بيت اللبان (2)

 

 

 

أنور الخنجري

alkhanjarianwar@gmail.com

 

 

بيت تميز

بعد وفاة سيد مخدوم سكنت في البيت شخصية أخرى معروفة لكنها مثيرة للجدل بحكم انتمائه العقائدي المختلف عن ما كان سائدا في أوساط السكان المسلمين في تلك الفترة، كالمسيحية والهندوسية والإسماعيلية وغيرها من المعتقدات، وهذا يبرهن للقارئ الكريم مدى انفتاح مدينة مطرح على الآخرين وتقبل الأهالي وتسامحهم مع معتنقي الديانات والمعتقدات الأخرى.

هذه الشخصية كانت ميسورة الحال تعمل في مجال تجارة التصدير والاستيراد، خاصة في مجال الأسماك ومتعلقاتها، كان يطلق عليه اسم "واجوه"، ومعناها باللغة البلوشية (سيد)، لكن اسمه الحقيقي لم نتمكن من الوصول إليه حقيقة لندرة المعلومات المتوفرة في هذا الجانب، كما إن لقبه المعروف به "واجوه" كان طاغيًا على الاسم الحقيقي. وتشير بعض المعلومات الواردة إلى مسامعنا أن هذه الشخصية اتسمت بالانطوائية والانعزال، خاصة بعد وفاة ابنه الوحيد غرقا في البحر وهو في سن المراهقة حين كان يسبح مع رفاقه أمام البيت. ويُشاع أن هذا الرجل قد جاء في الأساس من منطقة بلوشستان في بر فارس، وهو من أتباع الديانة "الزرادشتية" كما كان يُعتقد، وهي ديانة قديمة منتشرة في بلاد فارس ومختلفة عن ما كان سائدًا في المدينة من ديانات ومعتقدات. في حين تشير مصادر أخرى أنه كان من أتباع الإسماعيلية الاثني عشرية، والله أعلم.

استأجر "واجوه" هذا البيت وسكن فيه مع أسرته وصهره زوج ابنته "تميز"، الذي يعود أصله إلى بلاد السند، وقد كان "تميز" الساعد الأيمن والشخص الأكثر ثقة لدى صهره، كما كان أكثر نشاطا وتواصلا مع السكان المحليين، مما خلق لنفسه سمعة جيدة  ومكانة مرموقة بين الأعيان والمواطنين، وبحكم أن "تميز" كان (مالكًا) وساكنًا في البيت مع صهره فقد عرف البيت في تلك الفترة باسم "بيت تميز".

تجدر الإشارة إلى أن "تميز"، بالاتفاق مع صديقه وشريكه في أمور التجارة، النوخذة والتاجر المعروف الحاج عبدالفتاح بن محمد بن صالح المعيني، قام بشراء هذا البيت من وارثه الأصلي، شهاب بن أحمد علي الشيخ المدني، وبالتالي انتقلت ملكية البيت اسميًا إلى "تميز" لكن، ولسبب ما، كان الحاج عبدالفتاح هو المالك الحقيقي للبيت وقد اتفقا معا على شراء هذا البيت بهذه الصورة التي سنأتي لذكر أسبابها في الفقرة اللاحقة وكشف حقيقة هذه البيعة ومدى غرابتها.

وبما إن الشيء بالشيء يذكر، فقد تواردت خلال فترة الستينيات من القرن الماضي أنباء عن تعليمات صارمة صدرت عن زعماء الطائفة الإسماعيلية، (يعرفون محليا بـ"الخانا وارية")، بضرورة مغادرة كافة المنتمين للطائفة المقيمين في المدينة فورًا لأسباب بقيت غامضة إلى يومنا هذا. وبالفعل بادر أبناء الطائفة إلى بيع ممتلكاتهم جميعها ومغادرة المدينة إلى جهة غير معلومة، بمن فيهم "واجوه" وصهره "تميز" اللذان غادرا إلى مدينة كراتشي في باكستان. وبعد مغادرتهم البلاد نهائيًا، دخل البيت بمرحلة من الجمود والوحشة ولم يُستغل إلا لفترات متقطعة؛ حيث سكنته بعض الأسر والعائلات المعروفة التي لم يكن لديها مأوى مستقر في ذلك الوقت، كما اتخذته بعض الأسر ملجأ مؤقتًا خلال الأزمات، خاصة خلال حريق مطرح الكبير، وما شابهه من حرائق كثر حدوثها في تلك الفترة. كما استخدم البيت من قبل بعض أفراد عائلة الحاج عبدالفتاح وكذلك كمقر لسكن بعض المدرسين الفلسطينيين الذين قدموا للتدريس في المدرسة السعيدية في مطرح إبان افتتاحها في عام 1959.

بيت عبدالفتاح

بعد طول غياب لمالكه الشرعي "تميز" في باكستان مع عدم معرفة المصير الذي سيؤول إليه البيت لا قدر الله في حالة وفاة "تميز"، لجأ الحاج عبدالفتاح إلى الشيخ النزيه والمرجع الديني البارز في مدينة مطرح الشيخ حمد بن سعود بن عبدالله الخنجري، مدعيًا أن البيت ملكه وأنه اشتراه بحُر ماله، إلّا أن عدم رغبة شهاب المدني بيع البيت للحاج عبدالفتاح، اتفق الاخير مع صديقه وشريكه "تميز" على شراء البيت باسمه، وبذلك أراد الحاج عبدالفتاح ضمان حقه في ملكية البيت قبل أن تسلم روح "تميز" إلى باريها وهو خارج البلاد. وبما أن النزاهة والعدل كانت من سمات الشيخ حمد بن سعود الخنجري. وإحقاقا للحق وعدم التفريط بموازين العدل، استعان الشيخ حمد بأحد الأعيان الموثوق بهم الذي كان يتردد على مدينة كراتشي لأمور التجارة والصلات العائلية، استعان به لمساءلة "تميز" عن حقيقة ما يدعيه الحاج عبدالفتاح بملكيته للبيت. وبعد رحلة مثيرة مليئة بالقلق والتساؤل استمرت لعدة أسابيع بحثا عن "تميز" في ضوضاء بلاد السند الصاخبة بالعديد من أجناس البشر. عاد الموفد بالحقيقة الصادمة لأغلب أهل المدينة الذين كانوا يعتقدون أن البيت ملك لـ"تميز"، عاد بشهادة موثوقة تفيد أن البيت ملك للحاج عبدالفتاح! وأن عملية الشراء تمت باتفاق بينهما- أي تميز وعبدالفتاح- وبالتالي، أصبح الحاج عبدالفتاح هو المالك الشرعي والوحيد للبيت.

وهكذا انتقلت ملكية البيت من بعده إلى ذريته ورثته الشرعيين.

تعليق عبر الفيس بوك