جيل في فوضى.. تشخيص وحلول

 

 

سلطان بن ناصر القاسمي

أثناء تصفحي لإحدى وسائل التواصل الاجتماعي، لفت انتباهي منشور يتناول حال الشباب والفوضى التي يعيشونها في هذا العصر. حيث أرجع المنشور ذلك إلى العديد من الجوانب التي يتبعها الشباب في مجتمعنا اليوم، مما أدى إلى انتشار الفوضى في كثير من جوانب حياتهم، مترافقة مع الوفرة. والمقصود هنا بالفوضى هو فقدان النظام في تسيير جوانب حياتهم؛ حيث تسيطر العشوائية على كثير من الأحداث اليومية في حياتهم.

وتُعرف العشوائية الأسرية بالاحتفاظ بالأشياء التي يستخدمها الأبناء والأشياء التي لا يستخدمونها، مع عدم قدرتهم على التخلي عن أي منها، مما يؤدي إلى خسارة مساحة كبيرة من المنزل لأشياء لا معنى لها. إذا كان هناك عدد من الأبناء في منزل واحد، فإنَّ الفوضى تتراكم حسب عددهم. هنا يتضح لنا أن العالم الآن من خلال هذا الجيل يميل إلى تبسيط الحياة بأشكالها المادية والنفسية، بدءًا من المنزل ووصولًا إلى الأفكار والمعتقدات، وبالتالي يكون تأثير ذلك على العلاقات بين البشر.

تتداخل الفوضى مع الفردانية، فنجد البعض يعيش منعزلًا مع نفسه، معتمدًا على الأجهزة الإلكترونية، منشغلًا عن محيطه بالبرامج التي يعتقد أنها تغنيه عن الجماعة. ويتولد لدى البعض اعتقاد بأنَّ السرعة في الحصول على احتياجاتهم من خلال وسائل الاتصال والتواصل السريعة تكفي. يمكن التواصل مع الآخرين بسهولة عبر الهواتف والبريد الإلكتروني؛ حيث يمكن إرسال الرسائل والمكالمات والصور والفيديوهات في ثوانٍ؛ مما يجعل السرعة عاملًا أساسيًا في تعزيز الفوضى والفردانية الشخصية لدى الفرد. كما يدخل عامل الانشغال الظاهري في الفوضى الأسرية؛ حيث يلجأ البعض إلى التظاهر بالانشغال حتى لا يظهروا بمظهر الغرباء بين أفراد الأسرة. إننا نعيش في مجتمع تغلب عليه الفوضى المجتمعية، بحيث يعيش الجميع منشغلين وهم يرددون، بل ويتفاخرون بعدم قدرتهم على إيجاد وقت فراغ في حياتهم. في الحقيقة، يفتقرون إلى التنظيم.

إنَّ الشخص المشغول حقًا هو الشخص المنتج، أو بمعنى أصح، هو الذي يحدد أولوياته ويرتب أفكاره ويترك الحديث لإنجازه ويخلق الوقت دون أعذار.

كل هذه الجوانب التي تداخلت مع الفوضى تشكل عنصرًا هامًا لدى هذا الجيل مع الوفرة. نجد شابًا يتوفر لديه كل ما يحتاجه، ويعتقد أن هذه الوفرة تكمل جوانب حياته. يمتلك الشباب الآن السيارة، والهاتف، والآيباد، والكمبيوتر المحمول، ومصروف الجيب دون عناء أو بذل جهد معين. إذًا، أصبحت الوفرة هي الجانب الأهم في ظهور الفوضى الأسرية مع هذا الجيل، مما يسهم في انتشار العوامل السلبية وانتشار الفوضى في المنزل.

وهذه هي بعض العوامل السلبية المرتبطة بالفوضى:

