د. خالد بن حمد الغيلاني
ملاحظة قبل القراءة: "ستمرون وأنتم تقرأون ببعض من الألفاظ من دارجنا العماني، لكنها سهلة مفهومة"!
*****
في ليلة يبدو فيها القمر وهو يقترب من تمامه، والسماء صافية، والهواء نسماته عليلة؛ جلست الأم العزيزة الغالية إلى أبنائها يتسامرون، ويتجاذبون أطراف الحديث، بقصد الاطمئنان على أحوالهم، ومسارات حياتهم.. اجتمع الأبناء ممن تمكن من الحضور وتغلب على مشاق أعماله، واستطاع استقطاع وقتٍ منها لهذا اللقاء الأسري الذي طال انتظاره.
تبادر الأم (الرياضة) أبناءها بالسؤال عن حالهم، وكيف هم في ظل أحداث متسارعة، ورغبات متضاربة، وطموح لبلوغ غايات قريبة المنال لمن أحسن واجتهد، وصعبة لمن سوّف وفوّت.
انتخاب؛ الابن الأكبر؛ يجيب وقد ظهر البياض بين مفرقيه، وبانت عليه علامات التعب والإرهاق، أنا في حيرة من أمري، ووضعي يزداد تعقيدًا، بسطّت الأمور بشكل كبير، ووسعت قاعدة المشاركة، ولم أبلغ أهدافي في بلوغ من أريدهم للمناصب التي حددتها، وجعلت التنافس عليها.
(الرياضة)؛ تجيبه مستغربة: وماذا فعلت لتمكِّن القادرين من الوصول؟
(انتخاب): أضفت شروطًا لتضييق دائرة التنافس، وأفردت مقعدًا للمرأة، ولم أحظ بمن أتوسم بالشكل الذي يُرضي الطموح، ومضت سنوات الفترة الانتخابية دون أثر واضح، ولا نتيجة مبشرة؛ بل قضايا واستقالات، وها أنذا أضيف شروطًا أخرى، وأضيق دائرة المترشحين، لكنني خائف وبشكل كبير مما يدور في الطوابق المرتفعة، والغرف المغلقة، ومن السيارات المسافرة في رحلات مكوكية لا تفتر، وما يزيد مخاوفي، أن عبارة (هذي المناصب لكم وهذي لنا وتلك لهم)؛ تتردد بقوة مفزعة، ويا خوفي يا أمنا الغالية (الرياضة) ألا نصل بعيدًا، وندور في فلك المصالح وتبادل المناصب، وهذا ما حرمني النوم وأضج مضجعي.
هنا تتهه الرياضة وتتنهد؛ فيبادر ولدها (أولمبي) بالحديث: إذا انتخاب همّه هكذا ثقيل، ما أقول أنا، وكل من يأتي بهم انتخاب أتأثر بهم وبأعمالهم، سنوات تلي سنوات، وأجيال تتبع أجيالًا، وأنا كما أنا، مذ كنت شابًا يافعًا، وأنا اليوم على مشارف الخمسين من عمري، ولا خبر أتحدث عنه، ولا إنجاز أذكره إلّا ذلك الإنجاز البعيد والذي أولادنا ما يعرفون عنه شيئًا، وكلما طرقت بابًا وجّهني للباب الذي يليه، حتى أصحبت لا أعلم من أي باب دخلت، ولا أين وصلت، ولا كيف أخرج.
إيه يا أمّنا العزيزة، إيه وأنا أتحسر على رغبة وشغف في ميدالية ملونة، سهلة يسيرة لمن أعد لها العدة، وأحسن التخطيط والعمل، ولكن للأسف يأتي حراكنا متأخرًا، ولا مجال لأي إنجاز لمن لا يعمل له.
وبغضب شديد يوجّه أولمبي لومًا مليئًا بالحسرة لأخيه انتخاب؛ انته السبب، جلبت لنا من لا يستطيع، ولا يحاول أن يستطيع، (وكل ما جات سنة تتبعها سنة وأنا انتظاري إلى متى).
تقف أمهم الحنون الرؤوم (الرياضة) في طريقها للتأكد من جاهزية الطعام، تمضي وهي تتمتم (وأنا اللي حيرني زماني).
تعود الأم سريعًا، بعدما اطمائنت إلى قرب جاهزية طعام العشاء، وهي تردد؛ حسبت أموركم طيبة، ما أحسبها (مدّعسقة) غير واضحة المسار والمعالم.
