يؤمنون بمحرقتهم ويتنكرون لمحرقة غزة

 

 

د. أحمد بن علي بن العمري

 

 

يا للعجب ويا للغرابة ويا للا منطقية ويا للمتناقضات ويا للخداع!

كذب، ثم كذب، ثم كذب وافتراء، وفي كل مرة نُصدِّق ونستسلم، وإن كان ذلك ضد مبادئنا وقيمنا وتعاليمينا ومعتقداتنا وحتى ديننا السمح.

لقد تدخلوا في أدق تفاصيل حياتنا وأوهمونا بـ"الإسلاموفوبيا" وأنجررنا وراءهم دون تفكير أو مراجعة أو تحقق، وأوهمونا أننا لم نكن على حق، وأنهم فقط وحدهم أصحاب الحق والعدل والمساواة والحرية وحقوق الإنسان؛ فصدقنا ونحن ثُمالى مُنتشين بالراحة الاقتصادية والسعادة والهناء والاستقرار، حتى وصولوا لمرحلة التدخل في المناهج الدراسية وحذف كل ما يُشير إلى سماحة الدين الإسلامي الحنيف وإلغاء مواد بعينها.

أتحدث عن ما يوصف بـ"دول العالم الثالث" الذي ينعتونه بـ"المتخلف"، بينما هُم دول العالم "المُتقدِّم" الذي يجب أن نتبعهم ونقتدي بهم لننجح في حياتنا ونستفيد من التكنولوجيا العظيمة لديهم ونسعد بها!!

لقد تمادوا في الأمر ليفرضوا علينا ما يعتقدونه، ويجب علينا أن نُصدق أن الحق باطل، والباطل حق، حسب مايرونه هم طبعًا.

يؤمنون بمحرقة الهولوكوست، ويتنكرون لمحرقة غزة، حتى في هذه يريدوننا أن نتبعهم.

وإذا ما قارنّا بين محرقتين حدثتا في قرنين مختلفين وزمانين متغايرين وظروف متباينة، سنعرف الحقائق من الضلالات، والصدق من الكذب، والصراحة من الخيال، والسرد من الواقع.

إن محرقة الهولوكست التي يزعمونها وصدعوا بها العالم وقسموه إلى يومنا هذا بين معادٍ للسامية ومتضامن معها، لم يؤكدها إلّا القليلون جدًا. ومع هذا أعطوها من التضخيم والتهويل المبالغ فيه حد المبالغة.

لكنَّ محرقة غزة تحدثُ كل يوم وعلى الهواء مباشرة وأمام مرأى العالم وسمعه، ومع ذلك ما زالت دول العالم المتقدم تقف إلى جانب المعتدي وتناصره؛ بل وتمده بالمال والسلاح.. هل هذه هي العدالة والحرية وحقوق الإنسان؟!

إذن لم يعد لدينا سوى الرجوع لقيم ديننا الإسلامي المعتدل وأخلاقنا ومبادئنا وشيمنا وعاداتنا وتقاليدنا ونخوتنا وفزعتنا، فكيف يا عالم يا متحضر يا محافظ على الحرية والقيم وحقوق الإنسان تؤمن بمحرقة لم ترها، وتتجاهل وتتنكّر لمحرقة وعذاب وقتل وتشريد وإبادة جماعية تراها كل ساعة وكل يوم، ولا يتحرك لك ساكن ولا ضمير إنساني ينبض؟!

هل هذه هي المبادئ والقيم والإنسانية التي خدعتمونا بها على مر العقود؟

إننا لا نتنكر للمحرقة التي تعرض لها اليهود على يد النازية؛ بل نحن ضد كل قتل وتدمير وحرق وإبادة وتشريد يتعرض لها أي إنسان في العالم أيًّا كان، لكننا نطالب بالمساواة والكيل بميزان العدل.

اللعنة على التضليل والزيف والكذب والخداع والكيل بمكيالين أينما وجد، وأحمدُ الله أن بلادي سلطنة عُمان ماضية في هذا التوجه المُعتدل الرزين المنطقي والواقعي بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وحكومته الرشيدة ومن خلفهم شعبهم الوفي الأبي.

حفظ الله عُمان وسلطانها وشعبها.