بيت اللبان (1)

 

 

أنور الخنجري

alkhanjarianwar@gmail.com

 

 

 

الحديث عن البيوت التراثية يقودنا إلى التعمق أكثر لدراسة هذه البيوت التي تجاوزت نفسها باختلافها وتجاوزت ما جاء بعدها من مبان، و لعلني أرى هذه البيوت ببنائها وأشكالها قد تفتح نوافذ جديدة لحكايات قد تتصل وقد تنفصل لكن لكل منها عالمها وشخصياتها وأمكنتها وأزماتها وهي في العموم صروح منسية تحتوي على ثراء واسع من القصص والحكايات، لذلك، ارتأيت العمل قدر إمكانياتي المتواضعة توثيق ما يمكنني ذلك حفاظًا على هذا الإرث الوطني من الاندثار والتهميش.

كما إن التعليقات الإيجابية العديدة التي تلقيتها حول مقالي السابق عن البيوت التراثية في مدينة مطرح ومقالي الأسبق عن "بيت البرندة"، دعتني للكتابة من جديد عن هذه البيوت الأثرية الواقعة في محيط مدينة مطرح القديمة ومنها موضوع مقالنا هذا "بيت اللبان".

"بيت اللبان" كما يطلق عليه اليوم، يقع على ساحل حارة الشمال من مدينة مطرح القديمة ويعتبر معلما فريدا في السلطنة، له قيمة فنية كبيرة تتمثل في النمط المعماري الجميل المتميز و المستلهم من التراث العمراني الهندو- أوروبي الذي كان سائدا في المناطق الساحلية لشبه القارة الهندية أيام السيطرة الأوروبية على المنطقة، وهو واحد من البيوت التراثية القديمة الذي ما زال قائما كأيقونة فريدة في الطيف المطرحي الواسع، الحاوي لمختلف الثقافات والمتواصل مع مختلف الحضارات؛ الأمر الذي ساهم دون شك في إعطاء هذا البيت تلك الصبغة المختلفة عن البيوت العمانية التقليدية بما احتواه من تقسيمات وأثاث ومواد جديدة ونادرة في فن العمارة في تلك الفترة.

هذا البناء الجميل، تدور حوله الكثير من الحكايات والأقاويل حول نشأته وملكيته وأجناس من سكنه واستخدمه، ولا ريب في ذلك فإن مثل هذه التحف الفنية كثيرا ما يختلف عليها المؤرخون قبل العامة، خاصة إن لم تكن هناك وثائق أو مدلولات تفند حقيقة ما نحاول الوصول إليه من توثيق قد نوفَق إليه وقد نخطئ؛ حيث إن معلوماتنا في استقصاء تاريخ هذا البيت معتمدة كليا على الارشيف الشفوي لبعض كبار السن الذين اعطونا عصارة فكرهم عما يتذكرونه أو ما تناقلته الأجيال عن تاريخ هذا البيت وكذلك على آخرين من أبناء الجيل اللاحق الذين كانوا يوما ما من سكان هذه الدار العريقة أو زوارا لها.

مراحل زمنية تحكي اختلاف تسميات بيت اللبان وتحدَث أخباره:

بيت علي الشيخ المدني

نحاول من خلال هذه المقالة المتواضعة استذكار تاريخ "بيت اللبان" وتوثيق ما يمكن توثيقه من وقائع وظروف استثنائية، مرت على هذه الدار العريقة منذ بداية إنشائها في أواخر القرن التاسع عشر، كما نحاول أيضا بسط بعض الوقائع والحقائق عن الأشخاص الذين تعاقبوا على امتلاكها وحملت في نفس الوقت أسماءهم أو ما أختاروا لها من أسماء مازال بعضها عالقا في ذاكرتنا، مبتدئين بالتدرج بمن كان له الفضل، بعد الله سبحانه وتعالى، في وضع حجر الأساس لها وبنائها كمقر دائم للأسرة وهو الوجيه المطرحي البارز علي بن أحمد الشيخ المدني، الذي حمل البيت في تلك الفترة اسمه، حيث يقال إنه قد استعان في ذلك ببعض التصميمات التي كانت تعتبر حديثة في ذلك الزمن ويعتقد إنه قد حصل عليها من دار القنصلية البريطانية أو غيرها.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الوجيه كان يمتلك أيضا العديد من الأملاك في المدينة وكذلك الكثير من المزارع والأراضي الفضاء في منطقة ريام المجاورة، وكانت آخر هذه الأملاك أرضا شاسعة على شاطئ ريام قام حفيده شهاب بن أحمد المدني ببيعها في منتصف فترة الستينيات من القرن الماضي.

بيت مخدوم

بعد وفاة علي الشيخ المدني انتقلت ملكية البيت حسب الشرع إلى ورثته، ابنه أحمد وابنته التي تزوجت بعد وفاة والدها من أحد الأعيان (سيد مخدوم)، وبالتالي انتقل سيد مخدوم للإقامة في هذا البيت مع زوجته. الجدير بالذكر إن سيد مخدوم كان يمتهن الطب وتركيب الأدوية والتمريض، وعمل بداية في عيادة/ صيدلية كان موقعها في زنقة "سوق الظلام" من سوق مطرح، ربما كانت العيادة الخاصة الوحيدة في مطرح في ذلك العهد. وخلال فترة إقامته في هذا البيت، قام سيد مخدوم بالعديد من الإضافات وعمليات الصيانة والبناء، وقد جلب له ما ندر وجوده في البلد من مواد البناء والأخشاب وغيرها من المواد التي أعطت البيت رونقًا جماليًا جديدا، ويقال بأن اغلب هذه المواد قد جلبت من الهند ومن مناطق أخرى ما وراء البحار. وبما أن سيد مخدوم كان طبيبًا وصيدلانيًا مهتمًا بالأدوية والعلاجات التي كانت تعتبر عصرية في تلك الفترة، فقد استخدم جزءًا من البيت كعيادة خاصة تقدم العلاج اللازم لمن يحتاج إليه من سكان مطرح ومسقط في حين سكن هو وعائلته الأجزاء الأخرى من البيت، وبذلك، حمل البيت اسمه وعرف بـ"بيت مخدوم".

تعليق عبر الفيس بوك