عبدالنبي العكري
للمرة الثالثة، تُصدر محكمة العدل الدولية قرارًا يتعلق بفلسطين كضحية للكيان الصهيوني الغاصب. كانت المرة الأولى عندما طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة رأي المحكمة الاستشاري في قيام "إسرائيل" بإقامة جدار الفصل العنصري على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي 9 يوليو 2004 صدر الرأي الاستشاري للمحكمة وقضى ببطلان إقامة الجدار ومخالفته للقانون الدولي وطالبت "إسرائيل " بإزالته من كل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية وتعويض المتضررين من بناء الجدار. وطالبت دول العالم بعدم الاعتراف بالوضع غير القانوني الناجم عن بناء الجدار ودعت الجمعية العامة ومجلس الأمن إلى النظر في أية إجراءات أخرى لإنهاء الوضع غير القانوني للجدار. وكما هو متوقع لم تستجب "إسرائيل" لحكم المحكمة ولم تتخذ الأمم المتحدة والمجتمع الدولي أيَّة إجراءات لإجبارها على ذلك وهاه و الجدار قائم بل استمرت "إسرائيل" بتعزيزة وإقامة مزيد من الحواجز ومصادرة الأراضي الفلسطينية على جانبيه.
أما المرة الثانية، فتتمثل في الدعوى التي أقامتها جمهورية جنوب إفريقيا ضد "إسرائيل" في 29 ديسمبر 2023 لممارستها مجموعة من الجرائم في حربها ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وحصارها للقطاع وإعاقتها للإغاثة؛ ومنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية. وطالبت بوقف فوري لعملياتها العسكرية وما يرافقها من حصار وإعاقة أعمال الإغاثة. وقد عقدت المحكمة جلستي استماع بتاريخ 11و12-1-2024. لكن "إسرائيل" لم تستجب لقرار المحكمة بتاريخ 16-1-2024 بالقيام بإجراءات طارئة بوقف الحرب وإنهاء الحصار وضمان الإغاثة حتى يتم الفصل في الدعوى الأساسية المتعلقة بالإبادة الجماعية "الإسرائيلية" للشعب الفلسطيني. كما لم تستجب لقرار المحكمة بناءً على طلب جنوب إفريقيا ثانية بوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في رفح بقطاع غزة، والتي جرت المرافعة بشأنها في جلستي المحكمة في 16و 17-5-2024 ومرة أخرى لم تستجب "إسرائيل " لقرار المحكمة وهاه ي مستمرة في حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني.
أما المرة الثالثة، فهي عندما تقدم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيرش بطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة لمحكمة العدل الدولية بإعطاء رأيها الاستشاري حول مدى شرعية استمرار الاحتلال "الإسرائيلي " لأراضي فلسطين منذ 5 يونيو 1967، والتغييرات التي أحدثتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتركيبتها السكانية وممارسة الفصل العنصري ضد السكان الأصليين الفلسطينيين.
وفي 30 ديسمبر 2022، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة استنادا للمادة 65 من نظام المحكمة والمادة 96 من ميثاق الاممم المتحدة، قرارا يطلب من محكمة العدل الدولية إصدار رأي استشاري بشأن "العواقب القانونية الناشئة عن سياسات إسرائيل وممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية"، ويتعلق ذلك بالاحتلال الطويل الأمد للأراضي الفلسطينة منذ 1967.
وفي 17 يناير 2023 وبناءً على هذا القرار، تقدم الأمين العام واستنادا للمادة 65 فقرة 1 من نظام المحكمة ومفادها: "جواز أن تصدر المحكمة فتوى في أية مسألة قانونية من قبل أي هيئة مخولة بناءً على طلب أو طبقا لميثاق الأمم المتحدة". وكذلك المادة 96 فقرة 1 من ميثاق المتحدة والذي ينص على "يمكن للجمعية العامة أو مجلس الأمن أن تطلب من محكمة العدل الدولية في أية مسألة قانونية". وبناءً عليه سجل مقرر المحكمة الطلب بتاريخ 19 يناير 2023، وإحالة للمحكمة التي قبلته. وتبعًا لذلك أخطرت المحكمة الدول الأعضاء كاملي العضوية والمراقبين (دولة فلسطين مثلا) في الأمم المتحدة بحقهم في تقديم مرافعات مكتوبة والإدلاء بمرافعات شفهية بشأن الأسئلة التي سيتم إصدار رأي استشاري بشأنها.
