علي بن سالم كفيتان
عقب إطلاق النَّار على الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب، في تجمع انتخابي، أثيرت العديد من التساؤلات؛ أبرزها: هل تدخل الولايات المُتحدة في دوامة من العنف بعد هذه الحادثة؟ خاصة بعد كلمة الرئيس بايدن المُقتضبة التي دعا خلالها الشعب الأمريكي إلى أهمية زيادة لحمته والدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية والتعبير عن الاختلاف بالطرق السلمية، وليس عبر استخدام السلاح؛ فالمُتتبع يرى في الكلمة محاولة لتبرئة الرئيس نفسه وحزبه من أي ضلوع في تصفية ترامب من السباق الانتخابي عقب الأداء المُخيب للرئيس العجوز في أول مناظرة رئاسية ظهر من خلالها حائراً وضعيفاً أمام قوة وثبات وهجوم ترامب، في الوقت الذي لم يصدق فيه البعض أن العملية كانت حقيقية، ويرى فيها نوعًا من التمثيل الهوليودي الذي تجيده الولايات المتحدة الأمريكية، فلا يُعقل أن يعتلي سطح المبنى المجاور للقاء انتخابي مُسلحون لديهم بنادق صيد مزودة بمناظير مقربة، على مرأى ومسمع من الجميع، بمن فيهم الحضور الذين التقطوا صورًا ومقاطع فيديو لمنفذ العملية وهو يجهز بندقيته ومن ثم ينبطح أرضاً ليصوب ناحية المنصة، وفي الأخير تصاب أذن ترامب بخدش طفيف.
لفت أنظار العالم الرئيس بايدن وهو يقول بأنَّه لن يسمح لدوامة العنف والكراهية أن تصل أمريكا، في الوقت الذي يسمح لنفسه بأن يتسبب بذلك في مكان آخر من العالم عبر تصدير الأسلحة والقذائف التي تحمل آلاف الأرطال ويزود بها الدولة الصهيونية لتسقطها على رؤوس الأبرياء في فلسطين، فهو يصنع دوامة عنف وتطهير عرقي، ويسمح بها في أي مكان بالعالم، لكنه لن يسمح بها في أمريكا، قمة التناقض والضعف والوهن الذي أصاب القيادة الأمريكية، وكالعادة سيستأنف المرشح ترامب جولاته الانتخابية، وسيُوظف هذا الحدث بكل ما أوتي من قوة للظفر بمقعد بايدن في نوفمبر المُقبل، فهل هي تمثيلية ترامبية ألفها له أحد أصدقائه من الوسط الفني، أم أنها لحظة أراد من خلالها القائد العجوز إزاحة ترامب من الساحة واللعب مع عجوز يُماثله من الطرف الآخر؟
إن المشهد لا يزال فيه الكثير من الضبابية في ظل التراخي الأمني للحراسات الخاصة التي أحاطت بالحدث، وسمحت للرجل أن يُطلق خمس طلقات على المنصة، وسط ذهول الجميع قبل أن تتم تصفيته؟
الذي يعلم أمريكا وعاش بها، يرى أنَّ الحادثة عادية جدا؛ فالشعب الأمريكي مصرح لهم بحمل السلاح، ولا توجد ضوابط صارمة لذلك، وتختلف من ولاية لأخرى، وسبق أن تم قتل الرئيس كندي ومحاولة أخرى لاغتيال ريجان، وغيرها من الأحداث التي تضع هذا السيناريو ممكن الحدوث؛ وبالتالي المجتمع الأمريكي لن يتأثر ولن يدخل في دوامة عنف أو حرب أهلية، بل سيعتبر ذلك حدثاً عارضاً أعطى المزيد من الإثارة للصراع الانتخابي الأمريكي، وسيكمل الرجلان المشوار حتى يقصي أحدهما الآخر، ولا شك أنَّ الصين وروسيا تتمنيان الفوضى للداخل الأمريكي الذي يخوض حرباً شعواء في الشرق الأوسط مع الصهاينة لتكتمل الصورة المرسومة لإضعاف أمريكا داخليًّا وخارجيًّا، واستلام الشرق لراية قيادة البشرية أما العرب المنتظرون إعادة انتخاب ترامب لكي يعودوا إلى ردهات البيت الأبيض ويستمتعوا بجلسات كامب ديفيد وإحياء فكرة الشرق الأوسط الجديد، وتوحيد الديانات الإبراهيمية؛ فمن المؤكد أنهم كانوا قلقين على صحة الرجل الذي صنع كل تلك الأحلام قبل أربع سنوات، ثم غاب عنهم وتركهم يحملون ألواحهم تائهين بها بين المشرق والمغرب يخوضون في مغامرات غير محسوبة العواقب مع شعوبهم تارة ومع جيرانهم تارة أخرى.
إنَّ ثورة السابع من أكتوبر أسقطت حكومات وأحزابًا وغيرت خارطة العالم السياسية التي لا تزال تتشكل فمن دعم واعتراف غير مسبوق بفلسطين في عدد من بلدان الغرب الأوروبي وامتناع الحصون المنيعة الأخيرة الداعمة للصهيونية كألمانيا وفرنسا وبريطانيا إلى سقوط مدوٍّ لهم بانهيار الأحزاب الحاكمة في فرنسا وبريطانيا واعتلاء سدة الحكم أحزاب تدعم وقف الحرب ومُحاكمة إسرائيل والاعتراف بفلسطين ولن تكون ألمانيا استثناء من القاعدة، حتمًا سيشملها التغيير الذي عمَّ أوروبا والعالم بعد السابع من أكتوبر، ولا شك أنَّ بايدن سيسقط وستنهار الحكومة الصهيونية وسيُحاكم نتنياهو ويودع السجن وستعود فلسطين وقضيتها العادلة إلى الواجهة مجدداً بدماء الشهداء لا بصيحات الخذلان ووهن الأنظمة العميلة للغرب...حفظ الله فلسطين.