دماء في المدرسة

 

د. إبراهيم بن سالم السيابي **

 

هذا ليس اسم لرواية أو مسرحية أو أحد الأفلام التي أنتجها صناع الأفلام في هيوليود، فهذه الدماء الزكية التي أريقت في مدرسة التابعين في حي الدرج وسط مدينة غزة، هذه الدماء دماء حقيقية لأكثر من 100 شهيد وعشرات الجرحى، بعد أن قصفت قوات الإجرام والاحتلال المكان الذي يؤوي أكثر من 250 نازحًا والهاربين من جحيم حرب الإبادة التي تستهدف المدنيين الأبرياء العُزل، الذين لا حول لهم ولا قوة ولا يجدون أي ملجأ؛ حيث يلاحقهم المجرمون الصهاينة في كل مكان.

أشلاء الجثث المتفحمة أمام مرأى العالم، كانت تملأ أنحاء المدرسة، وحتى الجرحى لم يجدوا مكانًا لكي يُداووا فيه جراحهم، بعد أن خرجت معظم المستشفيات في قطاع غزة من الخدمة، إما بسبب الاستهداف أو الهدم أو بسبب عدم وجود الحد الأدنى من متطلبات الإسعاف من أدوية ومستلزمات طبية؛ بل إن الكثير منها دون كهرباء أو مياه.

أي إجرامُ أشد من هذا الإجرام وأي وحشية أكبر من ذلك؟ وما هو تعريف الإرهاب الذي يتحدثون عنه إذا كان غير هذا!! أين الضمائر في هذا العالم وأين الإنسانية؟ إنه قتل مع سبق الإصرار والترصد للأطفال والشيوخ والنساء العزل، لم يحصل ربما في التاريخ كله، هي حرب إبادة مستمرة أمام مرأى ومسمع العالم منذ 11 شهرًا؛ حيث وصل عدد الشهداء قرابة 40 ألف شهيد وعشرات الآلاف من المصابين والمفقودين تحت الأنقاض.

أيها الأحرار في هذا العالم لماذا صارت ألسنتكم هذه المرة بكماء وآذانكم صماء وعيونكم عمياء عن هذه الأفعال، فعندما نُعِتَ المسلمون بـ"الإرهاب"، سيَّرتُم جيوشًا بأكملها لمُحاربة ما يسمى "الإرهاب"، فأين جيوشكم هذه المرة لمواجهة هذا الإرهاب الفاضح والواضح وكل هذه الجرائم الوحشية التي تُرتكب؟ أين هي جيوش تحالفكم لكي تردع هذا الكيان الصهيوني الغاصب؟ أم إن جيوش تحالفكم فقط تسير على أفغانستان والعراق، أم إن حلفكم المسمى بحلف شمال الأطلسي لا يفرض حظر الطيران ولا يقصف إلّا ليبيا؟!

لن ينساكم التاريخ وسوف يُسجل أنكم كنتم ترقصون وتغنون وتوزعون ميدالياتكم الذهبية، بينما جثث أطفال غزة تُجمَع في أكياس بلاستيكية.

لن ينساكم التاريخ وأنتم تحتفلون وتوزعون الحلوى والمشروبات في حفل ختام ما يسمى بالأولمبياد الذي من المفترض بمثل هذا التجمع الرياضي أن يجمع العالم على إفشاء روح السلام بين الشعوب، بينما أطفال غزة يموتون من الجوع والعطش والمرض.

لا أدري كيف تطالبون في المستقبل أهل غزة أن ينسوا ما فعلتم بهم؛ بل كيف تطالبون أي مسلم في قلبه ذرة من الإيمان أن ينسى خذلانكم، علاوة على أنَّ البعض منكم يساند ويشجع هذا الإجرام..

سيأتي يوم تندمون على سكوتكم وعلى غياب ردة أفعالكم، فقد فُضِحْتُم وبانت سوآتكم، وما كنتم تروجونه عن الإنسانية والعدالة والحرية بريء منكم كبراءة الأطفال الذين أُريقت دماؤهم في مدرسة التابعين في حي الدرج بوسط غزة، فتلقوا القنابل والقذائف بدلًا من أن يتلقوا العلم والمعرفة، وبدلًا من أن تكتب الأقلام عن الأمل والمستقبل، كَتَبَتْ بدمائهم عن الغدر والخيانة. هذه الدماء الطاهرة ستطاردكم وفي رقابكم، أحياءً كنتم أو موتى، وليس ذلك على الله بعزيز.

أما أنتم أيها العرب والمسلمون فسأكتفي بقول الشاعر معروف الرصافي:

يا قومُ لا تتكلموا إنَّ الكلامَ محَرّمُ // ناموا ولا تستيقظوا ما فاز إلا النوّم

** خبير في الشؤون المالية

تعليق عبر الفيس بوك