ورقة "الجبس بورد"!

 

يوسف عوض العازمي

@alzmi1969

 

 

"الجامعة العربية: للإنصاف لها موقف كبير، يسع أكثر من مائة سيارة أمام المبنى" جلال عامر.

 

*******

يحكي لي أحد الأصدقاء قصة طريفة حدثت معه أثناء بناء منزله، مع أحد مسؤولي الشركات المختصة بالبناء وتجهيزات التشطيب، إذ يقول إنه أضطر للتعامل مع إحدى الشركات الكبيرة والتي تتمتع ببيروقراطية تعيسة، وكان خلال مراجعته للشركة للإفراج عن إحدى الطلبات، يمر بتوقيعات متعددة أقل ما يُقال عنها إنها دورة مستندية مُرهقة لا داعي لها، لكن يبدو واضحًا تأثير جهابذة البيروقراطية على إدارتها المتعبة !

وأثناء إحدى المراجعات لأحد مسؤولي الشركة حتى يتكرم حضرته بالتوقيع، حدث ما يلي: عندما طلب من السكرتير الدخول على المسرول قال له السكرتير ما الذي عندك؟ قال: عندي هذه الورقة تحتاج توقيع سيادة المدير المُبجل، فقال له خلاص أترك الورقة في البريد عندي ليتسنى عرضها على سيادته حتى يتكرَّم بتوقيعه الكريم (في الواقع لا توقيع ينفع ولا شيء من هذا القبيل، بل سيُوقع لعرضها على المخازن وهذا يأخذ وقت عشرة أيام على الأقل  كما تجري العادة!)، ثم ألحَّ صديقي على السكرتير بأن يأذن له بالدخول لعل وعسى يرزقه الله بتوقيع يختصر ماتبقى من مراجعات، رأف السكرتير لحال صديقي وسمح له بالتشرف بمقابلة حضرة المدير، فلما دخل عليه كان المدير منشغلاً بمكالمة هاتفيه، فأشر إليه بيده للجلوس، وكان صديقي يناظر المكتب وجدرانه وأثاثه أثناء مكالمة الأخ الكريم، فطرأت عليه فكرة حضرت بسرعة، فلما انتهى حضرة المدير من المكالمة توجه بكلامه وبلا سلام على صديقي مخاطباً إياه: خير ماذا تأمر؟ قال سلامتك عندي مُعاملة تحتاج توقيع من حضرتكم، قال هات الورقة، وأثناء نظره للورقة، سأله صديقي: لو سمحت أحتاج أسألك عن الجبس بورد الموجود بجدران مكتبك بصراحة عجبني ولفت نظري يبدو أن ذوقك رفيع!

هنا وكأن صديقي ضغط الزر على مشاعر المدير الفياضة، فسعد المدير بكلام صديقي، ويبدو أنه نسي الورقة والتدقيق عليها، وبحماس أخذ يحدثه عن أهمية وجود الجبس بورد وفوائده وبأنَّه حتى في منزله استعان ببعض الجبس بورد، وتشكر من صديقي على إشادته، وسبحان اللطيف الخبير أصبح المدير وكأنَّه صديق حميم لصديقي، وطلب له القهوة والشاي، وأعتقد لو كانت عنده حلويات وسندويشات لطلب له أيضا! (ما سبق يُبيِّن أنَّ الأمور تجري بمزاج ولا تحدثني عن عمل مرتب وخطط ونظم وغيرها!).

أثناء متعة المدير بالإشادة، سأل صديقي: نسيت.. ما الذي تُريد؟ قال له صديقي فقط هذا التوقيع، قال له بسيطة يا رجل وسبحان الخالق الجبار، اختصر له بتوقيعه عدة أيام، وبسبب ماذا؟ الجبس بورد!

يا سلام على نباهة صديقي ويا سلام على جمال الجبس بورد وفوائده التي بالتأكيد لن يتمتع بها صديقي لأنه ببساطة لا توجد في خططه التجهيزية للمنزل الاستعانة بالجبس بورد، وإن أصبحت له ذكرى لا تنسى وبفضله بعد الله تسهلت أوراقه.

عمومًا.. المغزى مما سبق هو مُعاناة الناس مع تصعيب المعاملات؛ سواء في القطاع العام أم الخاص، الوقت تغير، والظروف التقنية تبدلت، أصبح الموظف الواحد بإمكانه عبر جهاز الكمبيوتر الشخصي أن يخلص أصعب المعاملات وأدقها بتوقيع واحد، أو حتى بالاستعانة بما يسمى التوقيع الإلكتروني، ولا داعي أبدا للمرور بين المكاتب لتوقيعات ما أنزل الله بها من سلطان، فقط تصعيب وتعطيل وإجهاد غير مقبول.

الحياة تتقدم، العلم يتطور، النَّاس تعدت مرحلة الحكومة الإلكترونية وتعايش تقنيات الحكومة الذكية، أصبح منظر المراجعين أمام أبواب المسؤولين غير لائق، و لولا الاحترام للمراجعين لقلت إنه منظر مضحك.

أيها القياديون ويا مسؤولين ارحموا من في الأرض يرحمكم من السماء، سهلوها على النَّاس، والمعاملة غير المكتملة للشروط واللوائح ستكتشفها تقنيات الحكومة الذكية ولن تُمرَّر، أي لا تخشون ذلك؛ بل قد تكون مراجعة المعاملات أدق من توقيعاتكم الكريمة عليها.