رسائل إلى رئيس الوحدة (8)

 

 

د. صالح الفهدي

لفتات التكريم

كان رئيس الوحدة ينظر في إحدى الشاشات المرتبطة بقاعة من القاعات في الوحدة، وهو يطالع بإعجاب ما يقوم به أحد الموظفين من ترتيب للمكان، وتنظيم للأثاث بما فيه من الكراسي والطاولات، وتنظيف بيئة القاعة، وقد كان وحيداً لا يتوقع أن أحداً يراقب فعله الحسن في مكان آخر، ولا شك كان يفعل ذلك لأن أخلاقه تهذبت على هذه الخصال الحسنة، والأفعال الراقية.

ثم إن رئيس الوحدة بعد أن رأى ما أعجبه من فعل الموظف، قدم له الشكر في حديثه المصور الذي بث في جميع أرجاء الوحدة، وأشاد بالمبادرة التي قام بها الموظف من تنظيم للمكان، وجعله في الحالة التي كان عليها قبل استضافة المناسبة، بل أن رئيس الوحدة لم يقتصر على الثناء والإشادة والشكر إنما وعد بتكريم الموظف في مناسبة قادمة.

لقد عزَّز فعل رئيس الوحدة ليس من معنويات الموظف المشاد به وحسب، بل وجميع نفسيات الموظفين في الوحدة، وقدم لهم مؤشراً إيجابياً للتحفيز، والتقدير من قبل رئيس الوحدة، وهو ما يشيع في الوحدة ثقافة الإتقان والتفاني والإخلاص في الأداء، مصاحباً بثقافة التحفيز والإشادة والتشجيع.

وفي المقابل، هناك على الوجه المقابل رئيسٌ محبط، حيث يطلب أحدهم من رئيس الوحدة أن يقدم الشكر إلى موظفين يجتهدون ويتفانون بإخلاص في عملهم، فيرد عليه: لماذا أشكرهم إن كانوا يستلمون رواتب آخر الشهر؟!! لقد نظر هذا الرئيس إلى أولئك المجتهدين المثابرين وكأنهم آلاتٌ تعمل، وليس بشراً لهم مشاعر يمكنها أن ترتفع بالتشجيع والتحفيز والثناء، أو تهوي بالإحباط، وعدم إبداء الشكر أو التقدير.

الأول أنموذج الرئيس الذي يقود وحدته بالقيم الرفيعة التي تقدر الإنسان، وتحتفي بأدائه، وتحفزه من أجل رفع معنوياته لزيادة العطاء والجهد، أما الثاني فهو أنموذج الرئيس (الميكانيكي) الذي لا تعنيه المشاعر وكأن الإنسان في نظره مجرد آلات صماء، بل أن الإنسان عليه أن يستشعر بالجماد فكيف لا يستشعر بالإنسان، ولنا في حديث جذع النخلة عبرة، فقد كان يقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما بني له منبراً من طين فصعد عليه، سمع أنيناً أو صياحاً من الجذع فنزل ووضع يده عليه، ويقال ضمه إليه، فسكن الجذع!.

الشكر والثناء والإشادة والتحفيز هي قيم الرئيس الناجح الذي يذكر أثره، وتحمد خصاله، ويثنى على مكارمه، وتخلد أفعاله، فقد سمعت رؤساء يذكرون لمآثرهم الطيبة، وآخرون يذكرون لمثالبهم الشائنة. وحينما قابلت الرئيس الذي أشاد بالموظف، شكرته على لفتته الطيبة، وتقديره الجميل، وما كان ذلك عرضاً في شخصيته ولكنه ديدناً وعادةً فقد سمعته يثني على كل موظف محسن، ويعزز من نفسيات موظفيه، ويحفزهم على الأداء الأفضل بأسلوب يتوخى تحسين قدراتهم بطريقة لا تجرح مشاعرهم، ولا تؤذي نفسياتهم، بل تدفعهم إلى تجويد الأداء، وتحسين العمل بنفسية عالية.

إن الرئيس الذي يحسن تقدير موظفيه، ويجيد تحفيزهم، ويتقن شكرهم والثناء عليهم هو رئيسٌ يتوسم نجاح وحدته في تحقيق الأهداف السامية، أما الرئيس الذي لا يعرف لسانه إلا الحط من المعنويات، والتثبيط من القدرات فهو مصدرٌ طاردٌ للقدرات، منفرٌ للكفاءات، وفي الوحدات كلا النوعين، وأثرهما واضحٌ يمكن أن ترى نتائجه في البيئة العلمية بصورة بينة.

يبقى القرار بيد رئيس الوحدة إما أن يثني ويشكر ويحفز ويقدر فينال محبة موظفيه، وذكرهم له بخير فيما بعد، وإما أن ينتقد ويسخط ويتذمر ويحبط فينال بغض موظفيه، وذكرهم له بغير ما يحب أن يذكر به، وخيرهما الذي يختار ما يصلح صحيفة عمله، ويحسن إلى وحدته.