السيب.. المعبيلة

 

أحمد الرحبي

ضمن المُناطق المُتميزة في مدينة مسقط، والمُختلفة كليًا عن بقية المناطق الأخرى، تبرُز السيب بمساحتها المنبسطة التي لا تُعيقها الجبال ومجاري الأودية، مثل بقية المناطق في مسقط؛ فالسيب التي كانت منذ القِدم بلدة ساحلية وواحة زراعية في نفس الوقت، تتميز بفرادة الاتساع في المساحة والامتداد المفتوح بلا عوائق، عكس مناطق مدينة مسقط الأخرى؛ حيث الجبال ومجاري السيول، تقلل المساحات القابلة للسكن والتعمير.

أما السيب الخالية من التكوينات الجبلية، فتجد الانبساط في الأرض يوفر مساحة ممتدة، والمجاري السيلية لا تؤثر على هذه المساحة، رغم أنَّ السيب تقع على حوض وادي سمائل الذي يعد من أكبر الأودية في السلطنة وأغزرها، فالسيول تجري بسلاسة إلى البحر، نظرًا لعامل المساحة المفتوحة والانبساط الذي يميز الأرض في السيب.

والسيب كما وصفها الرحالة البريطاني برترام توماس بلدة مُهمة يأتيها السكان من العاصمة في شهور الصيف، والحياة فيها بسيطة. ويضيف: "وأنه ليس من الصعوبة بمكان أن يدخل أي شخص إلى حدائق النخيل، ويأخذ ما يُريد دون أن يغضب صاحبها، فحفنة من التمر لا تؤثر، وهي ليست بعزيزة على المحتاج إليها".

كما يورد توماس في كتابه "مخاطر الاستكشاف في الجزيرة العربية" عن السيب: "ويزور التجار كثيرًا "السيب" لاستثمار نقودهم في تجارة التمر، والمحاصيل الأخرى، أو لقضاء الصيف مع ذويهم. وسكان السيب الذين قاموا برحلات لزنجبار والهند والعراق قد جلبوا معهم محاصيل وزهورًا جديدة لزراعتها هنا. والهواء هنا معطر بالياسمين والحنة، والفاكهة هنا ناضجة، وهي مُعلقة فى الأغصان وكأنَّها لا تعرف يد الفلاح أبدًا، ومن الأشجار التي تنمو في منطقة السيب أشجار المانجو وجوز الهند".

وكانت السيب قبل أن تشهد امتدادها المتعاظم في مساحة السكنى، بلدة ساحلية وادعة وواحة زراعية غنّاء تمتاز بمزارعها الوارفة الظلال، كون موقعها على حوض وادي سمائل وفَّر لها غزارة المياه الجوفية وغنى التربة الزراعية التي تشكلت من الطمي الذي جلبته فيوض السيول على امتداد آلاف السنين، هذه البيئة الزراعية وخصوبة الأرض جعل من السيب مصيفًا لسكان مسقط، هربًا من حرارة الصيف اللاهبة، وشكلت مزارعها، إضافة إلى الظلال المُنعشة التي توفرها، حتى وقت قريب مصدرًا غنيًا لإنتاج التمور والخضراوات وثمار المانجو والليمون.

لقد شهدت السيب أواخر عقد السبعينيات وبداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي، امتدادًا كثيفًا للمناطق السكنية؛ فالبلدة الساحلية ضيقة المساحة ذات الطابع الريفي، تحوّلت إلى مدينة سريعة النمو في فترة قياسية؛ فتنامى العمران وزادت الكثافة السكانية، خاصةً مع اختيار السيب كمكان جاذب نظرًا للسعة والامتداد المفتوح بلا مخاطر من جراء السيول كبقية المناطق في مسقط، وهربًا من ضيق المساحة والاكتظاظ في شرق المدينة... كلها عوامل أدت إلى قيام أحياء ومناطق سكنية جديدة بشكل متسارع كالخوض والموالح والحيل.

وهذا الامتداد والكثافة العمرانية التي شهدتها السيب خلال عقد أو عقد ونصف العقد، جعلها تبرز كمدينة كبيرة، تضم كثافة سكانية متعاظمة في كل يوم بسبب رغبة السكان في الاستقرار فيها؛ سواء القادمين من وسط مسقط ضيق المساحة والمكتظ بالسكان، أو القادمين للاستقرار في مسقط، من الباطنة والداخلية والشرقية.

وحتى أواخر الثمانينيات كانت السيب لم تبدأ بعد كثافة الاستيعاب القصوى للسكان، برغم النمو السكاني المتسارع الذي تشهده، وحينها كان السهل المنبسط والمتميز بارتفاعه عن مجاري السيول، الذي تشكله المعبيلة، أرض فضاء واسعة ولم يكن هذا المكان، حتى بداية التسعينيات، إلّا سهل واسع من الحصباء ومن الوهدات والهضبات الرسومية، وبعض شجرات السنط التي تقاوم بتحدي لهيب الشمس وعصف الرياح، على قلة مواردها المائية. ولقد كانت النقلة المفاجئة للمعبيلة من مجرد سهل أجرد إلى منطقة ذات كثافة سكانية تفرض قيمتها العالية في السوق العقاري، في بداية التسعينيات، مع وصول واستقرار أولى الأفواج، الذين انتقلوا من العذيبة والغبرة (كانوا يقطنون في مساكن بمواد غير ثابتة على جانبي شارع السلطان قابوس)، في إطار إجراءات تنظيم مدينة مسقط وتطويرها، ضمن خطة تطوير مدني وعمراني شملت العديد من المناطق في مسقط، أشرف عليها ديوان البلاط السلطاني في ذلك الوقت.

ولقد تزايدت كثافة العمران في المعبيلة بشكل متسارع، مع تزايد القادمين من وسط مدينة مسقط، ومن الباطنة والداخلية والشرقية، للاستقرار فيها، ولقد أدّى هذا التزايد للسكان والكثافة السكانية في المعبيلة، إلى امتلاء السهل المفتوح، رغم امتداده واتساعه، وهو ما ادى إلى اعتبار المعبيلة أكثر منطقة تشهد كثافة سكانية وسكينة، بنمو متسارع، في السلطنة. وتشهد المعبيلة حاليًا تنفيذ مشروع رائد للإسكان بمواصفات المدينة الذكية، هو مشروع "مدينة السلطان هيثم" المدينة التي يُنتظر أن تُوفِّر لقاطنيها الرفاهية والاستدامة، وفق خطط عالمية رائدة في بناء وتطوير المدن؛ حيث تُشكِّل مدينة السلطان هيثم التي خُططت على مساحة 14.8 مليون متر مربع، وجهة جاذبة ومعززة للاستثمار، وهي تمثل نموذجًا للمُدن المستقبلية في السلطنة.

وما زال صوت سائق الأجرة في موقف سيارات الأجرة في روي يتردد صداه: "السيب.. المعبيلة"، يدعو الركاب، وإن بَعُد المشوار، من وسط مدينة مسقط إلى غربها.