متى سنقول ونفعل نحن؟

 

د. قاسم بن محمد الصالحي

 

الأفعال دائما أبلغ من الأقوال، وأمتنا اليوم في أمس الحاجة إلى انسجام أفعالها مع أقوالها، لتتوازن وفق معطيات منهج دينها وقيمها، لكي تستطيع مواجهة ما يعصف بها من تحديات ومخاطر محدقة ... الخطورة تكمن في المفارقة بين الخطاب والفعل، وما نراه من تناقض على المستوى السياسي فراغ لا يمكن أن يؤثر في حل القضايا، في مقدمتها القضية الفلسطينية.

قد نسمع أصواتاً لكنها لم تقل شيئا، وقد نرى مهرجانات، لكنها لا تنتج فعلاً، فالقول يُهيمن عليه اللا معنى، ليس موجه إلى العقل، لذلك يكرر القرآن الكريم: "أفلا تعقلون"، "أفلا تتفكرون" عشرات المرات، أما الفعل فلا اتصال بينه وبين لغة القول، رغم أن الأمة تتكلم لغة القرآن، الذي نادى إلى الفعل "وقل اعملوا"، " قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ ..."، " يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون"، الفعل والإقدام عليه هو الغاية القصوى من القول ... القول دون فعل قد يعني العجز عن الفعل، لذلك يعوضه العاجز بالكلام تغطية وستارا وكأنَّ الكلام فعل، وقد يكون في بعض الأحيان نفاقاً، لأن القول في هذه الحالة لا ثمن له، وهو يتغير طبقا للمواقف، وقد يكون أيضا سدا للفراغ لأنه لا شيء يقال، ومن هنا تبرز حاجة الأمة إلى الفعل والإقدام في قولها.

إن إحدى مميزات طوفان الأقصى أنه بدأ بالفعل دون كلام، القضية الفلسطينية برزت على الطاولة الدولية من ثنايا هذا الفعل، ففعل المقاومة الفلسطينية سبق النظر، وهذا أحد معاني طوفان الأقصى، أي أولوية العمل على النظر، والفعل على الكلام، والسلوك على القول.

ما تمر به الأمة من تحديات جسيمة في مختلف مجالات الحياة، لا يحتاج إلى كلام، بل إلى فعل، أي إلى تحرير وتحرر في القرار، الكلام الذي نسمعه هو تغطية وتعمية، لذلك لا يسمعه أحد ... ليس الكلام عيبا في حد ذاته، لكنه عيب إذا كان فارغا ومن غير مضمون، في فضاء عالمي أبرز عناصره الظلم الأمريكي والهيمنة ... يقول ريتشارد درايتون، أستاذ التاريخ في جامعة كامبريدج، "إن الحروب الصهيونية - الأمريكية الجارية، توضح صلف السياسات الجيوإستراتيجية الإمبريالية، يلهم فلسفة الدولة المهيمنة بالقوة العسكرية والتكنولوجية، التي يعتنقها الظلاميون الأمريكان"، مرارة وقسوة هذا "الصلف" الأمريكي أحست به الأمة مرات كثيرة، أقربها إبادة الشعب الفلسطيني التي يرتكبها العدوان الصهيوني - الأمريكي في غزة ... إذا أردنا أن نقدم "انطباعا" عاما عن خطاب الأمة في مواجهة هذا العدوان الصهيوني، يمكن أن نسميه، الخطاب المفكك، الخاوي، المثبط.

فمنذ اصطناع الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، بالعدوان الصهيوني - الأمريكي على الأمة، أضحت الهيمنة جوهر السياسة الخارجية الأمريكية في فلسطين والعراق ولبنان، وفي سوريا واليمن، ولا يعني هذا الحصر، استثناء أو "تحرر" بقية الدول من ربقة "الظلم" الأمريكي، حيث ظل خطاب الأمة في العدوان على غزة مفككا محدودا، خاويا ومحبطا ... هم قالوا في رسالة لا تزيد عدد كلماتها عن "130"، بعثها بلفورد إلى البريطاني اليهودي يونيل روتشيلد، يقول فيها: إن حكومة بلاده تؤيد منح اليهود وطناً في فلسطين، فاعطت بريطانيا التي " لا تملك لمن لا يستحق"، عندما تلاقت مصالحها الاستعمارية مع الحركة الصهيونية، وأصبح وعد بلفور مرجعاً فعالاً للاعتراضات اليهودية والصهيونية لكل ما يعتقدون أنه يخالف نص هذا الوعد أو تفسيراته ... أما نحن فكان قولنا مضمونه مطالبة باعتذار من بريطانيا لأنها تسببت في تشريد الشعب الفلسطيني، الذي تلقى وعودا عديدة بإقامة دولة له ... اكتفينا بردات أفعالنا لإيقاف أفعالهم التوسعية، جغرافيا واقتصاديا وسياسيا، خضعنا لمعتقداتهم الكاذبة، جلسنا معهم لعلنا نحصل على شيء من وعودهم الكاذبة لا أكثر ... هم طالبونا بالاندماج فيهم "وكأنهم هم الأصل"، ونحن كيانات وفدت الى الأرض، على اعتبار أن وعد بلفور هو الأقدم من الكيانات العربية الحديثة.

هم يقولون ويفعلون اليوم بغزة ما لم يقله أسلافهم ويفعلون ما رسمه لهم مؤسسو كيانهم، سواء في البعد الجغرافي، الديمغرافي أو القوة المهيمنة، مصالح الكيان هذه المرة تقاطعت مع المستعمر الجديد القديم الولايات المتحدة الأمريكية .. متى سنقول كفى يكفي ما قلتوه وتفعلوه، ومتى سنعتصم بحبل الله، لنكون كما وصفنا القرآن، في قوله تعالى "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ" (آل عمران: 110).

تعليق عبر الفيس بوك