فاطمة الحارثية
لنا في الحياة قدرات لا يجد العلم لها تفسيرًا، ونحن كبشر نمتلك أيضًا مهارة تحجيم بعضنا البعض، ومن أجل تحقيق الكثير مما نؤمن به ونعتقده من أمور، وللتوازن مع التحجيم والتشكيك نلجأ لأطراف ثالثة كالاستشاريين أو التحزُّب أو الابتكار أو الاختراع أو الحيل، حتى تقبل التصورات والحلول المتجددة.
ولكي أُبسِّط هذا القصد، لنأخذ حال أساطير النبوءات كمثال، فعبر التاريخ أستطاع الجهل وهو الغالب أن يُكفر العقل التحليلي، والمنطق والكثير من الفكر والعلوم، ومساند الرقاب على المقاصل والسيوف عبر التاريخ شاهدة على ذلك، فدراسة السلوك وقراءة الظروف والمعطيات المحيطة بأي أمر، يقود بكل سهولة نحو توقع القادم أو لنقل نتائج تفاعل تلك الوقائع والعناصر مع بعضها البعض، طبعا لا يغيب عن الفكر "المتقد" مسائل الاحتمالات، وبناء السيناريوهات وأيضاً متعة الخيال التحليلي الممزوج ببعض الظن، وفي عصرنا الحالي، لمن يمتلكون مثل هذه الإمكانيات والقدرات تسميات يفخرون بها، ومجتمعات يعتزون بوجودهم، بالرغم من وجود عداء محدودي الإدراك ومرضى الجهل والتعصب.
لكل منَّا شغفه الخاص، وخصوصيته في تفضيلاته، مثلا: من أجمل الأوقات الجماعية بالنسبة لي تلك التي نقضيها مع صحبة الفكر وحوارات المنطق، والتجارب والخيال وشركاء الابتكار؛ وهذه اللقاءات لها وقع وأثر لا يُنسى وإثراء لا يضاهيه أية تجمعات، وأحب تسمية تلك اللقاءات بـ"وقت المختبر"، مثل مختبر الإبداع أو مختبر المستقبل، أو مختبر المنطق، أو مختبر النجاح كل حسب الأعضاء والأثر والتنوع، وكلمة "مختبر" أتت ربما لأن المختبر هو المكان الذي يستنبط فيه الباحثون والعلماء، النظريات والاختراعات من واقع التجارب والاختبارات، وأيضًا يُظهر الممكنات ويُلهم الحلول الذكية والفرص المتاحة، وربما لأنه الرحم الذي خرج منه أعظم المنافع الإنسانية والخدمية للحياة. وبطبيعة الحال، ليس الكل مؤهلاً لأن يكونوا أعضاء في مختبرك الخاص، أو من مجموعتك المفضلة، أو حتى مؤهلا ليكون شريكا للنجاح؛ وهذا يقودنا إلى أهمية المعايير والصفات التي يتأهل بها أعضاء المجموعات، والجماعات كيفما كان نوعها إيجابية أم سلبية، تتفق في العموم في بعض الصفات مثل الثقة والولاء، والتقارب الفكري والشغف المشترك، والأهداف والاحترام، أما المعايير والصفات الطرفية فهي جوهر الخصوصية، وهي التي تحكم وتحتضن روح الجماعة وعمرها واتساقها.
هل لديك جماعة أو شلة تغزوا معها فضاءات المعرفة وتحديات التغيير وسيناريوهات المستقبل؟ إن كان جوابك "لا" فلا بأس؛ فالاختلاف نعمة، والحياة أقدار تُرسم لنا من الخالق عز وجل، ونستطيع أن نستمتع بها كيفما كانت. إن ربط الأحداث والسلوك مهارة، وصياغة التوقعات جُرأة والصبر على النتائج أمر حتمي، يستحق الاحتفاء به، ومُختبر المستقبل الذي هو حديث اليوم يتنبأ بقادم لا جدل فيه، وبصدام لن ينجو منه إلا القلب السليم. تفشت خطايا البشر بحجم تعدادهم، الغالب يقول ما لا يفعل، ويدعو إلى ما ليس له به علم، يعتقد أنَّه في لعبة تسمح له أن يجرب مرة أخرى، ونحن لا نعيش على الأرض إلا مرة واحدة، والبقية يتصنعون الضعف ويلعبون دور المغلوب على أمره، كأنهم ضحايا حتى يصبحون بحق ضحايا، ولا ندم ينفع بعد ذلك؛ أما أبطال البالون، فتلك فئة كارثية دموية؛ إن العالم ينوء تحت وطأة ألسنة البشر، وفعل الصمت أمام المجازر والإبادة الإنسانية، لم يعد الخلاف على دين أو طعام، بل وحشية شيطانية تنهش لتحكم الأرض وتبيد السلام وتتفرد بها.
في مختبر المستقبل قلنا: لماذا كل هذا الشر؟ لم يخطئ من قال إن تعداد النساء في تزايد عن الرجال، لكنه لم يعلم أنه بسبب المذابح وعمليات التحول الجنسي، أي مُفتعل وليس طبيعيا، تحدثنا عن سُبل القمع الحديثة، وضياع الحقيقة بطرق ممنهجة اختار معظمنا تصديقها، تحدثنا عن زيف الكلمة على المنابر الاجتماعية، تحدثنا عن هيمنة الرعوية، وقوة التبعية، حتى ذكرنا رفيق المختبر الدائم "وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ" (غافر: 47)، ثم أردف وقال: يجب أن يكف الضعف حتى ننجو، فأجبته: وأعظم الجهاد كلمة حق.
وإن طال...
لا تتذمر لفقد أو خيانة صديق، فربما أنت أيضًا لم تكن مخلصًا، ولا متمسكًا بما يُرضي ويُبقي تلك العلاقة الطاهرة؛ فالصداقة نعمة تضيع إن لم تُصن.