  1. ضعف الإنتاجية: الإنسان الذي يعتمد على الفوضى في حياته يكون ضعيف الإنتاجية. وعند مقارنة إنتاجية شخص يعيش أو يعمل في مكان منظم وخالٍ من الفوضى، بإنتاجية شخص يعيش في مكان مليء بالفوضى والأشياء غير الضرورية، سنجد أن الفوضى تجعل التركيز أقل وتزيد من المماطلة وتضعف الحماس في الأداء، بينما يكون المكان المنظم عكس ذلك.
  2. الارتباط السلبي؛ حيث تنعدم الراحة النفسية عندما يعيش الفرد في منزل مليء بالفوضى. وتترافق صورة المنزل مع الفوضى بمشاعر سلبية، مما يحول المنزل من مكان للسعادة إلى مكان للضغط النفسي والتوتر.
  3. زيادة الوزن: يميل الجيل الحالي إلى تناول الوجبات السريعة وطلب الطعام من خلال التطبيقات، مما يؤدي إلى عدم تجمع الأسرة على مائدة واحدة إلا ما ندر. يؤدي تناول الوجبات في أوقات غير منتظمة إلى فوضى غذائية في المنزل.
  4. إضاعة الوقت: عندما تنتشر الفوضى في المنزل، يحتاج الأمر إلى وقت إضافي للتنظيف، مما يؤدي إلى إضاعة الكثير من الوقت، أو حتى الكثير من المال في جلب أيدي عاملة لنظافة المنزل.
  5. زيادة التوتر: أثبتت الدراسات أن وجود الإنسان في بيئة غير منظمة مليئة بالفوضى يزيد من معدلات التوتر لديه، مما يبقيه في حالة من الاضطراب النفسي.
  6. هدر المال: ينتج عن شراء كل ما تراه العين امتلاء المنزل بالأغراض والفوضى، وبالتالي هدر المال على الأشياء غير النافعة وغير المهمة.
  7. قلة النوم: من العوامل السلبية الخطيرة هي قلة النوم. ينجم ذلك عن وجود غرفة غير نظيفة وغير مرتبة. فقد أثبتت الدراسات أن ترتيب الغرفة وتنظيفها ينعكس إيجابًا على النوم الصحي للإنسان.

ولتنظيم الفوضى بداخلنا، لا بُد من أن نتبع الخطوات التالية:

أ- يجب أن يقوم الإنسان بفحص حياته ويضع له أولويات للإنجاز، ويعمل على تحقيقها دون الميل إلى الفوضى.

ب- حرق الأحقاد: قد يتساءل البعض كيف يساعد ذلك في تنظيم الفوضى؟ نقول إن التخلص من الأحقاد يجعل النفسية أفضل ويسهم في تقليل التوتر والتفكير السلبي، مما يساعد في تنظيم الوقت.

ج- التبرع بالأغراض: التخلص من الأشياء غير المستخدمة التي تأخذ حيزًا من مساحة المنزل من خلال التبرع بها، يجعل المكان مرتبًا ويسهل تنظيفه، ويقلل من هدر المال.

د- تدوين المهام: وضع جدول لإنجاز المهام وتدوينها مع تحديد الأولويات، يساهم في التغلب على الفوضى.

هـ - إظهار الامتنان: إظهار الامتنان لكل من يقدم لك عملًا أو مساعدة، يساهم أيضًا في تزويدك بالإيجابية ويعدل من النفسية.

و- التطلع إلى المستقبل: لا بُد أن يجعل الإنسان المستقبل نصب عينيه، ويعمل بإيجابية على تحقيق أهدافه المرسومة مسبقًا، حتى نتغلب على الفوضى الداخلية لدينا، ولا نترك النجاح للزمن، بل نسعى لتحقيقه بالجد والاجتهاد ووضع الخطط المستقبلية لذلك.

ز- القرارات الجريئة: يجب اتخاذ القرارات المناسبة والجريئة في الوقت المناسب، لأن عدم اتخاذها سيؤدي إلى فوضى عارمة في حياتك، مع تحمل نتائج تلك القرارات بكل شجاعة.

وأخيرًا.. لدى كل إنسان القدرة على التغلب على الفوضى التي نعيشها اليوم. يمكننا تقليل اعتمادنا على الأجهزة التي تشغل معظم أوقاتنا، إلا فيما نحتاجه حقًا، وإعطاء اهتمام أكبر لتجمعات الأسرة والمشاركة في كافة الأعمال المنزلية، والمشاركة في تناول الطعام بشكل جماعي، والنظر إلى الحياة بإيجابية. وعلينا أن ندرك أن التنظيم يبدأ بالتخلص من الأشياء التي لا نحتاجها، وأن يكون تنظيم الغرف جزءًا من تنظيم حياتنا الشخصية، مع المحافظة على الصلوات والعبادات والتقرب إلى الله للتغلب على الفوضى.

تعليق عبر الفيس بوك