بين الفردية والدونية

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

يكفينا تيمنًا بالفطرة التي فطر الله عليها الإنسان، وهي أنه يبحث عن الأفضلية والتفوق ويسعى إلى الراحة والتميز، وحتى في معترك الحياة والتحديات التي تُواجهه في زمانه والاختلافات بين البشر لا شك أنه يريد أن يكون الأقوى والفائز في أي نزال، ولكن ولغياب التنظير الصحيح لبعض المجتمعات، تجد أن الكثيرين ينشدون ذلك التميُّز، من خلال الشعارات والمجد القديم، ومن خلال الاسم، وحتى أنه يطلب ذلك من غيره، ولكن لا يعلم علم اليقين أن التميز له صفات عملية وتضحيات فردية وشخصية وبشكل آخر تمامًا.

في قياس القوة لأي مجتمع إن كان اليوم أو في الزمن السحيق هو في الحقيقة إنه محصلة قياس الفرد الواحد لتحسب فيما بعد كمحصلة ومجموع عام يكون عليها ذلك المجتمع كقوة حقيقية متكاملة وهذا يلتقي تمامًا وحقيقة القوة المالية عندما يكون لها رصيد مالي حقيقي وأصول وإنتاج أو تلك الأوراق التي تطبع دون غطاء حقيقي وتكون مجرد أرقام فلكية لا قيمة لها.

ولكن أين نحن من توضيح العلاقة ما بين الفردية والدونية؟ حيث إن كل ما سبق من حديث يأتي تمامًا تحت هذا المصطلح، ولذلك سأجتهد لكي أضع النقاط على الحروف. فلو أن الفرد في أي مجتمع يرى في نفسه فاعلًا ومؤثرًا وداعمًا من خلال كل تصرفاته وأعماله، فإنَّ ذلك المجتمع حتمًا سيكون قويًا، ولكن ماذا لو كان الفرد في أدنى مستويات الفكر المفرد، مثلًا عندما يريد أن ينعطف بمركبته من الطريق لا يستخدم الإشارة؛ لأنه وفي عمق ذاته غير معني بغيره، رغم أن ذلك لا يكلفه شيئًا، غير أن مصلحته المرور بسرعة وهي مصلحة فردية، وكذلك فإنه لا يُريد أن يقف، في طابور ولا يفكر أن هناك بشرًا سبقوه في الدور، لكن يريد أن يتقدمهم، وهذا فكر مفرد!

لو أن شخصًا ما يمشي في طريق، ويجد اختصارًا، فإنِّه لا يعني نفسه المشي بعيدًا، فيختصر حتى لو كان ذلك الاختصار تخريبًا لزراعة وورود جميلة، غير أنه لا يكترث لذلك وأن في اختصاره مصلحة فردية وفكرٌ مفرد!

لو أن شخصًا ما وضع أمانته دون توثيق مع شخص آخر، وقام ذلك الشخص باستغلال ذلك وكسب ما هو مؤتمن عليه، مُفكرًا في مصلحته دون اكتراث، فإنَّ ذلك فكرٌ مفرد!

لو مررت بمحتاج ولديك ما يكفيك ولم تكترث له، فذلك فكرٌ مفرد!

لو أن الحكومة قررت وأمرت وأصدرت قوانين وتابعتَ أنت هواك ولم تتقيدـ فإنَّ ذلك فكرٌ مفرد!

لا شك أنَّ كل ما ورد أعلاه ليس سوى أمثلة استدلالية فقط، لكي نحاول جاهدين توضيح النظرة الفردية التي قد تُسيطر على بعض المجتمعات البشرية، وأنها تمامًا هي ما يوجههم، ومع ذلك تجد أن ذلك المجتمع يطلب الكمال والتفوق والمعاملة المثلى والراتب الكبير، في حين أن الأسس الصحيحة ومفاتيح كل ذلك هو الذي يملكها.

إن المجتمعات التي تقتنع بظاهر التحضر والقوة والنجاح، في حين أن عمقها وحقيقتها الداخلية غير ذلك، لا تصمد أمام أي اختبار في الحياة، فلقد طغت عليها المصلحة الشخصية، وهذه المجتمعات تجدها تنادي بالبحث عن الأفضل في كل مناحي الحياة، إلّا نفسها بالعدد المفرد. غير أنهم لا يعلمون أن كل ذلك لا يمكن تحقيقه، سوى عندما تتغلب المصلحة المجتمعية على المفردة، وأن الإنسان خُلِق ليكون مُكمِّلًا للآخر وليس نقيضًا له، ولن يتحقق ما يأمله الفرد إلا بالتكامل.

وأخيرًا.. لا تلوم المجتمعات والدول بشكل عام حكوماتها أو أنها تبقى معتقدة أن دونيتها من فعل الغير؛ كالدول الأخرى الباحثة عن مصالحها من خلال ترك الآخرين في أدنى مستوى، لتبقى مسيطرة عليها وإلى الأبد، ولكل الأسباب التي سبقت، فإنَّ الفردية تنتج الدونية وترسخها وتسيطر على عقول أهلها وهم لايدركون ذلك.