مرتضى بن حسن بن علي
من يقود الآخر: هل السياسة تقود الاقتصاد أم الاقتصاد يقود السياسة؟
أُثير هذا السؤال في "السبلة الاقتصادية" المُهتمة بمُناقشة القضايا الاقتصادية. والسؤال يطرح نفسه وإعادة طرحه بسبب التحديات والرهانات المرتبطة بالسياق العالمي، فهو السؤال "القديم الجديد" الذي يُطرح باستمرار.
السياسة والاقتصاد هما المحددان للحياة السياسية والاقتصادية في أي بلد وفي كل زمان؛ لأن المُتغيِّرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعلمية والتكنولوجية، تفرض هذا السؤال، وكلاهما منتجان خالصان للثقافة السائدة والتعليم في أي بلد. والفاعلون الاقتصاديون والسياسيون يمثلون مخرجات الأنظمة التربوية والتعليمية والثقافية والاجتماعية؛ لذلك يبقى إصلاح الأنظمة التربوية والتعليمية والثقافية والاجتماعية، من المداخل المهمة للعلاقة السوية بين الاقتصاد والسياسة في أي بلد.
من ناحية، يمكن القول إن السياسة تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد، وإن الحكومات والمؤسسات السياسية تحدد السياسات والإجراءات والاستراتيجيات والخطط التي تتخذها لتحقيق أهدافها الاقتصادية، وبالتالي يمكن القول إن السياسة تحكم الاقتصاد.
ومن ناحية أخرى، يؤثر الاقتصاد على القرارات السياسية بدرجات متفاوتة؛ حيث إن الأحداث الاقتصادية والتغييرات في سوق العمل والتجارة ونسب التضخم تؤثر على القرارات الحكومية والمؤسسات السياسية. وبذلك يمكن القول إن الاقتصاد يقود السياسة.
وبشكل عام، فإن الأمر يعتمد على الظروف والسياقات المحلية والإقليمية والعالمية، ولا يمكن الجزم بأن السياسة تحكُم الاقتصاد أو أن الاقتصاد يحكم السياسة في كل الأحوال.
الاقتصاد هو دراسة كيفية إدارة الموارد المحدودة لتلبية الاحتياجات والرغبات البشرية غير المحدودة، ودراسة الإنتاج والتوزيع والتبادل والاستهلاك للسلع والخدمات، ويشمل أيضًا العديد من المجالات الفرعية مثل اقتصاد الشركات والبنوك والشركات المساهمة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتمويل والاقتصاد الدولي والتنمية الاقتصادية وغيرها. والاقتصاد السياسي، هو فرع الاقتصاد الذي يدرس التفاعل بين العوامل الاقتصادية والسياسية في المجتمع ويهتم بدراسة كيفية تأثير السياسات الحكومية على المجتمع وعلى النظام الاقتصادي والمالي والعكس صحيح، كما يدرس التفاعل بين القوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع، ودراسة العلاقة بين الدول والمؤسسات المالية والاقتصادية والمنظمات الدولية والشركات الكبرى والتأثيرات التي يمكن أن تحدثها القرارات السياسية على الاقتصاد المحلي، وتأثير السياسات الاقتصادية والمالية على الفقر والتمييز والتوزيع العادل للثروة، وأثر الابتكار العلمي والتكنولوجي على الاقتصاد وسوق العمل وغيرها من المواضيع.
أما السياسة، فهي عملية صنع القرارات التي تتعلق بتنظيم المجتمع وتوجيهه وإدارته، وتشمل السياسة أيضًا تحديد الأهداف والأولويات ووضع الخطط والاستراتيجيات والبرامج والسياسات التي تسعى إلى تحقيق هذه الأهداف، إضافةً إلى تحديد السياسات العامة والقوانين واللوائح التي تحكم سلوك المواطنين والمؤسسات في المجتمع، وتحليل الوضع الراهن والاستشراف المستقبلي، وتطوير إستراتيجيات للتعامل معها، وتحديد الأولويات في توزيع الموارد والخدمات العامة، وتحديد السياسات الخاصة بالعلاقات الدولية والتعاون الدولي.
والسياسة التنموية في أي بلد هي علم وفن إدارة الموارد المختلفة، الموارد الاقتصادية والجغرافية والأثرية والسياحية والتعليمية، بحيث تحقق للدولة آمنها واستقرارها ورفاهيتها وتقدمها داخل حدودها ومصالحها خارج حدودها.
والعلاقة بين السياسة والاقتصاد علاقة وثيقة؛ إذ إنَّ القرارات السياسية التي تتخذها الحكومات تؤثر على النظام الاقتصادي والمالي في الدولة. فعلى سبيل المثال، يمكن للحكومة أن تتخذ قرارات تتعلق بالضرائب المختلفة والإنفاق العام، لكن بشرط إجرائها دراسات مستفيضة لمعرفة مدى تأثيرها على جذب الاستثمارات المختلفة والأعمال وفرص العمل والتضخم وهروب الأموال والودائع من البنوك، وتحديد السياسات التجارية والتي قد تؤثر على التجارة الدولية وتبادل الخدمات والسلع، وبذلك تساهم في تحسين الأوضاع الاقتصادية في الدولة وفي نفس الوقت يمكن أن تؤثر على أسواق العمل والأعمال.
