حيدر بن عبدالرضا اللواتي
تبذل الجهات المعنية جهودًا متواصلة لتعزيز إنتاجية العامل في المؤسسات والشركات الخاصة من خلال عدة وسائل متاحة لها. وتَعدُّ مسألة تسوية منازعات العمل واحدة من الوسائل التي تستخدمها جهات العمل من أجل حفظ حقوق جميع الأطراف المشاركة في العملية الإنتاجية لهذه المؤسسات.
ومؤخرًا تم تنظيم ندوة حول تسوية منازعات العمل بحضور المسؤولين من وزارة العمل والقضاة والمحامين بجانب أصحاب الأعمال والعاملين في المؤسسات للوقوف على التحدِّيات التي تواجه الأعمال التجارية والصناعية وغيرها من الأعمال الأخرى، وبالتالي تؤدي إلى نزاعات بين الأطراف الداخلة في العملية الإنتاجية وإلى زيادة التسريحات والاستقالات والدوران في العمل.
الندوة تعرضت إلى مناقشة عدة قضايا منها آليات تسوية منازعات العمل الوراردة في قانون العمل العُماني الصادر بالمرسوم السُّلطاني رقم (53/2023)، والقرارات المنفذة له، وما تقوم به لجان التسوية الودية ومحاضر الصلح بين الطرفين والنتائج وآثار تلك المحاضر، والتطرق إلى التحكيم كوسيلة لتسوية المنازعات العمالية، بالإضافة إلى الاستفادة من تجارب بعض الدول في مجال تسوية منازعات العمل والنظر في إمكانية الأخذ بها وتطبيقها على أرض الواقع.
فالعالم قد سبقنا في الكثير من هذه القضايا التي تحدثُ بين أصحاب المؤسسات والعاملين، والتي تعتمد كثيرًا على مبدأ الإنتاجية والكفاءة في الإنتاج واحترام القوانين الداخلية للمؤسسات، مع ضرورة مراعاة المناسبات الاجتماعية في الدول التي تعني بقضاياها في هذه المجالات مثل دول المنطقة، وبحيث لا تبقى الأمور المادية هي المسيطرة فقط على عقيلة القائمين على إدارة تلك المؤسسات دون فهم الجوانب الأخرى للعامل الوطني.
لقد خرجت الندور بعدة توصيات لمساعدة وحل القضايا العالقة بين أصحاب وإدارة المؤسسات والعاملين بها في القطاع الخاص كل على مستوى قطاعه، والوقوف على المؤثرات الكائنة إيجابًا وسلبًا في كل قطاع، الأمر الذي سوف يساعد في معالجة النزاعات قبل أن يبادر العمال بتقديم شكاويهم للمؤسسات، مع إبراز دور النقابات العمَّالية في تلك المؤسسات لتسوية النزاعات القائمة قبل بروزها بصورة كبيرة، والعمل على تكثيف الجهود لتوعية الجميع بحقوقهم لتحقيق القدر الأكبر من الاستقرار وتعزيز الانتاجية، واستدامة العمال في العمل بصورة مستمرة، مع إعطاء الحرية لطرفي النزاع للاتفاق على ما يخدم مصالحهم بحُرية أكبر.
ومن الأمور المستحدثة في هذه الندوة هي خروج الحضور والمشاركين فيها بضرورة استخدام الذكاء الاصطناعي في توجيه العامل وغيره من الجهات إذا لم تنجح جهود الوساطة. وسوف نرى إن كانت الآلة هي التي ستحفظ حقوق المؤسسات والعمّال أم الأشخاص الذين يشرفون ويتخذون قراراتهم على تلك الأعمال من خلال إجراء التحقيقات في تلك الأمور، وجمع الأدلة ومقابلات مع الشهود، وتقييم الامتثال لقوانين ولوائح العمل وغيرها تمهيدًا لإحالة تلك القضايا للمحاكم.
نحن نحتاج إلى إجراء مزيد من الدراسات مع توسع الاقتصاد العماني ونشؤ ظاهرة النزاعات العمالية سواء من قبل المؤسسات المعنية في الدولة أو من قبل الشركات والمؤسسات التي يعمل بها عدد كبير من العمال. وهذه الدراسات ستتوقف على عدة نتائج أهمها أسباب تلك المنازعات والتعرف على أبعاد المظاهر السلوكية للعاملين وضعف الإنتاجية باختلاف الفئات العمرية والمؤهلات التعليمية للعاملين. فهناك عدة عوامل لمظاهر السلوكية للموظف في ضعف الإنتاجية تتمثل في عدم التكيف مع بيئة العمل، وضعف العلاقات الإنسانية بالرؤساء والزملاء والمتعاملين، وضعف الكفاءة الإنتاجية، بالإضافة إلى السلوك العام لصاحب المؤسسة أو العامل في اتخاذ القرارات السريعة، الأمر الذي يؤدي إلى مزيد من النزاعات العمالية، وبالتالي إلى غياب مبدأ الأستقرار والاطمئنان للعاملين وأسرهم.
نحن نعمل في السلطنة على بناء اقتصاد متنوع وديناميكي قادر على المنافسة إقليميًا وعالميًا ضمن رؤية عمان 2040 والتي تسعى إلى إبراز دور القطاع الخاص وتعزيز دعائم العدل والقضاء من أجل وجود عدالة ناجزة وحاسمة لأي خلاف ينشأ بين الأطراف المتخاصمة، الأمر الذي يتطلب العمل بسرعة وبجودة في إنهاء إجراءات التقاضي لهذه النزاعات التي تبقى بعضها لسنوات في أروقة المحاكم.