د. خالد بن علي الخوالدي
قيل إنَّ المعجزات تتنزل على الأنبياء والرُسل، والحقيقة أنَّ المولى سبحانه جعل مُعجزته للإنسانية مُستمرة متى ما التزم هذا الإنسان بالنهج الرباني الصادق، وما يسطره جنود الله في غزة العزة يُعتبر إحدى معجزات القرن الـ21، هذه الفئة القليلة والضعيفة في السلاح والعدة والقوية بتمكين المولى سبحانه أثبتت للعالم الوعد الرباني "كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ" وقوله سبحانه "وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ" والله غالب على أمره ولكن أكثر النَّاس لا يعلمون.
لم يكن أحد يتخيل حتى أكثر المتفائلين بأن تقف المقاومة في غزة صامدة طوال عام كامل في وجه العدوان الغاشم والمتعجرف والوحشي من الكيان الصهيوني المدعوم من القوى الكبرى في العالم، الكيان الذي استخدم كل الأسلحة والعتاد الحربي، فدمَّر كل شيء أمامه ولم يسلم من عدوانه البشر والشجر والحجر والدواب، الكيان الذي تجرع الويلات منذ عام كامل بداية من طوفان الأقصى في 7 أكتوبر إلى يومنا هذا، وفعلت خيرا قوى المُقاومة في اليمن والعراق ولبنان لدعم هؤلاء الرجال الأبطال، ليجرعوا العدو الغاصب من نفس الكأس الذي يسكبه على إخواننا الأعزاء في غزة الكرامة والرجولة والعزة.
ما فعلته المُقاومة في غزة يُعد من وجهة نظري المتواضعة بمثابة معجزة القرن 21؛ حيث حطم المجاهدون الصابرون في غزة، الوهم الذي عشش في عقول الملايين من العرب والمسلمين والعالم بأكمله بأنَّ الكيان المحتل "الجيش الذي لا يُقهر"، وأكدوا للعالم بأكمله أن قوة الله هي الغالبة، وبأن الله ناصر عباده المخلصين والصابرين والصادقين، ويحق لنا نحن العرب والمسلمين أن نفاخر ونعتز ونرفع رؤوسنا عالية لهذا النصر المبين.
نعم.. إنه نصر بكل المقاييس العالمية؛ فالكيان المحتل والغاصب سخَّر كل الإمكانيات العسكرية المتطورة تقنيا وعلميا وفنيا للقضاء على عدة آلاف من الرجال البواسل، فلم تتمكن هذه القوة إلا من قتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال ثم عندما شعرت بالهزيمة النكراء بدأت في الاغتيالات لتسجيل نصر وهمي وتخويف الآمنين، ولا توجد مقارنة بين القدرات العسكرية واللوجستية والفنية لقوات العدو مقابل ما يوجد بيد المقاومة التي تواجه حصارا اقتصاديا وتجاريا وعسكريا منذ سنوات، لهذا نقول "كفو ومليون كفو" لأبطال المُقاومة.
وفي الذكرى الأولى لطوفان الأقصى، نشد على يد المقاومة ونُبارك لهم جهادهم العظيم، وندعو الله بالرحمة والمغفرة للشهداء وللمصابين بالشفاء العاجل، وندعو الدول العربية والإسلامية للوقوف مع إخواننا في غزة العزة والكرامة ودعمهم بكل ما يملكون من مال وسلاح وعتاد، وعلى الجميع أن يدرك تمام الإدراك بأن عملًا بسيطًا كالمقاطعة الصادقة والحقيقية يجعل دول العدوان الداعمة لهذا الكيان الصهيوني الغاصب في موقف صعب، فهذه الدول لن تكف عن دعم المحتلين إلّا إذا تمَّ ضرب اقتصادهم، كما ندعو الجميع إلى استمرار الدعاء؛ لأنه أحد الأسباب التي صنعت من صمود المقاومين في غزة وجعلته أحد معجزات القرن الـ21.
ودمتم ودامت عُمان بخير.