الحكومات تقوم أيضًا بتحديد السياسات النقدية والتي تؤثر على قيمة العملة ومعدلات الفائدة، وهذا يمكن أن يؤثر على التضخم والنمو الاقتصادي في الدولة، ومن ناحية أخرى، في بعض الدول، يمكن للشركات والأفراد أن يؤثّروا على السياسات الحكومية من خلال التأثير على عمليات الانتخابات والضغط السياسي، وهذا يمكن أن يؤدي إلى تغييرات في السياسات الحكومية التي تؤثر على الاقتصاد سلبًا أو إيجابًا. وعلى الحكومات أن تتخذ القرارات بحذر وبعناية لضمان استقرار النظام الاقتصادي في دولها تسبقها دراسات مختلفة وبعد الحوار مع الجهات المعنية.
السياسة والاقتصاد يؤثران على العديد من المجالات الأخرى، مثل التوظيف والتعليم والصحة وغيرها؛ فعلى سبيل المثال يمكن للحكومات أن تتخذ سياسات لدعم التعليم والتدريب الفني والمهني. وهذا يُمكِن أن يؤدي إلى زيادة فرص العمل وتحسين مستوى الدخل في الدولة، وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للحكومات أيضًا تحديد السياسات الصحية والتي يمكن أن تؤثر على جودة الحياة والإنتاجية في المجتمع وإلى تحسين الظروف المعيشية وزيادة التنافسية في السوق.
ومنذ الأزل، والإنسان يسعى لتلبية حاجاته وإشباع رغباته في ظل موارده المحدودة، وكان ذلك السبب الرئيسي لظهور علم الاقتصاد. وعلم الاقتصاد يهدف إلى محاولة التوفيق بين تعدد المتطلبات والحاجات وكثرة الرغبات من جهة، ومحدودية الموارد من جهة أخرى، على مختلف المستويات الفردية والمجتمعية؛ فالموارد المحدودة لإشباع الحاجات هي محدودة بالمقارنة مع الحاحات غير المحدودة التي يرغب الأفراد بأشباعها والذي أدى إلى نشوء المشكلة الاقتصادية.
مُشكلة الفقر والحاجة لازمت الإنسان منذ الأزل، والإنسان لا يشعر بمشكلة الفقر إلّا تدريجيًا مع ازدياد حاجاته ومتطلباته الضرورية تبعًا لدرجة تطوره وتقدمه؛ فالإنسان القديم رغم نقص وقلة موارده المتاحة لم يكن يشعر بمشكلة الفقر والعوز بسبب قلة حاجاته وتطلعاته، لذا مشكلة الفقر نسبيةٌ، تختلف مع اختلاف الزمان والمكان.
والمشكلة الاقتصادية تكمن في عدم قدرة الحكومات على تلبية حاجات أبناء المجتمع غير المحدودة والمتجددة باستمرار، بسبب ندرة الموارد الاقتصادية بشكل نسبي؛ حيث تكون الكميات المتوفرة من مورد ما كبيرة نوعًا ما، ولكن يُعد موردًا نادرًا عند قياسه بالرغبات البشرية التي ينبغي إشباعها.
فعدم تساوي الحاجات من حيث أهميتها في نظر الأفراد، يتولَّد عنه ضرورة المفاضلة في استعمالاتها لإشباع حاجة أخرى. والمفاضلة ليست من الأمور البسيطة، خاصة إذا لم يتيسر معرفة تبديل وتغيير رغبات الأفراد. والحكومات عندما تُواجه قيودًا في الميزانية والموارد، فإنها تواجه المشكلة الاقتصادية في تحديد كيفية توزيع هذه الموارد بين مختلف القطاعات والبرامج.
ومن الممكن التعامل مع المشكلة الاقتصادية من خلال استخدام مبادئ الاقتصاد والتخطيط الجيد لتحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة من خلال اعتماد الأسلوب العقلاني من الحكومات، لتحليل وفهم المشكلات.ومن ثم تحديد أسبابها وأبعادها وعناصرها والتفاعل بين تلك العوامل وما ينجم عنه من آثار سلبية أو إيجابية. وذلك أسلوب من أساليب التخطيط الشاملة والمُتكاملة.
الحكومات يمكنها استخدام سياسات اقتصادية مثل التحفيز الضريبي أو الإنفاق العام لتحسين توزيع الموارد. والحكومات تحاول التعامل مع المشكلة الاقتصادية وتخفيف آثارها، ولكنها لا تتمكن من حلها بشكل كامل ومن جذورها، نظرًا لطبيعة محدودية الموارد.
وبالتالي.. ستظل هناك دائمًا حاجة مُستمرة لإدارة الموارد بحكمة وفعالية. وترى الأنظمة الاقتصادية المختلفة رأسمالية أو اشتراكية أو مختلطة ضرورة إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية تبعًا لوجهة نظر كل منها. والحكومات تتمكن من تقليل تأثيراتها سواء على المستوى الفردي أو الشركات من خلال إدارة فعَّالة ومستدامة للموارد المتاحة واتخاذ قرارات مالية واقتصادية ذكية وإدارة فعّالة وموضوعية للموارد المتاحة.