تحالف التطبيع.. والمقاومة

 

 

علي بن مسعود المعشني

Ali95312606@gmail.com

الجهر بمعصية التطبيع اليوم، لابد أن يعود بنا إلى بدايات القرن العشرين وما رافقه من أحداث ومؤامرات، وتهافت الغرب الاستعماري على غنائم وميراث الرجل المريض والمتمثل بالدولة العُثمانية. كانت هذه الأحداث التي تظهر في زمنها على أنها صراع نفوذ ومصالح بين المستعمرين الإنجليزي والفرنسي على وراثة العُثماني، تبيَّن أنَّها مخططات مُتفق عليها لتفتيت الأمة العربية إلى كانتونات صغيرة تُسمى "أقطار"، وتحمل ملامح الدول من أعلام وعملات وأناشيد وطنية وحدود سياسية أصبحت فيما بعد رموز "سيادية"؛ حيث كان يُريد المستعمر من هذه التقسيمات خلق أقطار وظيفية ممزقة ومشتتة، تتقاتل على فُتات رموز الدولة فيما بينها باسم السيادة، وتخدم المستعمر الجديد بوعي وبلا وعي وقت الحاجة.

ثم أتَى الفصل الثاني والأخطر من المخطط وتمثل في وعد بلفور وما تلاه من وعود وتمكين لليهود بفلسطين بالحيلة والقوة، وصولًا إلى قرار التقسيم لفلسطين عام 1936م.

تعثُّر المخطط الاستعماري في تنفيذ بنوده بشكل مريح لسببين؛ الأول: اشتعال الحربين الأوروبيتين (العالمية)، والسبب الثاني: وجود بعض الزعامات العربية التاريخية والتي قاومت المخطط واستشعرتْ الخطر على الأمة في زمن مُبكر.

خرج الاستعمار من الباب وعاد من النافذة، بتكريس التبعية والانبهار والانفراد بالأقطار العربية الفاعلة في مواجهته والتحريض عليه. تمكين الكيان الصهيوني من فلسطين عام 1948م بتوافق إقليمي ودولي في ظل غياب وتغييب دولة الاستقلال العربي تمامًا، وتمرير وضع الكيان على أنه وضع تاريخي طبيعي، دون التصريح بأنه استثمار غربي وقاعدة متقدمة له في قلب الأمة، جعل بعض العرب يُصدِّقون سرديات الكيان الصهيوني ورعاته ويبحث عن مبررات لتسويق وتقبل وجوده بزعم اختلال موازين القوى بيننا الكيان. الحروب والمعارك التي خاضها العرب مع الكيان لم تكن مشجعة كثيرًا لخلق ثقافة مقاومة حقيقية تتنزع الحق العربي الفلسطيني من براثن الصهيونية العالمية.

اليوم.. بات جليًّا وظيفة الكيان الصهيوني الحقيقية في قلب الأمة كمعطل تاريخي لها من الوحدة والنهوض حتى على الصعيد الفردي؛ حيث حارب ودمر الغرب عبر الكيان الصهيوني كل كيان عربي فاعل أو تجربة عربية يمكن أن تُشكل نموذجًا وقدوة في أي مجال تنموي، فقتل العلماء ودمر المفاعلات النووية، وسمم البذور والتربة والثروة الحيوانية حتى لا تصبح هناك تجارب عربية للأمن الغذائي.

يأتي "طوفان الأقصى" اليوم ليسقط أوهام سبعة عقود من تغييب العقل العربي، ويسقط معها سرديات الكيان ورعاته واتباعه، بصورته النمطية المتمثلة في القوة العسكرية والرفاهية. أتى الطوفان وبعض العرب على وشك الاقلاع نحو أحضان التطبيع، وتسويق حل الدولتين، مستغلين حضور غصن الزيتون وغياب البندقية عن أيدي أصحاب الحق لعقود خلت، فما كان للمطبعين من خيار إزاء هذه الصدمة التاريخية سوى الهروب الى الأمام، والجهر بمعصية التطبيع رغم فساده، والتحالف مع العدو ضد من يحمل سلاح أو فكر أو ثقافة المقاومة.

من الصُّدف غير الجميلة لتيار التطبيع أن تيار المقاومة يتواجد في جغرافيات مختلفة؛ الأمر الذي يجعل من مواجهتها أو القضاء عليها مُكلف وصعب للغاية، كما يجعل هامش المناورة لدى فصائل المقاومة وعمقها الجغرافي عميق؛ الأمر الثاني أن الهرولة نحو التطبيع أتت في زمن خروج العدو من الخدمة وضعف وتقهقر داعميه إقليميًّا ودوليًّا، والأمر الثالث وهو الأخطر، أن التطبيع والتحشد مع العدو أتى في زمن الصواريخ والمسيرات العابرة للحدود بأنواعها، وفي زمن تشكل عالم جديد متعدد الأقطاب ومتضارب المصالح.

--------------

قبل اللقاء: من يقرأ التاريخ، يقرأ المستقبل.

وبالشكر تدوم النعم...،

تعليق عبر الفيس بوك