القضايا التي طلبت الجمعية العامة للأمم المتحدة رأي المحكمة الاستشاري فيها هي:
1- ما هي التبعات القانونية "الناشئة عن انتهاك إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وعن احتلالها طويل الأمد للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 واستيطانها وضمها لها، بما في ذلك التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديمغرافي لمدينة القدس الشريف وطابعها ووضعها، وعن اعتمادها تشريعات وتدابير تمييزية في هذا الشأن..
2- كيف تؤثر ممارسات إسرائيل المذكورة في السؤال الأول على الوضع القانوني للاحتلال وما هي التبعات القانونية لهذا الوضع على كافة الدول والأمم المتحدة.
وبناءً على ذلك؛ فقد كلف الأمين العام للأمم المتحدة الدائرة القانونية للأمم المتحدة لجمع وثائق الأمم المتحدة المتعلقة بممارسات الاحتلال "الإسرائيلي" في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ يونيو 1967 والتي تجاوزت 57 ألف صفحة وشملت قرارات ومحاضر ومداولات منظمات الأمم المتحدة وأهمها الجمعية العامة ومجلس الامن ومجلس حقوق الانسان ووكالات الأمم المتحدة، وخصوصا الأونروا والمنظمات الدولية وتقارير كبار المسؤولين الأممين ومنهم أمناء العموم ورؤساء الجمعية العامة والمفوضون الساميون لحقوق الانسان وتقارير المبعوثين الخاصين ولجان التحقيق والمقررين الخاصين ومقرري الاتفاقيات التعاقدية والوثائق المقدمة للهيئات الدولية من قبل مختلف الدول بهذا الخصوص.
وطلبت المحكمة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تقديم مرافعاتهم المكتوبة للمحكمة بما لا يتجاوز 31 يوليو 2023، فيما استمعت المحكمة في جلسات علنية خلال 19-26 فبراير 2024 إلى مرافعات شفهية لـ52 دولة في حين خصصت 3 ساعات لمرافعة وفد دولة فلسطين إضافة لمرافعات منظمات دولية كالجامعة العربية والاتحاد الافريقي والمؤتمر الإسلامي.
وقد استغرقت المحكمة في مراجعتها ومداولاتها للقضية سنة ونصف وصدر بعدها الرأي الاستشاري للمحكمة بأغلبية كبيرة للقضاة وأعلنت في جلسة علنية حضرها الوفدان الفلسطيني و"الإسرئيلي" ودول ومنظمات أخرى في 19 يوليو 2024 والذي يغطي 80 صفحة باللغتين الإنجليزية وهي المرجعية والفرنسية وقرأه رئيس قضاة المحكمة القاضي نواف سلام واستغرق ساعة تقريبا وجاء فيه:
طالبت محكمة العدل الدولية، "إسرائيل" بوضع حدٍّ لاحتلال الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 5 يونيو 1967 وتشمل الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة، داعية إلى إنهاء أي تدابير تسبب تغيرا ديموغرافيا أو جغرافيا.
وقالت المحكمة الدولية إن رأيها يعتمد على فرضية أن الأراضي الفلسطينية هي أراض تحت الاحتلال بمقتضى الخطوات "الإسرائيلية" منذ 1967.
وقال رئيس المحكمة: "إن الشعب الفلسطيني المعترف بة لة الحق في تقرير مصيره، وإن الأراضي الفلسطينية المحتلة تمثل أراضي ذات وحدة وتواصل وسيادة يجب احترامها". ودعت المجتمع الدوليّ للتعاون من أجل تطبيق ذلك والامتناع عن تقديم أي دعم لإسرائيل كقوة احتلال.
وقالت المحكمة إن سياسات إسرائيل الاستيطانية واستغلالها للموارد الطبيعية في الأراضي الفلسطينية، تمثل انتهاكا للقانون الدولي. وأكدت أن استمرار وجود "إسرائيل" في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني، وأنها ملزمة بإنهاء وجودها فيها بأسرع وقت ممكن. وأشارت المحكمة إلى أن إسرائيل سرّعت من إنشاء مستوطنات جديدة في الضفة الغربية والي بلغت في أكثر من 24 ألف وحدة استيطانية، مؤكدة أن عليها وقف جميع الأنشطة الاستيطانية الجديدة في الضفة الغربية.
مستندات المحكمة
استندت المحكمة في رأيها الاستشاري لمعاهدات دولية مهمة:
1- خلافا لمسؤؤليات "إسرائيل" كدولة محتلة لفلسطين تجاة الشعب الفلسطيني المحتل من حيث تامين مصالحة وحرياتة وان الاحتلال مؤقت ولأسباب عسكرية ويتوجب انهاء الاحتلال بأسرع مايمكن واعداد الشعب المحتل لتقرير المصير وذلك بموجب اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وميثاق الأمم المتحدة، فإن "إسرائيل" عملت لاخضاع الشعب الفلسطيني وتفتيت وحدته الترابية وتهويد الأراضي الفلسطينة المحتلة, وبذى فانها تمنع الشعب الفلسطيني من حق تقرير المصير.
2- قيام "إسرائيل" بتنفيذ سياسة الاستيطان" للاسرائيليين" بإقامة المستوطنات على حساب السكان الأصليين الفلسطينين من خلال الاستيلاء على الأراضي والمزارع والبيوت واجبار الفلسطينين بالقوة على تركها وكذلك تدمير مساكن ومزارع وممتلكات الفلسطينين وتهجيرهم داخل فلسطين المحتلة والى خارجها وتحويلهم الى لاجئين خلافا للمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة.
3- الضم الفعلي للمناطق التي تقوم عليها المستعمرات للمستوطنات (المستعمرات) "بتطبيق القوانين الإسرائيلية" الاعتيادية عليها وضمها لمنظومة "إسرائيل" القانونية والسياسية، في حين تطبق القوانين "الاسرائيلية" العسكرية القمعية على الفلسطينيين بدلا من القوانين السائدة قبل الاحتلال خلافا لميثاق الأمم المتحده، واتفاقيات جنيف، ولاتفاقية لاهاي المادة 43.
4- تمارس "إسرائيل" سياسة الفصل العنصري والتمييز العنصري ضد الفلسطينين وتحرمهم من مواردهم الطبيعية وحقوقهم الانسانية خلافا لاتفاقيات الأمم المتحدة المناهضة للتمييز والمؤكدة لهذة الحقوق.
5- هدم بيوت الفلسطينين كعقاب للمنخرطين في المقاومة او بحجة عدم الحصول على رخصة بناء وااتسبب في حرمانهم من المأوى، وكذلك مصادرة بيوت الفلسطينين واعطائها للمستوطنين "الإسرائيليين" ويترتب علية تهجير الفلسطينيين، وخلق تغيير ديموغرافي وتفتيت الشعب الفلسطسني وأرضه.
6- إعاقة تنقل الفلسطينيين وتواصلهم من خلال إقامة بوابات التفتيش والسيطرة على الطرق وفرض بطاقات تحد من حرية التنقل وتجعل التجمعات الفاسطينية جزرا معزولة.
7- فشل "إسرائيل" في منع المستوطنين "الإسرائيليين" من استخدام للقوة والعنف المفرط ضد الفلسطينيين مما يؤدي الى القتل والتهجير ومصادرة أراضيهم وبيوتهم بل ان القوات الاسرائيلية توفر الحماية للمستوطنيين في ارتكاب جرائمهم.
النقاط الرئيسية في رأي المحكمة
- يعتبر الوجود الإسرائيلي المستمر في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني.
- يجب على إسرائيل إنهاء وجودها في الأراضي المحتلة في أسرع وقت ممكن.
- يجب على إسرائيل أن توقف فورا التوسع الاستيطاني، وأن تقوم بإجلاء جميع المستوطنين من المناطق المحتلة.
- مطلوب من إسرائيل تقديم تعويضات عن الأضرار التي لحقت بالسكان المحليين والشرعيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة للافراد وذوي الشخصيات الاعتبارية.
- من واجب المجتمع الدولي والمنظمات الدولية عدم الاعتراف بالوجود الإسرائيلي في المناطق المحتلة كوجود قانوني وتجنب دعم استمراره.
