويتضح ذلك من خلال ما نراه من جهودٍ حثيثةٍ تقوم بها المؤسسات المعنية بالتعليم باستمرار؛ سواءً كان من قِبَل وزارة التربية والتعليم أو من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، لمراجعة وتحديث سياساتها التربوية والتعليمية، بما يتماشى ومتطلبات كل مرحلة من مراحل التنمية الوطنية، وذلك من خلال إعادة ترتيب أولويات منظومتها التعليمية، وتجديد صياغة أهدافها، وتطوير استراتيجياتها بما ينسجم مع طبيعة المجتمع العُماني، وبما ينبثق من عاداته وتقاليده العربية، وبما يعزز مبادئه وقيمه المستمدة من الشريعة الاسلامية، وبما يتوافق مع اتجاهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية تحقيقًا لمستقبل أفضل للفرد والأسرة والمجتمع.

ومن بين الجوانب التي نرى أنها تحتاج إلى إعادة نظر في الجانب التعليمي كأمرٍ أولٍ نتطرق إليه في هذا المقال؛ ذلك المتعلق بتدريس مواد المهارات الفردية في الصفين الحادي عشر والثاني عشر.

صحيح أن الوضع تغير للأفضل حين تم تقليص اختيار دراسة مواد المهارات الفردية الثلاث (رياضة مدرسية، فنون تشكيلية، مهارات موسيقية)، ليصبح من حق الطالب اختيار مادة واحدة من الثلاث مواد فقط على الأكثر، وهذا أمر منطقي كون أن دراسة هذه المواد مجتمعة ربما يكون على حساب مهاراتٍ وقدراتٍ ضرورية قد يحتاج إليها الطالب مستقبلًا؛ والتي من الممكن أن يكتسبها من خلال دراسة مواد أخرى أكثر أهمية؛ لتساعده على التهيؤ للدراسة في مؤسسات التعليم العالي خصوصًا، أو حين يلتحق بالمسار الوظيفي بعد إنهاء مشواره التعليمي.

لكن مما لا يعد منطقيًا؛ ولا مُستساغًا، أن يكون نصاب كل مادة من مواد المهارات الفردية التي يدرسها الطالب في الصفين الحادي عشر والثاني عشر (خمس حصص في الأسبوع)، وهذا النصاب حسب ما يراه المختصون بتدريس هذه المواد أكثر من اللازم، فكل ما تحتاجه كل مادة  منهاـ حسب محتوى المناهج الحاليةـ حصتان أسبوعيًا، أو ثلاث حصص على أقصى تقدير.

الأمر الثاني؛ حين يتوجه الطالب لاختيار دراسة مادتي التاريخ والجغرافيا في الصفين الحادي عشر والثاني عشر كمواد اختيارية إضافة إلى دراسة مادة الدراسات الاجتماعية الأساسية، ثلاث مواد دراسية في نفس المجال (الدراسات الاجتماعية)، علمًا بأن متطلبات برامج مؤسسات التعليم العالي لا تشترط دراسة هذه المواد الدراسية إلا ما ندر، فماذا عسى هذه المواد بما تحتويه من معارف ومعلومات أن تضيف للطالب من مهارات وقدرات وامكانات يستفيد منها بشكل أساسي في مستقبله الدراسي أو المهني.

ومما يزيد الأمر غرابةً، أن توجهات أكثر من نصف الطلبة دراسة هذه المواد كونها ربما تكون أسهل من المواد العلمية،  كان من المفترض الاكتفاء بدراسة مادة واحدة شاملة، والأقرب لذلك مادة الدراسات الاجتماعية الأساسية، واستغلال فائض الحصص الدراسية من هذه المواد إلى ما هو أجدى وأنفع.

الأمر الثالث: من أجل تطوير مهارات الطلبة في مادة اللغة الانجليزية كونها متطلب أساسي في أغلب مؤسسات التعليم العالي كسنة تأسيسية؛ والتي تشترط تحقيق مستوى عالٍ في اللغة الانجليزية للالتحاق بالتخصص الرئيسي؛ ومن أجل تقليص الفجوة بين مخرجات التعليم العام والتعليم العالي؛ يجب إعادة النظر في وضع مادة مهارات اللغة الانجليزية لتصبح مادة أساسية يلتزم الطلبة بدراستها في الصفين الحادي عشر والثاني عشر؛ إلى جانب مادة اللغة الانجليزية الأساسية من أجل رفع مستواهم في هذا الجانب والذي ربما يساعدهم على تخطي السنة التأسيسية في مؤسسات التعليم العالي وبالتالي كسب سنة تعليمية وتوفير الوقت والجهد وتكاليف تدريس الطلبة خلال السنة التأسيسية في مؤسسات التعليم العالي.

إنَّ الوضع العالمي الراهن يحتم علينا تطوير المنظومة التعليمية من خلال الاستمرار في تقييم سياستنا التعليمية جذريًا بكل وضوح، وبالأخص في جميع جوانب العملية التعليمية والتربوية في التعليم العام؛ سواءً كان بتطوير المناهج الدراسية أو القياس والتقويم أو أساليب التدريس أو الخطة الدراسية بما يتكامل مع مؤسسات التعليم العالي التي بدورها يقع على عاتقها الاهتمام بالطلبة تعليمًا وتدريبًا وتأهيلًا؛ ناهيك عن تنمية مهارات المستقبل لديهم وصقلها بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل واحتياجاته المستقبلية وتطوير المهارات الأساسية التي تكون شرطًا للالتحاق بالوظائف والمهن المختلفة من أجل تحقيق أهداف التنمية المُستدامة.

** أخصائي توجيه مهني