السقوط في بئر العُزلة

 

محمد رامس الرواس

"إن إسرائيل أصبحت أكثر عزلة وإن الضغط يزداد عليها ولا أحد يقدم حلًا واقعيًا لمشكلاتها" روني لوشينار كبير الدبلوماسيين الإسرائيليين السابقين لدى الأمم المتحدة.

*********

السلطات القضائية بالعالم تعمل بصورة مُتزايدة لاستخراج إدانات دولية ضد دولة الكيان الإسرائيلي، وذلك من خلال ما ورد في التقارير الأممية؛ منها على سبيل المثال تقرير فرانشيسكا ألبانيز مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالأراضي الفلسطينية المُحتلة، ويحدث ذلك تزامنًا مع تزايد الانتقادات الشديدة والغضب في المجتمع الدولي لما ترتكبه إسرائيل من أبشع جرائم الحرب والإبادة في قطاع غزة.

ورغم أن هذه الإجراءات تجري ببطء، لكنها تزداد يومًا بعد يوم، يستمر جيش الاحتلال في ارتكاب المجازر المروعة وإبادة الشعب الفلسطيني غير آبهٍ بالقانون الدولي. ويأتي أمر محكمة العدل الدولية بوقف إسرائيل عملياتها في رفح ليزيد من عدد الضربات التي تتلقاها إسرائيل وتنال من مكانتها الدبلوماسية في المجتمع الدولي، ولا شك أن إسرائيل أصبحت اليوم أكثر عزلة من ذي قبل، وأن الضغط الأممي يزداد عليها بوتيرة متسارعة، ولم تعد تجد المساندة المعتادة التي كانت تتمتع بها في بداية حربها على غزة أو في أي حرب سابقة؛ بل على العكس تمامًا؛ حيث إنَّ العديد من دول العالم- وخاصة الدول الأوروبية- بدأت تُغيِّر مواقفها، وأكثر من ذلك تعلن اعترافها بدولة فلسطين وعلى رأسها ثلاث دول أوروبية (إسبانيا وأيرلندا والنرويج) بينما يُنتظر أن تلحق بها العديد من الدول الأوروبية لاحقًا.

وعلى ذات الصعيد، فإنَّ المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية تعملان حاليًا على الكشف عمَّا يجري في غزة ونقله إلى مجلس الأمن الدولي، ومنه إلى العالم أجمع. فبعد عقود من الزمن يسعى المجتمع الدولي ليكشف عن حقيقة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي ظل أسير هيمنة السردية الإسرائيلية التي اتضح للعالم اليوم عدم صحتها، بينما كانت في السابق تفلت من العقاب. وتزداد هذه العزلة وتتعاظم يومًا بعد يوم، خاصة بعد طلب المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير دفاعه.

من جهة أخرى، فإنَّ حرب غزة أضعفت معنويات ونفسيات الشارع الإسرائيلي والجنود والقادة الإسرائيليين من خلال مجموعة أسباب؛ أولًا: ما يُعانيه جيش الاحتلال من تردٍ في معنوياته وزيادة حالات الانتحار بين جنوده، بشكل جعل القيادة الإسرائيلية تُخفي عددهم، بينما زملاؤهم يتكبدون خسائر في الأرواح والعتاد على الأرض في معاركهم الدائرة حاليًا في مخيم جبالبا ورفح وغيرها. ثانيًا: أن الشارع الإسرائيلي لا يتوقف عن استمرار مطالبته بإبرام صفقة تبادل للأسرى ووقف الحرب وإسقاط الحكومة الحالية، التي باتت الخلافات تعصف بأعضائها، بينما قلوبهم تتنافر عن بعضها البعض بشكل ينبئ عن حالة انقسام كبرى وشيكة بينهم.

ختامًا.. إنَّ حروب الجيوش النظامية مع حركات المقاومة على مر التاريخ سجلت أنَّ السلاح والتدمير لا يؤدي الى انتصارات حقيقية، والوصول إلى أهداف مرتكبيها؛ بل إن صمود المقاومة والتأثيرات النفسية التي تتبع ذلك، تزيد من تدني المعنويات لدى الجيوش النظامية، وتوثر بشكل كبير في النتائج، التي غالبًا ما تكون لصالح المقاومة صاحبة الحق؛ مما يُغيِّر سلوكيات الخصم ويدفعه إلى مزيد من الإحباط والفشل.. ولقد نجحت حركة حماس من خلال إعلامها العسكري في أن تؤثر بشكل كبير على الشارع الإسرائيلي والرأي العام العالمي، وتُعرِّفُهُ بالواقع، من خلال ما تنشره من تفاصيل حول أوضاع الأسرى صحيًا ونفسيًا وكذلك معاركها المباشرة مع الاحتلال، وهي أمور بلا شك ستُحسب نتائجها باعتبارها نقاط قوة لدى حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية.. وللحديث بقية.