د. أحمد بن علي العمري
اتفقت كل من فرنسا وبريطانيا في مطلع القرن الماضي على بنود تفاهم سري عُرف باسم "سايكس بيكو" دون علم الدول العربية؛ حيث نفذت الدولتان هذا التفاهم من خلال تقسيم الأراضي العربية إلى مناطق نفوذ وذلك عام 1916، وفي العام التالي 1917 أُطلق "وعد بلفور" المعروف، بأنه "وعد من لا يملك لمن لا يستحق"، ومن هنا بدأت الشرارة مع تكوين الكيان الصهيوني الغاشم الذي حدَّد أطماعه واتجاهاته منذ البداية تحت شعار "من النيل إلى الفرات"!
وفي هذه النقطة بدأ التشرذم والتشتت والانقسام، بتقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ، ليس في العالم العربي وحده؛ بل وفي العالم الإسلامي بأكمله، علمًا بأنَّه حسب الدراسة التي أجريت في عام 2023، فإنَّ تعداد المسلمين بلغ 2 مليار نسمة ويشكلون حوالي 25 بالمئة من سكان العالم، ولو اجتمع هذا العدد وتآلف وتكامل لأصبح قوة ضاربة في العالم بأسره، ولاستطاع أن يصنع غذاءه وسلاحه ودواءه، ولأضحى مهابة في العالم يحسب لها الجميع ألف حساب ويهابها الأعداء ويحترمها الأصدقاء، على قاعدة لا تتبدل ولا تتحول وهي "لا إله إلا الله مُحمَّدًا رسول الله".
والدول الأوروبية على الرغم من اختلاف لغاتها واختلاف ثقافاتها واختلاف مذاهبها، إلا أنهم كونوا الاتحاد الأوروبي، والكل فيهم يحترم الآخر دون محاولة للهيمنة من الدول الكبرى عندهم على الدول الأصغر حجماً أو اقتصادا ولديهم دفاع مشترك من خلال الناتو ولديهم عملة موحدة في كثير من دول الاتحاد وهي عملة اليورو، وحدودهم مفتوحة على بعض بكل سلاسة وحرية في التنقل.
فمتى نرى العالم الإسلامي يتحرر من الخلافات المذهبية والطائفية ويتخلص من الخلافات الفردية؛ بل ومن الحروب؟
لقد وصلت الأمور بنا إلى أن أبناء الشعب الواحد في الدولة الواحدة يتحاربون ويتقاتلون والشواهد كثيرة.
هنا بدأ الكيان الصهيوني الغاصب يلعب على أوتار التشتت والانقسام واستغلال الفرص والاستفاده من المشاكل والحروب الفردية بين الدول العربية والإسلامية للاستفراد بنا واحدا واحدا. فرمى باتفاقية أوسلو عرض الحائط وأهمل اتفاقية كامب ديفيد وتناسى كذلك اتفاقية وادي عربة ولم يقبل المبادرة العربية المعروضة عليه منذ سنوات، وبدأ ينهش في جسم الأمة خطوة خطوة؛ وبدأ من الأصغر إلى الأكبر، مدعوما بالولايات المتحدة الأمريكية، التي تزوده بالذخيرة والسلاح وكل المقومات، وكذلك أوروبا، والمصيبة أنَّ هذه الدول تردد مقولة "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها" حتى وصلت بها الأمور إلى تسمية من يعتدي بأنه يدافع عن نفسه، في حين أن من يدافع عن نفسه وأرضه وشعبه وهم الفلسطينيون يسمونهم وبمنطوقهم "معتدين" و"إرهابيين"، وللأسف ونتيجة للإعلام العالمي الذي يملكونه ويسيطرون من خلاله على العالم أن هناك من أبناء جلدتنا من النشاز بدأوا يصدقونهم ويرددون مقولتهم دون تفكير أو تمعن أو حساب للمنطق والواقع. لقد هرول بعض العرب للأسف إلى التطبيع المجاني بدون سبب وبدون الحصول على المقابل، ولقد أثبتت الأيام أنهم لم يستفيدوا شيئًا من هذه الهرولة، حتى إسرائيل لم تعر لهم أي اهتمام، إن جاز لنا أن نحسب لهم شيئاً أو حتى من باب التعاطف. بينما تقول الحقائق إن اليهود بدأوا في مغادرة إسرائيل لأنهم يعرفون أنهم ليسوا أصحاب الأرض ويشهد على ذلك مطار بن جوريون على كثافة مغادريه، بينما الفلسطينيون في غزة وعلى الرغم من المعاناة والضير والظلم والقتل والتدمير يتشبثون بالأرض، ويرددون دائما بأنهم لن يغادروا بلادهم، رافعين شعار "باقون ما بقي الزعتر والزيتون". وهنا الفرق واضحاً وجليا بين أصحاب الارض الأصليين وأولئك المحتلين الغاصبين.
