يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"لقد كانت الثورة الفرنسية، والحروب الثورية، ونهوض وسقوط نابليون، هي التي جعلت التاريخ لأول مرة: تجربة جماهيرية". جورج لوكاش.
**********
عندما يتحدث الشخص- أي شخص- عن النجاح والهمة والسعي، يستحب أن يكون منطقيًا متمكنًا من حديثه، بحيث تكون له تجربة معينة أو حتى تجارب، فشل أو نجح فيها، هنا بالذات في موضوع الفشل والنجاح علينا الاقتناع بأنَّ لكل إنسان معايير معينة للفشل وكذلك للنجاح، وهنا بالطبع لا أقصد معايير الإعلام العربي في القرن الماضي، الذي يحول الفشل لنجاح كبير وبقدرة قادر، وعلى أنغام خطابات أحمد سعيد رحمه ورحمنا الله.
معايير الفشل والنجاح تتفاوت بين هذا وذاك، هذه وتلك.. لا يوجد معيار متفق عليه مائة بالمائة بين الناس، لكل معاييره، تصور هناك شركة تجارية تحقق خسائر بنسبة ثلاثين بالمئة وتعتبر ذلك نجاحا، وقد تقيم حفلا إبتهاجا بتلك الخسارة، قد يكون ماحدث هو نجاح، لأن الوصول إلى هذه النسبة بناء على السياق العام لظروف الشركة يعتبر نجاحًا، يتبادر للذهن أن هناك ظروفًا قاهرة جعلت هذه الخسارة في عرف القائمين على الشركة نجاحًا، نتذكر هنا المعلق الرياضي الكويتي خالد الحربان ومقولته الشهيرة: لكل مباراة ظروفها. وغير ذلك من الأمثلة الدارجة والمعروفة التي تضع نسبة الفشل أو النجاح بناء على ظروف معينة، وأحيانا معقدة، وكم من نجاحات معلنة عناوينها، وهي في الحقيقة فشل ذريع، وسوء ما بعده سوء.
هل يعد ما سبق له علاقة بالثقافة العامة للبشر، بشكل خاص أو عام، طرأ علي هذا السؤال؟ أذكر أني قرأت في أحد الكتب المتخصصة في علم الاجتماع عن مفهوم الثقافة هذه العبارة: "تعني الثقافة في نظر علماء الاجتماع جوانب الحياة الإنسانية التي يكتسبها الإنسان بالتعلم لا بالوراثة" (1).
حتى في المدارس والطلبة، بعض الطلبة يعتبر النجاح الحصول على نسبة نجاح قريبة من السقوط، وكذلك هناك طالب يعتبر نسبة التسعين بالمائة فشلًا ذريعًا، لأنَّ الهدف كان أعلى من هذه النسبة، وتتراوح وتتفاوت الأسباب والظروف لكل حالة، وبلا شك تعكس حالة ثقافية معينة ذات خصوصية.
الفشل والنجاح كلاهما يحتاجان كثيرًا من المفاهيم، وأُلِّفت عنهما وبهما العديد من النظريات، وأسهب علماء الاجتماع والفلسفة والسياسية والتاريخ في الحديث حولهما؛ بل إن كلا هاتين الصفتين (هل تعتقد أنهما صفتان؟!) سيطرا على جزءٍ غير بسيط من كتب الدراسات الإنسانية ووفق مفاهيم وأفكار ونظريات عدة.
وفي النهاية لكل مِنَّا قناعته الخاصة بالفشل أو النجاح، وكذلك الجهات الخاصة والدول أيضًا تتعامل مع مؤشرات الفشل والنجاح بدقة وحساسية، لذلك لتكن لك شخصيتك المستقلة ولتكن لك معاييرك الخاصة للفشل لا سمح الله، أو النجاح، فلا يعلم بظروفك أو ما تمر به إلا الله (إن كنت كاتمًا ذلك).
الشاعر الجاهلي المثقب العبدي قال ذات مرة مخاطبا ناقته:
أَكُلُّ الدَهرِ حَلٌّ وَاِرتِحالٌ
أَما يُبقي عَلَيَّ وَما يَقيني
مراجع:
- علم الاجتماع مع مدخلات عربية، أنتوني غدنز، ترجمة وتقديم: د. فايز الصباغ، الناشر: المنظمة العربية للترجمة، مؤسسة ترجمان، ط 4، ص 82.