الأفذاذ

 

صاحب السمو السيد/ نمير بن سالم آل سعيد

أشخاص عاديون بسطاء أدركوا أنَّهم إذا أرادوا النجاح في حياتهم، فلا بُد أن يرسموا لأنفسهم رؤية مُستقبلية واضحة، لما يريدون أن يكونون عليه، ويسعون لتحقيقها بجد ونشاط.

ولا مناص من أجل النجاح إلّا التحرك في اتجاهه بخطوات مدروسة مُستمرة للوصول إليه. والنجاح له عنوان، ومساره العزم والهمة والإرادة والاجتهاد. والفشل له عنوان ومساره اللامبالاة والتراخي والاستهتار والضياع. والاختيار قرار إلى أي عنوان التوجه والمسار. ومن أراد النجاح أن يكون من نصيبه لا يكتفي بالتمني والدعاء. مثلما دعا النبي عيسى بن مريم عليه السلام ربه، قائلاً " رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ"؛ فنزلت المائدة له وللحواريين الذين معه يأكلون منها أينما نزلوا ومتى شاءوا.

غير أن المعجزات ولّت وغابت وانتهت من زماننا، وواقع الحياة يتطلب بذل الجهد الكبير من أجل تحقيق الأهداف لا التوقف في محطة الانتظار ترقبًا لشيء ما أن يحدث أو أحد ما سيأتي ليُغيِّر الحال. فلا أحد سيأتي ولن يحدث شيء، ومن لا يُعين نفسه في هذا الزمان لا أحد سيُعينه.

فلا مائدة ستنزل من السماء محملة بأصناف الأمنيات المتحققة لتقديمها لمتمنيها فردًا فردًا؛ فذلك من الاستحالة بمكان أن يكون، فلا النبي عيسى بيننا ولا نحن بالحواريين.

وحين لا يوجد هناك تخطيط جيد وتحرك شخصي واعٍ ومستمر، فمعناه أنه تخطيط للفشل، وسيبقى الحال على ما هو عليه أو إلى الأسوأ.

الأيام تمضي والسنون تمر، ولن ينتظر الزمن ذلك الذي ينتظر واقفًا على محطات العمر، لا يفعل شيئًا، مُهدرًا للوقت.

قُم، افعل شيئًا، انفض غبار الضعف والانهزامية، فإذا لم يتحرك شيء لن يتغير شيء. ولنؤمن بمسار العزيمة والنشاط من الشباب الطامحين إلى مستقبل أفضل.

فهؤلاء يشقون طريقهم إلى الأمام رغم التحديات، شعارهم "لا يأس مع الحياة"، و"من سار على الدرب وصل".

وقد يضيع الجهد أحيانًا هباءً، وإنما عبر المحاولة وتكرار المحاولة يتم تحقيق الأهداف، فما خاب من سعى!

رسموا قصتهم بأنفسهم، لم يرسمها لهم غيرهم وأشتغلوا على تحقيقها على الواقع لترى النور؛ يقينًا منهم بأن الحياة فرص بحاجة لمن يقتنصها إذا ما لاحت في الأفق وإلّا أدبرت ضائعة في جوف الظلمات.

قد يتعرض هؤلاء للصعوبات المختلفة في سعيهم، لكن لا يثنيهم شيء، مُركِّزين على أهدافهم، متأهبين للوصول إليها. ويُحبِطُون الإحباط، لا الإحباط يُحبِطهم؛ فالعبرة بالنهاية، وتفاصيل الرحلة مهما ساءت وقست، ففي كوامنها يكمن جسر العبور. لا يوقفهم شيء في مسارهم من أجل النجاح لنيل ما يتمنون بمشيئة الله، وسيتوفقون يومًا لا محالة في مساعيهم بجهودهم الخيرة. ثم لا ينظرون إلى معاناتهم التي مروا بها على أنها مأساة مُحزنة؛ بل تجارب وخبرات مفيدة اكتسبوها زادتهم قوة وصلابة. والآن يعيشون حياتهم يستمتعون بما جنوه من منافع في تحقيق الهدف، سعداء لا شيء ينقصهم في منظورهم الذاتي، وإنما الأهداف لا تنتهي؛ فهي أساس الحياة وحياتهم تمشي بسلاسة يحققون ما يريدونه تباعًا.

هؤلاء الأفذاذ صنعوا ذاتهم بذاتهم، بعدم اليأس والاستسلام للمصاعب والتحديات والأفكار السلبية، وأنت أيضًا "نعم تستطيع".

الأكثر قراءة