تلتفت (الرياضة) إلى كرة؛ شاركينا الحوار، يكفي معظم وقتك مع الهاتف، (كرة) مبادرة أمها؛ (هلا ماه)، أسمع نقاشكم، وأتعجب من حالي، على فكرة أنا ما شاغلني الهاتف للتصفح والمتابعة، ولكني أبحث عن منتخب جيد ومعروف نلعب معه، ومكان مناسب نقيم فيه معسكرا، نحن مقبلون على استعدادات استثنائية، وأمام حلم كبير، نسعى لسنوات لتحقيقه.
(الرياضة)؛ باستغراب واستنكار؛ حتى الآن تبحثون (علو هيه، شربي العمقات)، حسب علمي كل المنتخبات أعدت عدتها، وحددت مبارياتها، واتفقت على إقامتها وقتا ومكانا؛ وأنتم تبحثون!!!
ألم يقام حفل قبل يومين لتدشين مبادرة دعم ومساندة؟ وخطط للتشجيع والتحفيز والمؤازرة؟ ألم يكن من المهم أن تقدموا برنامج عملكم؟ ألم تستعرضوا المنتخبات التي تلعبون معها مباريات ودية؟ ألم تعتمدوا أماكن المعسكرات ومواعيدها؟ ولا كما يقول المثل (تزهبوا القماط قبل الولد).
اسمعي يا (كرة) لم يعد عندنا صبر ولا سعة، وهذه فرصة لا مجال لتفويتها، ولا عذر لكم، ما يكفي حتى الآن لا نعلم من يلعب ومن ما يلعب، ومن عليه حكم، ومن برئته المحاكم، وهناك من اعتذر عن الموسم وترك مسابقاته ويا كثرهم، ومن اقتصرها على المراحل السنية، ومن انشغل بدوري الهواة فركّز على تشجيع فريقه، واعتبره شغله الشاغل.
الشيمة كل الشيمة ترانا ما عاد فينا صبر، ولا لنا (بارض)، صابي أمورك يا كرة، وركزي في واجبك، وراجعي كل حساباتك.
هنا يقرع جرس الباب، ينهض أولمبي لفتحه، وإذا بالقادم خالهم العصبي (جمهور): مرحبا خالي، كيف حالك.
(جمهور): أنا ما خال أحد، ولولا أختي (رياضة)، ما جيت هذا البيت.
خبروني بشي زين أذكره حالكم، هذي أمكم شابت قبل الشيب، وكل التعب فيها، بسبب ماذا؟ غير تصرفاتكم التي لا ترضي أحدا.
حتى أنا تعبت منكم، وصرت أشعر بالأسى من تصرفاتكم، حتى متى لا عمل نذكره، ولا مستقبل نرجوه ونأمله، حتى متى وأنتم تهتمون بكرسي وسفر، ومؤتمر وحديث، حتى متى قرار منفرد، وغياب مستمر.ولسان حاله يقول (ترومو تسكتوا عني).
وما أن هدأ خالهم، وفضفض بما يجول في نفسه، حتى طرق الباب ليكتمل وصول الجميع؛ بالقادم المنتظر والذي كان سببًا في تأخر العشاء عن موعده، إنه (إعلام) أخوهم الأصغر من أمهم.
(الرياضة): دوما متأخر، ولا تحضر في مواعيدك، وتتعذر بمشاغلك.
إعلام: منك العذر والسموحة يا الوالدة الغالية؛ لا تلوموني من مؤتمر إلى مؤتمر، واجتماعات، وتدشين شعار، وتغيير ثيمة، وتعديل الألوان، ومبادرة، وتسويق، وتحليل.
الرياضة: اسمع إعلام؛ هذا كله نعرفه، انته وربعك رمانة الميزان، إما تكونوا جزءًا من تصحيح العمل وتجويده وتعزيزه بالحديث المتزن الواقعي الصادق، أو تتركوه لمن يستطيع أن يكون حاضرًا مُوجهًا مُعززًا، أما مدح مستمر، أو نقد لاذع لأهداف خاصة غير عملية ولا منهجية، بهذا أنتم جزء من المشكلة، والواجب أن تكونو مسارا للتعديل والتطوير، سورا للعمل الجاد المخلص.
حينها حضر العشاء ووقف الحديث. وكما يقال (عند الصحون تغيب الذهون)، فعسى أن يكون غيابًا لحاجة وقتية يستحقها ويتطلبها العشاء، ثم يعودون بعد هذه الجلسة الأسرية كل إلى عمله وواجبه، ولندرك في ختام هذا اللقاء أنها أمانة، وأنها مسؤولية، والرياضة تتطلب بِرًا من بنيها لا عقوقًا وجفاء.
عساها بلغت غايتها!