خالد بن أحمد بن سيف الأغبري
نقاط التحول السلبي التي نراها متفاعلة مع مُجمل هذه التوترات والمُغالطات والقضايا الشائكة والأزمات التي وَضَعت المنطقة على صفيح ساخن من البراكين الثائرة هي بلا أدنى شك، انعكاس طبيعي لمؤامرات ومخططات مُعلنة وغير مُعلنة.
وهي في ذلك مدعومة بأفكار ونوايا سيئة وسياسات عنصرية غير آمنة، وذلك نتيجة التباين الواضح في المواقف والرؤى التي ينتهجها البعض تجاه ما يتوجب فعله في مواجهة تلك التحديات والأزمات التي تُفرض على الأمة الإسلامية والتكالب عليها من أجل أن تبقى مهمشة ومسلوبة الإرادة ومنزوعة السلاح لئلا تكون قادرة على اتخاذ أي قرار سيادي يحمي مصالحها وأمنها ويصون حقوقها ويحافظ على مكتسباتها من هذه الفوضى والعنجهية البغيضة والحقودة التي تتطور أساليبها وتسوء حالتها يوماً بعد يوم.
ولقد أصبح الإنسان المسلم مستهدفًا أكثر من غيره من قبل بعض العصابات والجماعات التي تقف وراء كل معضلة وكل أزمة تثير القلق والتوترات بهدف تعميق الخلافات البينية وتسويق النزاعات والدسائس الماكرة، وذلك على خلفية ما تقوم به تلك الجماعات المناهضة للفطرة السليمة والقيم الأخلاقية الفاضلة والمبادئ الإنسانية الحميدة؛ بل أصبحت تضخ إمكانياتها وتعمل على إبادة الشعوب الإسلامية وتضمر لها المكائد والحقد والكراهية، مستحلة دماءها وأعراضها ومقدراتها على اعتبار أنها أمة لا تستحق العيش على هذه الأرض من وجهة نظرهم وذلك من منطلق تخوفهم وشعورهم بأنَّ هذه الأمة قد نالت مكانة خاصة من لدن الخالق سبحانه وتعالى من حيث المميزات الإيمانية والسلوكية والمبادئ الكريمة والقيم المثلى التي قد تشكل خطرًا كبيرًا عليهم وعلى مستقبلهم من وجهة نظرهم، وهو نتاج معطيات ونجاحات ما قدمته تلك الرسالة المحمدية التي شقّت طريقها منذ بزوغ فجر الإسلام وانبلاج يومه العظيم بزعامة قائده الكريم سيدنا محمد الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، والذي بعثه الله ليختتم به الرسالات وتتوحد من خلاله الإنسانية وتنجلي به ظلمات الجهل والظلال، بعيدًا عن العنصرية والدكتاتورية الحمقى التي أضحت متفشية في عالم اليوم دون أن تجد من يصحح مسارها ويوجهها توجيهًا سليمًا؛ بما يجسد طاعة الله والعمل وفق منهجه الصحيح في إطار السلوك الأمثل.
هذا المنهج الذي يهدف إلى تحقيق معطيات الأمن والاستقرار، وبعدما انطلقت تلك الرسالة العظمى بدأت المواجهة الحقيقية بين الحق والباطل، بين حماة الدين الإسلامي وزعاماته من جهة وبين زعامات الباطل والفساد والغطرسة من جهة أخرى؛ حيث إن الدين الإسلامي دين رسالة متكاملة وشاملة وعادلة فرضها الخالق- جلت قدرته- لتشمل كافة مكونات الحياة الدينية والمجتمعية والتي سوف تبقى وتظل مدعومة ومحمية من قبله سبحانه وتعالى لتضفي على الحياة البشريّة طوقًا مقدسًا وآمنًا وحراسة عقائدية وشرعيّة مؤثرة في حياة الإنسان المسلم، إذا ما وجدت من يحتضنها بفلسفة إيمانية عميقة وراسخة تدار بعقلية واعية وعادلة ومدركة لمحاور الفضيلة وأركان الشريعة ومقارعة الباطل وهزيمته.
وتحقيق ذلك بلا شك لا يتم بقوة السلاح وكثرة العدد والعتاد فحسب بل بقوة الإيمان والتسلح بتقوى الله وحسن المُعاملة والتأثر بأخلاقيات رموز الدين ومجالسة أصحاب الخير والصلاح والفكر الرصين وهو ليس من أجل رفع الأرصدة المالية وتخزين الأموال الطائلة والظهور بمظاهر تلك السيارات الفاخرة والقصور الفارهة المحصنة بالجنود والخدم وما خفي أعظم، الأمر آلذي أدى إلى إلحاق الضرر بأبناء الأمة الإسلامية وانشغالهم بما يفسد عليهم تلك القيم والثوابت الأساسية، فضلًا عن موالاتهم لأعدائهم والسير وراء مخططات أولئك الأعداء المنحرفين عن جادة الصواب، بدليل ما تخطط له تلك الدولة الصهيونية وأعوانها المارقون الذين أكثروا في البلاد الفساد والبغي على العباد وانعدمت فيهم المبادئ والقيم الإنسانية لتتشكل من خلالهم أبواق الفتن وحاضنات الفساد والمفسدون بعد ما تعطلت الضمائر الحية وتعفنت الروح الإنسانية وتحللت مظاهر الديمقراطية وطمرت الحرية وتلاشت الشهامة وتطايرت الكرامة في زمن قست فيه القلوب وتحجرت فيه العقول وانكشفت فيه الأقنعة وتبعثرت فيه القيم وانصهرت فيه المبادئ.
لم يعد للإنسان في هذا العصر قيمة حقيقية كما كان عليه سابقًا، ولم يعد للعروبة والإسلام مرجعية تحميها من فساد المفسدين إلّا من رَحِمَ ربي، ولم يعد لهما مكانة في ساحة المتنفذين، بقدر ما هي صور مُتلاحقة من صولات المجرمين وعنجهية الفاسدين وضجيج المنافقين من ذوي العقول الميتة والنفوس المريضة.. فسلام على تلك الحياة التي همشت فيها العدالة وظهرت فيها قوى الظلم والظالمين وتعددت فيها بؤر البغي والفساد.
على أبناء الأمة الإسلامية أن ينتبهوا ويضعوا في اعتبارهم أنهم يقفون أمام تحديات كبرى سواء كان ذلك من قبل أعدائهم الذين يواجهونهم بصورة مباشرة وواضحة وجها لوجه أو من قبل تلك الفئة التي تُمارس نشاطها في الخفاء تحت مظلة عدوهم الأكبر، فهم جميعًا يُشكِّلون حلفًا خطيرًا على الامة، ويمارسون قانون الغاب الذي لا يحترم حقوق الآخرين..
نسأل الله العفو والعافية لجميع المسلمين والنصر والتمكين لعباده المجاهدين.. ولله عاقبة الأمور.