- يجب على الأمم المتحدة أن تنظر في الإجراءات الضرورية لإنهاء الوجود الإسرائيلي في المناطق الفلسطينة المحتلة في أسرع وقت ممكن.
رد الفعل على حكم المحكمة
رغم أن رأي المحكمة استشاريًّا، إلا أنه أثار ردود فعل قوية لدى أطراف الصراع واصداء عالمية واسعة لما لة من تبعات سياسية وقانونية، وقد تباينت ردود فعل ومواقف الدول والمنظمات الاقليمية والدولية الرسمية والحقوقية من الحكم كما هو متوقع وكما يلي:
1- إسرائيل: استبقت "إسرائيل" قرار المحكمة المتوقع قبل يوم واحد في 18 يوليو 2024 بتصويت الكنيست بأغلبية 68 صوتا "يرفض إقامة دولة فلسطينية في غرب نهر الأردن باعتبار ان مثل هذة الدولة ستشكل خطرا وجوديا على دولة " إسرائيل" ومواطنيها " وبذى أحبطت الراي الاستشاري للمحكمة بمطالبتها بانهاء احتلالها للاراضي الفلسطينية المحتلة منذ.1967".
بعد صدور الحكم، هاجم كبار القادة والمسؤولين الإسرائيليين -سواء في الحكم أو المعارضة- الرأيَ الاستشاري للمحكمة التي اتهموها بمعاداة "إسرائيل" والسامية واليهود ورفضهم القاطع للاستجابة له، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنتياهو الذي صرح "أن الشعب اليهودي لا يمكن اعتباره محتلا لوطنه التاريخي". "ولن يشوه أي قرار خاطئ في لاهاي هذه الحقيقة التاريخية. وكذلك لا يمكن الطعن في مشروعية المستوطنات "الإسرائيلية" في جميع أراضي وطننا". وقال وزير الأمن "الإسرائيلي" ايتمار بن غفير: "ان قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي يثبت للمرة الالف ان هذه منظمة سياسية ومعادية للسامية بشكل واضح". أما وزير المالية بتسليل سموتريتش، فقال: "إن الاجابة عن قرار محكمة لاهاي هو فرض السيادة الاسرائيلية على الضفة الغربية الآن". كما شمل الرافضين لقرار المحكمة رئيس الدولة إسحق هيرتزوج وزعيمي المعارضة يائير ليبيد وجانتس ورئيس الكنيست امير أوحانا.
2- فلسطين: أشادت دولة فلسطين بالرأي الاستشاري التاريخي الذي أصدرته محكمة العدل الدولية وتطالب بالزام إسرائيل بتنفيذه. وقد رحبت به جميع فصائل المقاومة (فتح، وحماس، والجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، وباقي الفصائل) وكذلك المجلس الوطني الفلسطيني وهيئات حقوقية ومدنية فلسطينية، مطالبة المجتمع الدولي بإلزام "إسرائيل" بتنفيذه.
3- مواقف مختلف الدول: رحبت غالبية الدول بالرأي الاستشاري للمحكمة ومنها الدول العربية التي دعت المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لتنفيذه. كما رحب به مفوض الشؤون الخارجية للاتحاد الأوربي جاك بوريل، مؤكدا أنه ينسجم الى حد كبير مع مواقف الاتحاد الاوربي، ولكن لم يصدر بذلك قرار من مجلس الاتحاد الأوربي ذاته وما يترتب على ذلك. كما رحبت به معظم دول العالم (147 دولة) التي صوتت في 10 مايو 2024 لقبول فلسطين كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة وبعضها مثل ايرلندا واسبانيا والنرويج وكولمبيا وبوليفيا اعترفت بدولة فلسطين. ومن الدول الكبرى المؤيدة: الصين وروسيا التي طالبت بتنفيذ بنود الراي الاستشاري للمحكمة.
