شارع "الأميرات"

 

أنيسة الهوتية

 

في يومٍ شبيهٍ بمثل هذه الأيام المستقبلةِ للصيف الحارق منذ حوالي عدة أعوام، أتاني زميلنا الجديد ليس في المؤسسة فقط إنما في عُماننا الحبيبة، وطلب مني أن أساعدهُ في إيجاد شقةٍ يستأجرها في المنطقة التي رآها على الخريطة من خلال بحثه، وقال:على ما يبدو من اسم المنطقة أنها جميلة، والأسعار بها ليست غالية كمثل منطقة الموج، الحيل، والموالح...إلخ.

وعندما نظرت إلى الخريطة من شاشة "لابتوبه" أشار بإصبعهِ الخنصرِ إلى منطقة قريبة من المنطقة التي أسكن فيها وقبل أن أنطق باسم المكان قال هو: "بِدي شوف الشقق بهَلمنطقة، إلي ع طول تطل على شارع الأميرات"... وكانت مكتوبة بالإنجليزي.

طبعًا بعد نطقه لكلمة شارع الأميرات، أردت أن أضحك إلّا أنني أمسكتُ لِجام عفويتي في تلك اللحظة فبلعت ضحكتي وارتشفت قهقهتها كذلك، ثم سألته: وَهل تُريد أن تسكن في تلك المنطقة اعتقادًا منك بأن الأميرات سيتمَشينَ في شوارعها صُبح مساء؟

نظر إليَّ وهو يبتسم ابتسامته الزرقاء الممتزجة بالصفراء ظنًا مِنه بأنني ألقيتُ نُكتة، وقال: لا لا، إلا أنَّ المسمى بالتأكيد لم يأتِ من عدم، ولا بُد أن هناك إمارةٌ من نوعٍ ما في تلك الشوارع، وهذه المنطقة لم تلقب بالأميرات من العدم! فبالتأكيد ستكون منطقة لا تقل رُقيًا عن الموج ومرتفعات القرم!؟

ففهمت بأنَّ المسكين لا زال لم يستوعب خريطة مسقط، ولا حتى تضاريس السماسرة فيها! فأخبرتهُ: صدقت يا (فُلان) بذكرك عن الإمارة من النوع الآخر المتواجدة في هذه المنطقة، والمتسيدةِ عليها، ولكن للأسف سيخيب ظنك حين تعلم أنها فعلًا تقل رُقيًا عن ما ذكرت. أما عن المخلوقات المتسيدة لها والمستبدةِ بها، فإن منها من تظنُ أنها من فئة الأميراتٍ فعلًا، فيخرجن بنية التجوال في شوارع المنطقة بنشاط شديد في منتصف الليل أو منتصف النهار دون حسيب ورقيب وبالتالي يتسببن بالكثيرِ من الحوادث الخطيرة التي بعض منها أودى بحياةِ بعض قائدي السيارات.

فنظر إليّ بعينين مُتشككتينِ، وقبل أن ينطق بادرته: لقد تعرضت لمواقف بنفسي مع هذه المخلوقات، وأنت تعلم أنني لا أكذب! وَفي أحد المواقف كنت ذاهبة من عملي إلى البيت وبينما وصلت إلى شارعٍ يُسمى شارع الرحبة وإذا بإحدى هذه المخلوقات تظهر فجأة وهي تمشي ببطءٍ شديد خطوة بخطوة على كعبها العالي، وهي تمضغ شيئًا في فمها بغنجٍ، وفجأة وقفت في منتصف الطريق أمام سيارتي! زمرت كثيرًا حتى تتحرك، إلا أنها بقيت في مكانها وهي تنظر إلي بطرف عينيها الواسعتين المكحلتين والتي رموشها تكاد تصل إلى جبينها الذي ليس به حاجب أبدًا.

قال: يا لطيييف، "وبعدين شوصار"؟!

أكملت: "شوصار! اصتكت" السيارات وراء سيارتي، وحضرتها لا زالت تقف مكانها وتمضغ الشيء الذي في فمها "وما همها شيء!" حتى ارتفعت أصوات أبواق السيارات، وانزعجت ثم بدأت تتحرك ببطءٍ شديد، خطوة بخطوة على كعبها العالي حتى خرجت، فتحركنا!

قال: الحمدلله.

قلت: فعلًا، الحمدلله الذي أنهى الموقف بلا حوادث، ولا خسائر، ولا وفيات، على الأقل هذه كانت مُدللة وبطيئة، هناك غيرها يأتين بسرعة فائقة ويضربن السيارات وكأنهن صاروخ أرض جو، والله يستر على النتائج!

قال: الله أكبر، شو هايدي المخلوقات؟

قلت: حَمير.. إنها الحَمير في ولاية العامرات يا (فلان)، والمنطقة اسمها العامرات وليس الأميرات (لأنه قرأها باللغة الإنجليزية Alamirat).

نظر إليّ بنظرات كنت أرى فيهِ عصب عينه يرمش وليس جفنه، فخرج دون كلمة من مكتبي.

وبعد أيام عرفت أنه استأجر شقة في منطقة الموج!