سعيدة بنت أحمد البرعمية
شاطئ الفزايح واحد من أجمل الشواطئ البكر في ولاية رخيوت بمحافظة ظفار غرب مدينة صلالة، لا يبتعد كثيرًا عن شاطئ المغسيل، ظلّ هذا المكان على مرّ السنوات الماضية وإلى يومنا بعيدا عن عناية المعنيين وهذا على ما يبدو سبب افتقاره إلى أبسط الخدمات وأقلها؛ حيث إنه لم يحظ بشق طريق مُعبَّد ولا إنارة لتسهيل وصول الزائر؛ فالقاصد للفزايح يتكبد عناء الطريق الانزلاقي الوعر المنحني ويتعرّج من خلاله إلى أن يصل إلى رمال الشاطئ، هذا مع الغياب التام لكافة الخدمات التي من الممكن أن يتصور الزائر وجودها في الشواطئ حتى المظلات.
يزخر الشاطئ بالكثير من المقومات السياحية الطبيعية الفريدة التي تميزه عن بقية الشواطئ فهو يقع في مساحة التقاطع بين الجبل والبحر، يتميز بجماله الآسر وصخوره الرسوبية ذات الأشكال والأحجام المختلفة المتناثرة بطريقة عشوائية مذهلة ما بين البحر والشاطئ لتمتد إلى سفوح جبل عقبة أقيشان المحاذية للشاطئ، ورماله الفضية وإطلالاته الطبيعية كشرفات منحوتة بطرق متباينة تُشرِف من جهات مختلفة على البحر والجبل في آن واحد لتتولى الأمواج عزف معزوفة الجمال أمامها.
ما يُميّز شاطئ الفزايح عن غيره من شواطئ المحافظة هو طبيعة المكان وميزته فهو ليس شاطئا فحسب كبقية الشواطئ؛ إنما استحواذه على مجموعة أخاذة من مختلف مقومات السياحة كالكهوف الصغيرة التي من الممكن أن تخدم المكان باستغلالها بطرق مبتكرة، والإطلالات والنوافذ الطبيعية المغلقة والمفتوحة، وجمال الصخور المتباينة، ولون الرمال الفضية، والسفوح الجبلية والهضاب ما بين الجبل والبحر، بالإضافة إلى الأمواج الثائرة على زرقة البحر والمتسابقة ليل نهار لمصافحة الصخور، إضافة للغطاء النباتي المميز كبعض أشجار العود واللبان وغيرها، والشواهد التاريخية حيث إن المكان قديمًا كان مرفأ مريحاً وفيه ثلاثة أبراج للمراقبة في حقبة تاريخية مُعينة، أحد هذه الأبراج على أكبر صخرة في المكان وهذا ما أكسب الفزايح خاصية فريدة في الجمال الطبيعي المتعدد.
وللغروب في الفزايح حكاية أخرى لا يفهمها سوى مطاردو أذيال الغروب؛ فعندما تقترب الشمس من الجبال لتتوارى خلفها تبدو وكأنها حسناء حزينة تعتزم الرحيل تمشي الهوينا على قمة الجبل مسدلة أذيال ثوبها الطويل الفضفاض المطرّز بالذهب والعقيق فوق مياه البحر المتناغمة والمتلألئة مع زهو ألوانه، تجرّه ببطء لتختفي وتختفي أذيالها خلفها بعد حين.
لا شك أنّ الفزائج واجهة سياحية واعدة لا تزال خارج دائرة الضوء كان من الممكن لو أُحسِن استغلالها ووُجه لها العناية الكافية في مرحلة سابقة؛ لكانت الآن بالتأكيد إحدى أهم وأجمل الوجهات السياحية في السلطنة، إلّا أنه وبالرغم من عدم وجود الخدمات والمرافق الصحية وأماكن الجلوس ووعورة الطريق الترابي، نرى المواطن والمقيم والسائح يوصلهم شغفهم بالجمال للفزايح نهارًا؛ حيث إن أغلب من يزور المكان يغادره قبل أو أثناء الغروب نظرا لحال الطريق وغياب الإنارة؛ لذا أتمنى أن أرى مشروعًا سياحيًا مختلفًا، يحتوي بجدية وطنية مقومات هذا المكان ويحيط عنايته بكل تفاصيله مع المحافظة على خصوصيته، ليواكب الحضارة وينعش السياحة؛ فالحفاظ على خصوصية مقوماته كلّ واحدة منها على حدة هو ما سيُساعد في نجاح المشروع ويرقى به ليُحقق بعضًا ممّا نطمح إليه بحلول عام 2040.
إنَّ وجود مثل هذه المقومات مجتمعة في مكان واحد، كالسهل الممتنع تمامًا إن لم يتم استغلالها بشكل يُطوّع مقوماته للاستثمار الأمثل، فهذا المكان قابل لأن يكون مشروعًا سياحيًا متكاملًا؛ شريطة أن يحظى بالتخطيط المناسب مع المُحافظة على طبيعته المميزة؛ فالمزيج الطبيعي والتاريخي والأثري المختلف والمثير في كينونته، وعناصر الجمال المختلفة على أوجه متعددة هو السرّ الكامن في ميزته، ولا بأس بإشراك الشباب والاستفادة من أفكارهم في التخطيط والآراء.