الفكرة ومحيطها

 

عيسى الغساني

الأفكار لا تنشأ من فراغ، بل هي نتاج تنشئة وتفاعل دائم بين الفرد والمجتمع والبيئة المحيطة، وبقدر حالة المجتمع الثقافية والفكرية ومنظومة القيم والمبادئ الأخلاقية المشتركة، تكون العلاقة جاذبة أو طاردة، وينشأ فراغ يسدُّ بأكثر القوى فاعلية في محيط التأثير والتأثر. وفي حياة الأفكار، تعدُّ التجارب الشخصية أكثر العناصر التي تسهم في بناء الأفكار، وفي العمر المبكر المناشط الاجتماعية رياضيًّا وفكريًّا ليست رفاها أو عبثًا بل تأسيس وتهذيب للإنسان السوي، وتنقية اللغة بالأدب الرفيع والهادف وإقصاء كلمات ومفردات وعبارات التباين والتفوق، تحت أي مسمي: منهجًا وتطبيقًا، لا يقل أهمية عن بناء معرفة العلوم بشتى جوانبها.

فالإنسان يُراقب العالم حوله ويلاحظ الأنماط والتفاعلات، فيقبل أو يرفض، وهذا القبول والرفض يولد أفكارًا جديدة؛ سواء في السياق الاجتماعي أو في مجال العلوم، فكل الاكتشافات والاختراعات كانت وليدة الملاحظة والتجربة. فالحياة الثقافية للمجتمع وبما ينتجه من روايات وقصص وشعر ونثر وكتب في العلوم الاجتماعية والطبيعية، تُشكل المعين الذي به تحيا المجتمعات وتتشكل، وعند غياب الحالة الثقافية المجتمعية ينشأ الفراغ الذي يُسدُّ بآخرين لهم رؤى وغايات تسخر الجميع لخدمتها؛ فحصانة الثقافة سد منيع لا يجب إغفاله وتركه بملف النسيان.

إنَّ حالة الوعي الإنساني حالة فكرية نشطة، وليست حالة خاملة؛ فالفكر لا يعرف الخمول، فهو لك أو لغيرك، وربما عندما يكون لغيرك يكون بدون وعي منك.

إنَّ حالة ترابط الأفكار بمحيطها ربما تتشكَّل في العقل اللاواعي عند غياب الحالة الفكرية والثقافية الصحية لمجتمع ما، إنَّ دراسة الحالة الثقافية وتقييمها ومن ثم تصحيحها إن اقتضى الأمر لهو رهان على الحاضر وبناء للمستقبل، فالنهوض حالة ثقافية دافعة تمضي للأمام وتكون في حالة تطور معرفي واستنارة وتنوير واعتراف بالنقص والقصور وسد مكامن الوهن التي تعيق الفرد بأن يقدم أفضل ما لديه، وهذه الحالة هي ثقة بالحاضر وأمل واثق بمستقبل مشرق، وبعبارة أخرى صناعة الأمل فبالأمل يحيا الإنسان، ويتَّقد ذهنه ووجدانه.

وفي منطق الأفكار لا توجد مشكلة بدون حل، إذا ما استنفرت خزائن الأفكار، فكلنا مودعون لنقرأ ونكتب ونبدع لوحة أو لحنا عذبا أو برنامجا تقنيا، فهل نقرأ لكي لا نسلِّم أنفسنا للجهل بمحض إرادتنا؟