ظاهرة "التنمر" في المدارس.. خطورة لا بُد من مواجهتها (3)

 

منى بنت حمد البلوشية

 

تأخذ ظاهرة التنمر أبعادًا كثيرة وتحتاج لعدة مقالات وكتابات نستخلص منها الكثير من الأسباب التي تجعل المتنمر يقوم بأفعاله هذه، وتحدثتُ في مقاليّ السابقيْن عمّن هو المسؤول في تربية الأبناء، والدور الذي لا بُد له أن يقوم به، وكيف يمكن التعامل معه، حتى نصل بهم لبر الأمان.

المواقف والأحداث كثيرة وكل يوم من اليوم المدرسي الذي يقضيه الطلبة بين أروقتها لا تخلو منها وبشتى طرقها.

خلال هذه الفترة، وأنا أكتب هذه المقالة صادفتُ خبرًا أن طالبًا اعتدى على زميله بأداة حادّة في مدرسته، مُسببًا له جروحا وتمَّ على إثرها تنويمه في المستشفى. السؤال هنا: كيف سيتم التعامل مع هذا المُتنَمِّر؟ ويؤسفني إطلاق هذا اللقب عليه، وكيف سيكون وضعه وما الإجراءات التي ستُتخذ ضده؟ وهل سيعي ويفهم كيف سيواري سوءته بعد ما أدخل زميله للمستشفى؟ وما الأسباب التي دفعته لذلك؟

الكثير من الأسئلة التي تحوم في مخيلتي وتحتاج لعدة دراسات وجلسات؛ لأجل إنقاذ هذه الفئة من الطلبة لتعيش بسلوكيات سوية لا تشوبها شائبة، ومع نهاية السنة الدراسية أصبحت هذه الظاهرة في ازدياد، وبعد كل اختبار نهائي نشاهد الكثير من الاعتداءات ومظاهر التنمر المختلفة التي لا يخلو يوم منها، وما أبشع تلك المظاهر والألفاظ وقساوة المنظر.

تعزو الدراسات أسباب ظهور التنمر في المدارس، إلى التغيرات التي تحدث في المجتمعات، والمرتبطة أساسًا بظهور العنف والتمييز بمختلف أنواعه، واختلال العلاقات الأسرية في المجتمع، وتأثير الإعلام على المراهقين في المراحل المتوسطة والثانوية، وكثرة تغيير الأماكن وعدم قدرة أقارب هؤلاء الطلبة المتنمرين على ضبط سلوكياتهم.

ومن الأسباب التي تؤدي لهذه الظاهرة:

أولًا: أسباب سيكوسوسيولوجية، وهذا المسمى فرع من فروع علم النفس، يدرس سلوك الأفراد وهو سبب علمي مرتبط بالحالة الاقتصادية والفواق والطبقات الاجتماعية ومن الممكن أن يتطور ليكون خارج البيئة المدرسية.

ثانيًا: أسباب أسرية سببه تلبية الاحتياجات المادية للأبناء من مسكن وملبس ومأكل وتعليم في أرقى المدارس وترفيه زائد عن الحدّ، نعم هذه أشياء ضرورية ولكن يقابلها إهمال الدور الأهم بالنسبة للطفل أو المراهق، ألا وهو المتابعة التربوية وتقويم السلوك وتعديل الصفات السيئة والتربية الحسنة، وقد يحدث هذا نتيجة إنشغال أحد الوالدين أو كلاهما معًا عن تربية أبنائهم ومتابعتهم، مع إلقاء المسؤولية على غيرهم كالمدرسين أو المربيات في البيوت وهذا هو الوضع الحالي والدارج في بيوتنا.

ثالثًا: الأسباب المترتبة بالحياة المدرسية وفي هذا السبب ارتقى العنف في المدراس مستويات غير مسبوقة، وقد وصلت حدّ الاعتداء اللفظي والجسدي على المعلمين من طرف الطلاب وحتى من أولياء أمورهم، حيث اندثرت حدود الاحترام الواجب على الطالب ومعلمه مما أثّر هذا على أشياء كثيرة.

رابعًا: الأسباب المرتبطة بالإعلام والثورة التقنية، وهذا السبب الجميع يعلم كيف يكون سببًا للعنف والاعتداء إن لم تكن هناك مراقبة على جميع الفئات العمرية بشكل مباشر أو غير مباشر، فهذه التقنية التي اجتاحت العالم وضعت الجميع تحت وطأته وتحت حالات نفسية إن لم يتم معالجتها والسيطرة عليها؛ حيث طغى السلوك العدواني على الأفراد مما يحتاج إلى تعديل سلوك أولًا قبل اللجوء لطرق أخرى.

هذه الأسباب التي تؤدي الطالب إلى حالات التنمر والتي من المفترض ألا نسميها بهذا الاسم التوصيفي، إلّا أنه تم إطلاقه للعنف الشديد الذي يقوم به المعتدي ويتضرر منه المعتدى عليه نفسيًا وجسديًا لذلك؛ علينا أن ندرك بأن الطلبة والأبناء أمانة بين أيدينا نحن من يرعاها ويسقيها. وعلى أولياء الأمور أولًا أن يغرسوا غرسًا طيبًا مسقيًا بماء الحب والاحتواء والقيم الإسلامية التي لا بُد لها أن تكون في هرم التربية، حتى يأتي دور المعلم والمدرسة ويُكملوا ما غرسوه ليكونوا واجهة لآبائهم ومدارسهم ليفخروا بهم دائمًا وبتميزهم الأخلاقي والدراسي، فلا نغفل أو نهمل في تربيتنا عن جزء ونهتم بأشياء من المفترض ألا نعطيها الاهتمام الأكثر؛ بل علينا التوازن في أمورهم وتربيتهم.

وفي ختام هذه السلسلة.. علينا أن ندرك أن التربية ليست بتلك الصعوبة إن أتقنا صُحبة أبنائنا منذ ولادتهم، واستمتعنا لهم بجميع مراحل طفولتهم وصباهم ومراهقتهم، وأن التربية تكون بالحب والاحتواء، وألا ندع هذه الظاهرة تستفحل؛ بل نحاول جاهدين منع حدتها.

حفظ الله أبناء عُمان الحبيبة وجميعنا يد واحدة لأجلهم، فهم ثروة عُمان واستثمارها الأغلى.

تعليق عبر الفيس بوك