نحو مستقبل مُستدام لعُمان

 

 

د. بدر بن أحمد البلوشي

baderab_2000@hotmail.com

 

يشهد قانون الاستثمار في عُمان تطورًا ملحوظًا منذ إقراره بهدف جذب الاستثمارات وتحفيز النمو الاقتصادي. لكن هناك تساؤلات أُثيرت حول آثاره وآليات تطبيقه، لا سيما بعد السماح لغير العُمانيين بأن يصبحوا مستثمرين بشروط يُعتقد أنها تُفرغ القانون من مضمونه الأساسي وتفتح المجال لتدفق استثمارات صغيرة وغير فعّالة.

لذلك لا بُد من النظر إلى الأسباب التي دفعت السلطنة إلى تسهيل إجراءات الاستثمار؛ حيث كان الهدف الأساسي جذب رؤوس الأموال وتعزيز بيئة الأعمال في عُمان، مما يساهم في تنويع مصادر الدخل الوطني ويخلق فرص عمل جديدة. غير أنَّ الشروط المُيسَّرة قد أثارت مخاوف من أن تتحول هذه السياسة إلى بوابة لإغراق السوق المحلي بمستثمرين غير مؤهلين ولا يمتلكون الخبرة الكافية لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية.

من جهة أخرى، قد يظن البعض أنَّ السماح لغير العمانيين بأن يصبحوا مستثمرين بشروط بسيطة، مثل وجود مبلغ مالي زهيد في حساباتهم، يُساهم في تشجيع النشاط الاقتصادي، لكن الحقيقة أنَّ هذا المبلغ لا يكفي لتمويل مشاريع ذات جدوى اقتصادية، مما قد يؤدي إلى تحول بعض المستثمرين إلى مُستغلين لنظام الاستثمار لتحقيق مكاسب شخصية دون إحداث تأثير إيجابي يُذكر في الاقتصاد الوطني.

ومن أبرز المخاطر المرتبطة بهذه الظاهرة هو انخفاض مستوى الاستثمارات الفعلية وتحول بعض هؤلاء "المستثمرين" إلى شبه متسولين، يسعون للبقاء في السوق بأي وسيلة، ما ينعكس سلبًا على سمعة السوق العُمانية ويُضعف من جاذبيتها للمستثمرين الحقيقيين القادرين على تقديم قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.

ولتفادي هذه النتائج السلبية، ينبغي إعادة النظر في شروط الاستثمار وجعلها أكثر دقة وشمولاً. ويجب أن تتضمن هذه الشروط معايير واضحة تتعلق بالقدرة على تحقيق قيمة مضافة، وأن يتم التفريق بين المستثمر الحقيقي الذي يُساهم في التنمية والمستثمر "الشكلي" الذي يسعى لتحقيق مكاسب شخصية قصيرة الأجل. ولمواجهة تحديات الاستثمار في عُمان، من الضروري تطبيق نهج شمولي يُعزز الجودة والاستدامة في الاستثمارات.

وهنا أضع بعض الحلول المقترحة التي يمكن أن تعالج القضايا المثارة بحكمة ومنطق، مثل:

  • تعديل الشروط القانونية للاستثمار، وتحديث قانون الاستثمار ليشمل شروطًا تتطلب خبرات ومؤهلات معينة للمستثمرين. هذا سيضمن جذب مستثمرين ذوي جودة يمكنهم المساهمة بشكل فعّال في الاقتصاد.
  • تطبيق نظام تصنيف للمستثمرين، وذلك بإنشاء نظام تصنيف يفرق بين أنواع المستثمرين بناءً على قدراتهم المالية وتجاربهم السابقة. ويُمكن لهذا النظام أن يحد من المستثمرين الذين يسعون للاستفادة من النظام دون إضافة قيمة حقيقية.
  • تشجيع الشراكات الاستراتيجية؛ وذلك بتعزيز فرص الشراكات بين المستثمرين الأجانب والمحليين؛ مما يضمن نقل المعرفة والخبرة ويُعزز من جودة المشاريع الاستثمارية.
  • إنشاء منصة تعليمية للمستثمرين، وذلك عبر توفير منصات تعليمية وتدريبية للمستثمرين الجدد تشمل دورات حول السوق العُماني، والقوانين، وأفضل الممارسات الاستثمارية. وهذا سيساعد في تقليل الاستثمارات الضعيفة وغير المدروسة.
  • تعزيز الرقابة والمتابعة، وذلك بتعزيز قدرات الهيئات الرقابية لمتابعة أنشطة الاستثمار وتقييم أثرها على الاقتصاد الوطني. يمكن أن يشمل ذلك التفتيش المنتظم وتقييم الأداء بشكل دوري.
  • تحفيز الاستثمار في قطاعات استراتيجية، بتوجيه المستثمرين نحو قطاعات تعزز الابتكار والتكنولوجيا والتنمية المستدامة، مما يساهم في تنويع مصادر الدخل الوطني بشكل فعّال.
  • التواصل الفعّال مع المجتمعات المحلية، وذلك بإشراك المجتمعات المحلية في عمليات صنع القرار للاستثمارات الكبرى لضمان أن تعود بالنفع على الجميع وتحفظ مصالحهم.

ومع تطبيق مثل هذه الاستراتيجيات، يمكن لعُمان تحقيق نمو اقتصادي مُستدام يستفيد منه الجميع، مع ضمان أن الاستثمار ليس فقط جمع للأموال؛ بل هو مساهمة حقيقية في تطوير الاقتصاد والمجتمع.

وفي النهاية.. يتعين على صُنّاع القرار في عُمان أن يتعاملوا بحكمة مع هذه المسألة؛ لأنَّ الاستثمار ليس مجرد حشد للأموال؛ بل هو عملية متعددة المراحل تتطلب استراتيجيات مدروسة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام. لذا، يجب أن يتم تعزيز الرقابة وتطوير السياسات لضمان أن يكون كل مستثمر في عُمان قادرًا على تحقيق الأهداف الاقتصادية المرجوة، وأن نسعى نحو استثمار فعّال يُعزز النمو الوطني، ولا يُشوِّه بيئة الأعمال.

** دكتوراه في الإعلام والعلاقات العامة وباحث في التخطيط الاستراتيجي وعلم النفس في الإدارة الحديثة

تعليق عبر الفيس بوك