لقد دكت إسرائيل غزة بكل ما تملك من قوة بلا هوادة ولم يسلم منها لا البشر ولا الحيوان ولا الشجر ولا الحجر حتى الأسماك في بحر غزة لم تسلم ولا مياه الآبار ولا الطرق، ولا يختلف الحال كثيرًا في الضفة الغربية.
وعندما دمروا غزة تمامًا، تحولوا إلى لبنان، فدكوا العمارات بالصواريخ والقنابل، وأحرقوا الأخضر واليابس وزادوا على ذلك بتفخيخ البيجرات والاتصالات اللاسلكية، بينما العالم المنافق ما زال يردد من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها.
وحتى يوم الجمعة عندما دكت إسرائيل 6 مبانٍ وسوتها بالأرض واستخدمت في الهجوم القنابل الأمريكية التي وصلتها مؤخراً من الولايات المتحدة الأمريكية والتي يصل وزنها إلى 2000 رطل، كان كل ذلك بردا وسلاما على أمريكا ومعاضديها من المنافقين؛ بل وعندما تضرب إسرائيل أي موقع وتعلن أننا أبلغنا الولايات المتحدة الأمريكية، تُنكر أمريكا وتقول ليس لدينا علم، وهم ينكرون ومعاونوهم ينكرون ولكن تبقى للعدالو وجه واحد لن يتغير ولن يتبدل.
وأكيد عندما ينتهون من لبنان سيتوجهون إلى بلد آخر إلى الدولة التي تليها في أجندتهم، ونحن نتفرج وهم يستفردون كل مرة بدولة عربية، حتى يُكملوا مخططاتهم وأهدافهم ويصلوا لما خططوا له من البداية، حتى القرار الأممي رقم 1701 الذي صدر قبل أكثر من عشرين عاما لم تلتزم به إسرائيل في يوم من الأيام، ولم تطبقه ولا حتى تومن به ليصلوا لما خططوا له من البداية.
كيف وبأي منطق وأي مفهوم يفسر من يهاجم على أنه يدافع عن نفسه، بينما من يدافع عن نفسه وأرضه يوصف بالإرهابي؟!
لم يعر الضمير العالمي لهذه التوجهات أي اعتبار ولم يحسب لها أي حساب، وبالتأكيد إن لم نتضامن في محتوانا العربي والإسلامي فالدور سوف يأتي على الجميع.
والسؤال الذي يفرض نفسه: إلى متى سيبقى نتنياهو وبن غفير وسوموريتش يتحكمون في مقدرات العالم بلا رادع؟
ألا يوجد من يردع هؤلاء القتلة ويضع حدًا لهذا العدوان المتكرر؟
أسأل الله أن الله يجمع شمل أمتنا وتعود إلى رشدها وتكسب تضامنها ووحدتها وتعاضدها، وستبقى سلطنة عمان حكومة وشعبًا متعاضدة متحدة مع الأمتين العربية والإسلامية.
حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.