وخلافا لذلك، فقد عمدت الولايات المتحدة إلى رفض الرأي الاستشاري للمحكمة في تصريح لمتحدث باسم الخارجية الأمريكية جاء فيه: "ينتابنا الشعور بالقلق من ان اتساع نطاق راي المحكمة سيعقد الجهود الرامية لحل الصراع وتحقيق السلام العادل والدائم والمتمثل في وجود دولتين تعيشان جنبا الى جنب في سلام وامن"، وهو ذات المنطق في رفضها لقرارات المحكمة السابقة بشأن فلسطين. وتؤكد مواقف مؤسسات الحكم وقيادات الدولة والمجتمع في تسابقها لدعم الكيان الصهيوني اثناء زيارة مجرم الحرب نتنياهو للولايات المتحدة وعن دعمها المطلق "لإسرائيل" في رفض الحكم وإجهاضه. كما أن عددا من الدول الداعمة لـ"إسرائيل" امتنعت عن الادلاء برأيها او تحفضها على الراي الاستشاري للمحكمة في تواطؤ مشين.
4- أعلن عدد من المنظمات الاقليمية والدولية مثل جامعة الدول العربية والاتحاد الافريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي وعدد من المنظمات الحقوقية العربية والاقليمية والدولية عن تأييدهم للراي الاستشاري للمحكمة ومطالبة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالعمل لاجبار "إسرائيل" لتنفيذه.
5- الأمم المتحدة: أعلنت الأمم المتحدة "ان الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جيتيرش سيحيل على الفور الراي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الى الجمعية العامة للأمم المتحدة والامر متروك للجمعية العامة لتقرر كيفية المضي قدما في الامر". ومن المتوقع ان يناقش الراي ألاستشاري للمحكمة في اجتماع الجمعية العامة الاعتيادي في سبتمبر 2024.
أهمية القرار
تاتي اهمية هذا القرار في أنه يأتي بعد 76 عاما من قيام دولة "إسرائيل" استنادا لقرار التقسيم للأمم المتحدة بعد احتلاها لـ78% من فلسطين بدلا من 52% وتهجير نصف سكانها اثر النكبة في 1948 وبعد 57 عاما من احتلالها لما تبقى من فلسطين وتهجيرها لاعداد كبيرة من سكانها؛ فلأول مرة تعتبر اعلى محكمة دولية وهي محكمة العدل الدولية ان الاحتلال "الإسرائيلي " للأراضي الفلسطينة منذ 1967 غير شرعي ويتوجب عليها الانسحاب منها، علما بأن المحكمة لاتعتبر الأراضي الفلسطينة التي احتلت حتى هدنة 1949 كاراض محتله.
كما يحمل القرار تبعات قانونية وسياسية كبيرة، خاصة على خلفية حرب الابادة "الاسرائيلية" للشعب الفلسطيني في غزة وباقي فلسطين المحتلة وعلى حلفاء المقاومة الفلسطينية، وتصاعد الرأي العالمي المناهض لاستمرار إسرائيل فيها. وهو إلى جانب ذلك يقوض حجج إسرائيل الأساسية بشأن طبيعة علاقتها بالاراضي الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزه) باعتبارها جزءا من ارض "إسرائيل" التاريخية، ودعوى حق الدفاع النفس او الخطر الوجودي الذي يهدد "إسرائيل" لتبرير حروبها واحتلالها الاستيطاني واعتداءاتها على الشعب الفلسطيني وعلى الدول العربية وكذلك اعتداءاتها على الدول المناصرة لفلسطين.
تنبع أهمية القرار مما يلي:
1- انه يعطي الشرعية للشعب الفلسطيني لمقاومة الاحتلال "الإسرائيلي" بكل الوسائل بما فيها الكفاح المسلح انطلاقا من مبادئ وميثاق الأمم المتحدة بحق الشعوب في مقاومة الاحتلال.
2- انه يدعو مختلف دول العالم لعذم تاييد الاحتلال والإجراءات الاسرائيلية وبالتالي يطرح ضمنا الضغط على "إسرائيل" لاجبارها على الامتثال لراي المحكمة الاستشاري وهذا يشمل بالطبع وقف الدعم العسكري والأمني بما في ذلك الاسلحة والذخائر لجيش الاحتلال "الإسرائيلي" وقوى الامن التي تفرض الاحتلال الإسرائيلي بالقوة وسياساتة في الأراضي الفلسطينية المحتله. وكذلك ايقاف الدعم السياسي والاقتصادي والدبلوماسي "لإسرائيل" في احتلالها للأراضي الفلسطينيه.ووقف أي تعامل مع المستوطنات "الاسرائيلية" وعدم دعم المشاريع الاستيطانية.
