الرد الصادق على نتنياهو الكاذب

 

د. هيثم مزاحم **

 

بعد 25 يومًا على العدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت واغتيال القائد العسكري لحزب الله فؤاد شكر واستشهاد زوجته وعدد من المدنيين الآخرين في المبنى المستهدف بالغارة الإسرائيلية، وفى حزب الله بوعده ونفذ رده المدروس بعناية شديدة باستهداف مقر لوحدة 8200 في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية المعروفة باسم "أمان" في منطقة غليلوت قرب تل أبيب، ومقر فرقة الدفاع الجوي في عين شيمار على بعد 75 كيلومترًا من الحدود اللبنانية الفلسطينية.

اختيار الهدفين كان مدروسًا بعناية، كما أعلن السيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله، بأن المقاومة لم تشأ استهداف المدنيين أو البنية التحتية في الكيان الإسرائيلي، وأرادت أن يكون الهدف عسكريًا وأن يكون مرتبطًا بالعدوان على الضاحية واغتيال القائد شكر. لذلك تم اختيار مقر وحدة 8200 في "أمان" وهي الوحدة المسؤولة عن الرصد والتجسس والإعداد للاغتيالات في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية.

أهمية هذا الهدف تعود إلى أسباب عدة أبرزها:

أولًا: أن مقر الوحدة المستهدف، والقريب من مقر للموساد، في منطقة غليلوت، هو مقر سري، ما يعني أن حزب الله كان قد اكتشف موقع هذين المقرين السريين وغيرهما في المنطقة. وهو ما يدل على قدرة المقاومة الاستخبارية وعدم قدرة الكيان بعد اليوم على التمتع بإخفاء مقراته وإبعادها عن الاستهداف كما كان الأمر سابقًا.

ثانيًا: إن الهدف يقع في العمق الإسرائيلي ويبعد نحو 100 كيلومتر عن الحدود اللبنانية يُشير إلى قدرة المقاومة على الوصول إلى أهداف في عمق الكيان، رغم بُعد المسافة وسرية المقرات من جهة، ووجود الأنظمة الدفاعية المُتعددة لصد الصواريخ والمُسيّرات، مثل أنظمة القبة الحديدية ومقلاع داوود وغيره.

ثالثًا: هذه هي المرة الأولى في تاريخ الصراع العربي– الصهيوني التي يتم فيها استهداف مقرات أمنية وعسكرية في وسط الكيان وخاصة غليلوت، قرب تل أبيب، والتي تعد منطقة حساسة أمنيًا وعسكريًا.

وقد زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن جيشه عَلِمَ بهجوم حزب الله قبل تنفيذه ونفذ ما سمّاها "ضربة استباقية" بواسطة 100 مقاتلة "إف-15" و"إف-16"، والتي شنّت نحو 40 غارة على منصات الصواريخ في جنوب لبنان ودمّرت 6 آلاف صاروخ كانت مُعدة لاستهداف شمال الكيان ووسطه، حسب زعمه.

لكنَّ نصرالله كشف أنه تمَّ تضليل جيش الاحتلال بحيث قام حزب الله باستدراج المقاتلات الإسرائيلية إلى الأجواء اللبنانية ومن ثم يتم تعطيل القبة الحديدية خلال تواجد المقاتلات الإسرائيلية حتى لا يتم استهدافها بالخطأ من قبل أنظمة الدفاع الإسرائيلية، وهو ما سهَّل وصول الصواريخ والمسيّرات الانقضاضية التي أطلقتها المقاومة على أهدافها في شمال الكيان ووسطه.

كما إن المقاومة قد تعمدت إطلاق 340 صاروخًا مُوزعةً على ثُكنات ومواقع إسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة والجولان السوري المحتل لإشغال القبة الحديدية حتى تمر المسيّرات الانقضاضية دون اعتراضها إلى وسط الكيان في غليلوت. وتم استهداف قاعدة عين شيمار للدفاع الجوي الواقعة قبل نحو 20 كيلومترًا من غليلوت لإشغال القاعدة عن اعتراض المسيّرات الموجّهة إلى مقر وحدة 8200.

وقد ظهر كذب نتنياهو بشأن نجاح ضربته الاستباقية من خلال قدرة المقاومة على إطلاق هذه الصواريخ والمسيّرات بعد ساعة أو أقل من هذه الغارات المكثفة، واستشهاد مقاوميْن اثنيْن فقط خلال هذا الهجوم الكبير للمقاومة بعد تنفيذه وليس قبله.

وقد كشف نصرالله أن الغارات الإسرائيلية استهدفت مواقع قديمة لمنصات صواريخ كانت قد تم تغيير مواقعها قبل فترة أو منصات وهمية تُركت لتضليل العدو.

على أي حالٍ، جاء الرد متأخرًا لأسباب سياسية وعسكرية؛ فحزب الله أراد منح "مفاوضات الدوحة– القاهرة" فرصة للتوصل لوقف العدوان على قطاع غزة، حتى لا يُتهم بأن ردَّه على اغتيال شكر قد عطّل المفاوضات. كما إنه كان يدرس ويُعِد للرد بشكل متأنٍ، وتأخير الرد جعل إسرائيل في حالة تأهب عسكري دائم واضطراب اقتصادي، ما كلّفها خسائر اقتصادية وجعلها في حالة خوف واضطراب لمدة 25 يومًا.

المقاومة أرادت استعادة الردع مع الكيان الإسرائيلي، وقد أعلن نصرالله أن حزبه سيعتبر أن الرد الأوّلي على اغتيال شكر والعدوان على الضاحية قد تم في حال كان راضيًا عن نتائج هجومه، مما يُعيد الوضع إلى ما قبل العدوان على الضاحية، أي العودة إلى حرب الإسناد والتحرك ضمن قواعد الاشتباك السابقة مع مرونة توسيع الردود على الانتهاكات الإسرائيلية من جهة استهداف المدنيين أو اغتيال القيادات والكوادر أو استهداف العمق اللبناني.

لكن نتنياهو لم يتأخر في انتهاك هذه القواعد؛ حيث استهدفت مسيّرة إسرائيلية يوم الإثنين سيارة لكادر فلسطيني في مدينة صيدا البعيدة نحو 35 كيلومترًا عن الحدود مع فلسطين المحتلة. وهي رسالة انتقامية تشير إلى غضب نتنياهو من رد "حزب الله" وفشل ضربته الاستباقية، ورغبته في استمرار التصعيد، ومحاولة تصيُّد القادة والكوادر في المقاومتين اللبنانية والفلسطينية ما أمكن جيش الاحتلال ذلك، قبل انتهاء العدوان على قطاع غزة ولبنان. في المقابل، وسّعت المقاومة ردّها على عدد من المستوطنات الإسرائيلية بصواريخ ومسيّرات لتأكيد الردع وحقها في الرد وتوسيع مداه بحسب مدى توسع الانتهاكات الإسرائيلية.

** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان