ضريبة الدخل.. هل هي قادمة؟

 

 

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

 

يعتقدُ الكثيرُ من المواطنين أنَّ قرار الحكومة فرض ضريبة الدخل على الأفراد، ووصوله إلى أروقة مجلسيْ الدولة والشورى لماقشته، هو موضوعٌ جديد على الساحة العمانية، في الوقت الذي مضى عليه أكثر من أربع سنوات عندما طُرح لأول مرة في العام 2020، عند إعلان الحكومة لخطتها التنموية الاقتصادية للفترة 2020-2024؛ حيث كان أبرز بنود هذه الخطة -التي تنتهي مع نهاية العام الحالي- استحداث ضريبة الدخل على أصحاب الثروات والدخل المرتفع.

ومن خلال المتابعة لهذا الموضوع، نجد أنه كان مُتوقعا أن يطبق هذا القرار عام 2022 في عز الوباء الذي أصاب العالم بسبب انتشار "كوفيد-19"، إلا أنَّه تم تأجيل ذلك لفترة أخرى، بينما نسمع مجددًا اليوم أن القرار يتم تداوله من أجل تطبيقه بداية العام المقبل 2025. ومما لا شك فيه أنَّ لأي قرار حكومي تبعات إيجابية أو سلبية على حياة الناس وحركتهم اليومية في الأعمال والتشغيل... وغيرها من الأمور التي تهمهم، خاصة إذا كان الموضوع مُتعلقًا بالأموال التي تحاول الحكومة جذبها من خلال الاستثمارات الأجنبية التي تقدمها في إطار  الامتيازات الجيدة للاستثمار، خاصة وأنَّ هناك العديد من الضرائب المفروضة على الساحة مؤخرًا؛ منها: ضريبة القيمة المضافة، والضريبة الانتقائية، وضرائب العقار، والأرباح على الشركات والمؤسسات، ورفع أسعار المياه والكهرباء، والكثير من الخدمات الضرورية الأخرى في الحياة، بجانب الضرائب التي تُفرض من خلال البلدية والشرطة والجهات المعنية الأخرى.

جميع هذه القضايا مُتعلِّقة بالدَّيْن الخارجي الذي عانت من السلطنة خلال الفترة الماضية؛ الأمر الذي دعاها لتبني خطة التوازن المالي والتقليل من العجز السنوي والاستمرار في دفع الدين الخارجي الذي تراوح عام 2021 عند 21.7 مليار ريال عماني (56.4 مليار دولار)، ليصل اليوم إلى 16.6 مليار ريال (43 مليار دولار) وفق بيانات شهر مارس 2024؛ الأمر الذي أدى لتعديل النظرة المستقبلية إلى إيجابية، لينخفض الدين الحكومي العام إلى نسبة 36% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2023، مقارنة بنحو 45% في الأعوام السابقة عليه.

هذه المُعضلة هي التي تدفع الحكومة للبحث عن بعض البدائل في تصحيح الأوضاع المالية، والاستمرار في تقديم الخدمات، ولكن السؤول المطروح على الساحة هو مدى العوائد التي يُمكن أن تجنيها الحكومة من سياسة فرض ضريبة الدخل على الأفراد في منطقة إقليمية تتميَّز بالمنافسة الشديدة في جذب الاستثمارات الأجنبية وفي توفير خدمات مجانية عديدة؟!! هذه الخطوة ستكون الأولى من نوعها في المنطقة، في الوقت الذي يتحسَّن فيه التصنيف الائتماني للبلاد، بما يُعطي قدرة أكبر للمؤسسات العامة والخاصة على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية للبلاد، مع تحسُّن أسعار النفط وزيادة الإنتاج اليومي لهذه السلعة المهمة؛ الأمر الذي يساعد السلطنة على رفع مستوى إيراداتها المالية السنوية، وتعزيز الكفاءة في استخدام فوائض إيرادات النفط والغاز، وتنمية مختلف القطاعات الاقتصادية المتاحة، وإعطاء المزيد من الثقة في مواصلة دفع الاقتصاد الوطني.

إنَّ الخطة المالية متوسطة الأجل للسلطنة منذ العام 2020 مستمرة بصورة ناجحة في خفض الدين العام، وتنويع مصادر الدخل القومي، وتحفيز النمو الاقتصادي، وتوفير مزيد من الأعمال للأفراد العمانيين، وتنفيذ المزيد من المشاريع التي تهمُّ التنمية بشكل عام. وقرار فرض ضريبة الدخل على الأفراد سيؤدي حتمًا إلى "دربكة" هذه الخطة وأهدافها؛ بحيث لا نعرف مدى ضررها على الاقتصاد الوطني على المدى الطويل؛ الأمر الذي يفضَّل معه التريث لحين مناقشة جميع الجوانب التي تهم هذا العمل، خاصة وأنَّ الكثير من التجار وأصحاب الثروات في السلطنة مُلتزمون بدفع الزكاة السنوية على مداخليهم وفق الشريعة الإسلامية، والتي تُسهم في التقليل من معاناة بعض الأفراد في المجتمع، فيما تقوم جميع الشركات بتوفير بند المسؤولية الاجتماعية في موازناتها السنوية، والتي يتمُّ من خلالها توفير بعض الأموال للأعمال التطوعية والخيرية والمساهمة في دعم المجتمع المدني بالبلاد.

إنَّ البيانات المالية للبلاد في وضع جيد وفق بيانات المؤسسات المالية التي توقَّعت أن تحقق الميزانية العامة للبلاد فائضا بنسبة 4.1% من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2023، و2.4% للعام الحالي 2024، و1% بنهاية عام 2025، ولكنَّ الخوف كل الخوف يكمُن في المخاطر القائمة على تراجع أسعار النفط العالمية لما دون التوقعات؛ الأمر الذي يدفع الحكومة نحو إيجاد بدائل؛ ومنها: فرض ضريبة الدخل على الأفراد.

إنَّ سلطنة عُمان في حال قرَّرت تطبيق ضريبة الدخل على الأفراد ستكون أول دولة خليجية تطبق هذا النوع من الضرائب؛ حيث تهدف الحكومة من تطبيقها لإعادة توجيه الدعم لمستحقين آخرين، وفق ما يحصل في دول أخرى. وقد أعلنتْ عدة دول خليجية مُؤخرًا عن عدم نيتها فرض هذه الضريبة من أجل تشجيع البيئة الاقتصادية وتعزيز فرص الاستثمار بها، وهذا ما يجب علينا إدراكه؛ بحيث تبقى البئية الاقتصادية في عُمان منافسة للدول الأخرى.