3- تشجيع مختلف الدول للاعتراف بدولة فلسطين كدولة مستقلة ذات سيادة ودعمها لإجلاء الاحتلال "الاسرائيلي".
4- إحالة قرار المحكمة الاستشاري إلى الأمم المتحدة، وخصوصا الجمعية العامة ومجلس الامن لاتخاذ إلاجراءات اللازمة لتفيذه؛ بما في ذلك استناد مجلس الامن على الفصل السابع الذي يخول أعضاء مجلس الامن باستخدام القوة لتنفيذ قراراته.
ماذا سيترتب على الرأي الاستشاري للمحكمة؟
عمدت "إسرائيل" إلى رفض القرار حال صدورة بل واتهمت محكمة العدل الدولية بمعاداة "إسرائيل" واليهود والسامية، بل إنها اتخذت إجراءات مضادة حيث صدر قرار من الكنيست "الإسرائيلي" برفض قيام دولة فلسطينية وسبق ذلك قرر اعتبار الاونروا منظمة ارهابية ووقف التعاون معها وتجريد العاملين فيها من حصانتهم. كما أن مندوب "إسرائيل" في الأمم المتحدة هدد بأن تعمد "إسرائيل" اغلاق مكاتب الأمم المتحدة في القدس المحتلة ومنع موظفيها وممثليها من الدخول والاقامة في" إسرائيل " والأراضي الفلسطينية المحتلة ووقف التعاون معها.
كما أن الموقف "الإسرائيلي" مدعوم من قبل الولايات المتحدة بشكل علني ومدعوم عمليا من قبل المنظومة الغربية وتعاطي عملي للعديد من الدول مع الكيان الصهيوني بمن فيهم دولا عربية تربطها علاقات تعاون مع "إسرائيل " وتواطئ وعجز المجتمع الدولي عن فرض قراراته ووفرض القانون الدولي على "إسرائيل".
رغم ذلك، فإن صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية يسهم في دعم نضال الشعب الفلسطيني المشروع ودعم الحراك العالمي، وخصوصا الحركة الاحتجاجية التي تجتاح اوربا وأميركا والعديد من بلدان العالم دعما للقضية الفلسطينة والمطالبة بوقف حرب الابادة "الاسرائيلية" ضد الشعب الفلسطيني ومعارضة الاحتلال "الإسرائيلي" لفلسطين ومطالبة دول الغرب بقيادة الولايات المتحدة بوقف دعمها العسكري والسياسي والاقتصادي والدبلوماسي "لإسرائيل" واحباطها للشرعية الدولية والقانون الدولي؛ وذلك من خلال:
* تأكيد لا شرعية الاحتلال "الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة والتشريعات "الاسرائيلية " التي تفرضها والضم الفعلي للأراضي الفلسطينية وممارسة جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وجرائم الابادة الجماعية للشعب الفلسطيني والفصل العنصري والتمييز ومنعة من حق تقرير المصير.
* شرعية المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال "الإسرائيلي" غير الشرعي بموجب لقانون الدولي ,ودعوة الدول لوقف دعم "إسرائيل" في احتلالها للأراضي الفلسطينية منذ 1967وبالمقابل دعم المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني في مقاومتة للاحتلال "الإسرائيلي " وتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة واقامة الدولة الفلسطينة المستقلة ذات السيادة الكاملة والديمقراطية لجميع مواطنيها دون تمييز.
* دعوة الدول للاعتراف بدولة فلسطين ودعمها في مقاومة الاحتلال "الإسرائيلي" لتحقيق الاستقلال والسيادة الكاملة لدولة فلسطين.
* دعوة الأمم المتحدة والدول الأعضاء للعمل على تنفيذ حكم المحكمة.
وكون حكم المحكمة مهم وذات تبعات كبيرة فاني انصح بالرجوع الى نص قرار المحكمة الكامل (80 صفحة) بالانجليزي من خلال موقع المحكمة وكذلك الدراسات الرصينة التي صدرت بعد صدور قرار المحكمة.