كيف يسهم السفر في تعزيز الفهم الثقافي؟

 

سعيد بن حميد الهطالي

saidalhatali75@gmail.com

 

لخّص الإمام الشافعي -رحمه الله- فوائد السفر في خمس:

تغرّب عن الأوطان في طلب العلا // وسافر ففي الأسفار خمس فوائد

تفريج هم، واكتساب معيشة // وعلم وآداب وصحبة ماجد

 

ولا تنحصر فوائد السفر في هذه العناصر الخمسة التي ذكرها الإمام إنما ربما قد ذكر أهمها! فحدود السفر قد تتجاوز الفوائد الخمسة، وقد اخترت من بين ذلك الكم فائدة تعزيز الفهم الثقافي الذي اصطفيته عنوانًا لهذا المقال.

لأنَّ السفر تجربة ثرية بالتأمل والتفكر والمعرفة والتجارب والذكريات الجميلة، والتكيف مع المواقف غير المألوفة، والاستفادة والتعلم منها، وهي تعد استثمارًا للذات يُعزز من القيم الإنسانية، والمعارف الفكرية والثقافية، ويضفي على حياتنا بعدًا آخر جديدًا من الفهم للعالم من حولنا، كونه وسيلة للتعلم واكتشاف الذات والعالم، فعندما نسافر نتعرف على حياة أناس آخرين يعيشون في بيئات وظروف مختلفة عن بيئتنا وظروفنا الأصلية، تفتح لنا مجالات جديدة للمعرفة نغوص في تنوع ثقافتها التي تنمي من وعينا، وتوسع آفاقنا، وتمنح لعقولنا فرصة جديدة لفهم العالم، حين تتلاقى العقول، وتتبادل الخبرات والتجارب الإنسانية، مما يثري في داخلنا المقارنات بين القيم، والعادات والتقاليد المختلفة، وفهم كيفية تفكير وثقافة الشعوب الأخرى بشكل أوضح يكسر الصور النمطية والمفاهيم الخاطئة التي تكونت لدينا نتيجة عدم المعرفة.

كما إن التجارب الجديدة التي نمر بها تغيّر نظرتنا للعالم، وتجعلنا ندرك بأن ثمة طرق مختلفة للعيش والتفكير تساهم في توسيع آفاقنا وتعليمنا، وتعزز من تواصلنا الشخصي، ومشاركاتنا، وحواراتنا، وبناء علاقاتنا، ومد جسور التفاهم والاحترام المتبادل، وبناء الصداقات والروابط الإنسانية الإيجابية عبر الحدود حيث تصبح أكثر انسجامًا، وتسامحًا مع السكان المحليين في تلك الدول، وتقبّل التنوع، واحترام الاختلافات الثقافية، و فهم حياة الشعوب، وتحدياتهم، وآمالهم .

وزيارة المواقع التاريخية والمتاحف والمعارض الفنية والأثرية، والعلمية والثقافية، والمعالم السياحية المختلفة تتيح لنا كمسافرين أو سائحين فرصة فهم التاريخ والثقافة والعادات والتقاليد التي تشكل هوية تلك الدولة، والتعرف على الإنجازات البشرية المتنوعة التي من شأنها أن تعزز من فهمنا الثقافي.

وفي الختام.. ليس السفر مجرد ظاهرة انتقال جسدي من مكان إلى آخر غرضه النزهة والسياحة والاسترخاء إنما هو ظاهرة روحية ونفسية ورحلة فكرية، وتجربة سفر تعمّق معرفتنا بالعالم، وتزيد من ثقافتنا، و تجعلنا مواطنين عالميين أكثر وعيًا وفهمًا وثقافة، وتمنحنا منظورًا أعمق عن الحياة، يعلمنا بأن العالم أكبر من دائرة معارفنا.. وأوسع من آفاق مداركنا، وحين نعود إلى ديارنا لا نعود بالصور التي التقطناها للذكريات فحسب بل بفهم أعمق لأنفسنا وللعالم من حولنا، ينبؤنا أن الأرض هي وطننا الكبير، وتراثنا المشترك على هذا الكوكب الذي ننحدر منه جميعًا، والذي نعيش عليه، ونستمتع بجماله وثراه، والذي يجب أن نراه بعين المبصر، وبنظرة المتأمل، وبقلب الواعي، وبعقل المتدبر.

يقول أحد الفلاسفة: "العالم كتابٌ، من لا يسافر فيه لا يرى سوى صفحة واحدة"!

حين سألني أحد الأصدقاء بعد عودتي من السفر: كيف كانت الرحلة؟

أجبته بأنَّ الرحلة- ولله الحمد- كانت جميلة عززت بداخلي الوعي بقيمة الوطن ونعمة الانتماء إليه، وإدراك الثراء والجمال الذي يتمتع به على اختلاف الأصعدة والمجالات، فحين تنزل من سلم طائرة العودة إلى أرض الوطن، وتستنشق هواه النقي تشعر بأحاسيس تتأجج بالفخر والامتنان في داخلك تجدد فيك الروح والطاقة والحب، وتذكرك بأن وطنك جوهرة ثمينة تستحق كل الحب والعناية، فريد بكل ما فيه لا يشبهه أي وطن مهما بلغ من تقدم وحضارة وجمال، وثراء.. فما عليك إلّا أن تسجد شكرًا لله على نعمة الانتماء إليه.

تعليق عبر الفيس بوك