في غار ثور

 

 

محمد رامس الرواس

لطالما كانت فكرة مُرافقة الرسول عليه الصلاة والسلام عند هجرته إلى المدينة تراود أبا بكر الصديق رضي الله عنه حتى تحقَّقت عندما جاءه الرسول وطلب منه أن يذهب معه ويُرافقه في الهجرة، وكان أبوبكر قد أعدَّ لهذا اليوم استعداده، فخرج الرسول ومعه صاحبه أبوبكر ليلا من مكة، متجهين إلى أسفل جبل يقع بأسفل مكة، والرسول يقول: "الحمد لله الذي خلقني ولم أكن شيئا، اللهم أعِنِّي على هول الدنيا ومصائب الليالي والأيام، اللهم اصحبني في سفري واخلفني في أهلي"، وكانا عندما يمشيان يأتي أبوبكر تارة من أمامه، وتارة من خلفه، وتارة عن يمينه، وتارة عن شماله، فلمَّا سأله الرسول عن ذلك، قال: إنْ كنت أمامك خشيت أن تؤتى من خلفك، وإن كنت عن يمينك خشيت أن تؤتى عن شمالك.

اقترب الرسول عليه الصلاة والسلام وصاحبه أبوبكر من فوهة غار يُدعى "غار ثور" ليلًا، كانا يطلبان مكانًا للاختباء فيه من قريش التي خرجت تطلبهما، وكان الغار بمثابة النفق الذي يصلح للمكوث فيه بصفة موقتة، حيث إنَّ قريش تقوم بمسح المنطقة بكاملها، ولم تترك مكانًا للبحث فيه عن الرسول وصاحبه إلا أتت إليه، وقبل أن يهم الرسول عليه الصلاة بالدخول للغار استوقفة أبوبكر الصديق، وقال له: مكانك حتى أستبري لك الغار، ودخل قبله ليتأكَّد من خلو الغار من أن يكون فيه سبع أو حيَّة أو شيء يؤذي الرسول.

وكان أبوبكر قد أخبر ابنه عبدالله أن يستمع لما يقوله الناس عن الرسول نهارا ويأتيهما بالخبر ليلاً، فكان يخبرهما وينقل لهما ما يئتمرون به، ويقولون في شأن الرسول عليه الصلاة والسلام، وكان أبوبكر قد أمر مولاه عامر بن فهيرة أن يرعى الغنم في النهار بحيث يتم مسح آثار عبدالله وأسماء عندما ينقلا لهما الأخبار ويأتيهما أيضاً باللبن، وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما بالطعام.

وكانت قريش تطلب النبي صلى الله عليه وسلم بشدة ومستنفرة كل جهودها في البحث عنه حتى جاءوا أمام الغار فوقفوا عليه، وشاهدوا العنكبوت قد نسجت خيوطها، وقد رُوي أنَّ حمامتين قد عشَّشتا على باب الغار، فقالوا لبعضهم البعض: لم يدخل أحد، فشعر بهم أبوبكر، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يُصلي، وكان النبي إذا حزَّ به أمر صلى، فقال أبوبكر: إنَّ هؤلاء قومك يطلبونك، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تخف إنَّ الله معنا.

وعن أنس بن مالك، أن أبا بكر قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار: لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا. فقال النبي له: يا أبا بكر، ما ظنك باثنين الله ثالثهما.

فمكثا في الغار ثلاثة أيام حتى هدأ وسكن الطلب في إثرهما، وكانت قريش بعد خروجهما من مكة قد ذهبت في كافة الاتجاهات، وجعلت جائزة 100 من الإبل لمن يُرشد عنهما، بعد أن اختلطت عليهم الآثار وأضاع القصاصون أثارهما. وبعد ثلاثة أيام من مكوثهما في الغار، خرجا وأكملا مسيرتهما نحو المدينة، تحفُّهما عناية الله، وتظلل عليهما غمامة قوله تعالى: "إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم".